لفهم ماهية المعلومات.. "هراري" يناقش إعادة صياغة الذكاء الاصطناعي للحقوق الرقمية

عبر كتابه الجديد "نكسس"

لفهم ماهية المعلومات.. "هراري" يناقش إعادة صياغة الذكاء الاصطناعي للحقوق الرقمية
المؤرخ الإسرائيلي، يوفال نوح هراري

"دع الحقيقة والزيف يتصارعان"، هكذا جادل جون ميلتون في كتابه "أريوباجيتيكا"، وهو كتيب نُشر عام 1644 للدفاع عن حرية الصحافة، معترفا بأن هذه الحرية ستسمح بنشر أعمال غير صحيحة أو مضللة، لكن الأفكار السيئة ستنتشر على أي حال، حتى بدون الطباعة، لذا فمن الأفضل السماح بنشر كل شيء والسماح للآراء المتنافسة بالتنافس على ساحة معركة الأفكار، معتقدا أن المعلومات الجيدة ستطرد السيئة.

ينتقد المؤرخ الإسرائيلي، يوفال نوح هراري، هذا الموقف باعتباره "وجهة نظر ساذجة" للمعلومات في كتاب جديد صدر في الوقت المناسب، حيث يزعم أنه من الخطأ أن نقترح أن المزيد من المعلومات أفضل دائماً وأكثر احتمالاً للوصول إلى الحقيقة، وفقا لرؤية نشرتها مجلة "الإيكونوميست".

ويرى "هراري" أن الإنترنت لم يضع حداً للشمولية، وأن العنصرية لا يمكن القضاء عليها بالتأكد من الحقائق، وينتقد أيضاً "الرؤية الشعبوية" التي ترى أن الحقيقة الموضوعية غير موجودة وأن المعلومات ينبغي أن تستخدم كسلاح.

ويلاحظ أنه من عجيب المفارقات أن فكرة اعتبار الحقيقة قضية وهمية، والتي تبناها الساسة اليمينيون، نشأت على يد مفكرين يساريين مثل ماركس وفوكو.

ولم يحقق سوى عدد قليل من المؤرخين الشهرة العالمية التي حققها هراري"، الذي باع أكثر من 45 مليون نسخة من كتبه التاريخية الضخمة، بما في ذلك كتاب "العاقل".

وحذر "هراري"، وهو من علماء المستقبل التكنولوجي الذي يتأمل سيناريوهات يوم القيامة، من الآثار السيئة للتكنولوجيا في كتبه وخطبه، ومع ذلك فإنه يأسر رؤساء وادي السيليكون، الذين ينتقد ابتكاراتهم.

في كتابه الجديد Nexus "نكسس"، وهو سرد شامل يمتد من العصر الحجري إلى عصر الذكاء الاصطناعي، يسعى "هراري" إلى توفير "فهم أفضل لماهية المعلومات، وكيف تساعد في بناء الشبكات البشرية، وكيف ترتبط بين الحقيقة والسلطة".

ويرى أن الدروس المستفادة من التاريخ يمكن أن توفر التوجيه في التعامل مع التحديات الكبرى المتعلقة بالمعلومات في الوقت الحاضر، وأهمها التأثير السياسي للذكاء الاصطناعي والمخاطر التي يفرضها التضليل على الديمقراطية.

وفي إنجاز مثير للإعجاب من التصويب الزمني، تمكن المؤرخ الذي تعمل حججه على نطاق آلاف السنين من التقاط روح العصر بشكل مثالي، ومع توجه 70 دولة، تمثل حوالي نصف سكان العالم، إلى صناديق الاقتراع هذا العام، فإن أسئلة الحقيقة والتضليل هي في صدارة أذهان الناخبين والقراء.

ونقطة انطلاق "هراري" هي تعريف جديد للمعلومات نفسها، حيث يقول إن معظم المعلومات لا تمثل أي شيء، وليس لها صلة أساسية بالحقيقة، السمة المميزة للمعلومات ليست التمثيل بل الاتصال، بمعنى أن الخيال ليس وسيلة لالتقاط الواقع بل وسيلة لربط وتنظيم الأفكار والناس بشكل حاسم، إنه "رابط اجتماعي".

ويبني رأي هذا "هراري" على حجة من كتبه السابقة، مثل "العاقل" و"الإنسان الإله": أن البشر سادوا على الأنواع الأخرى بسبب قدرتهم على التعاون بمرونة بأعداد كبيرة، وأن القصص والأساطير المشتركة سمحت بتوسيع نطاق مثل هذه التفاعلات، إلى ما هو أبعد من الاتصال المباشر بين الأشخاص، وأن القوانين والآلهة والعملات والجنسيات كلها أشياء غير ملموسة يتم استحضارها إلى الوجود من خلال السرد المشترك، لا يجب أن تكون هذه القصص دقيقة تمامًا، يمكن تبسيطها ويمكنها تجاهل الحقائق غير المريحة أو المؤلمة.

ويعامل "هراري" الديمقراطية والاستبداد باعتبارهما "نوعين متناقضين من شبكات المعلومات"، فبدءًا من القرن التاسع عشر، جعلت وسائل الإعلام الجماهيرية الديمقراطية ممكنة على المستوى الوطني، ولكنها أيضًا "فتحت الباب أمام الأنظمة الشمولية واسعة النطاق".. في الديمقراطية، تكون تدفقات المعلومات غير مركزية ويُفترض أن الحكام معرضون للخطأ، وفي ظل الاستبداد، يكون العكس صحيحًا. والآن تخلف وسائل الإعلام الرقمية، بأشكال مختلفة، تأثيرات سياسية خاصة بها، وتشكل تكنولوجيات المعلومات الجديدة محفزات لتحولات تاريخية كبرى.

المادة المظلمة

كما هي الحال في أعماله السابقة، فإن كتابات "هراري" واثقة وواسعة النطاق ومتبلة بالفكاهة، وهو يستعين بالتاريخ والدين وعلم الأوبئة والأساطير والأدب وعلم الأحياء التطوري وسيرته الذاتية العائلية، وغالبًا ما يقفز عبر آلاف السنين ويعود مرة أخرى في غضون بضع فقرات، قد يجد بعض القراء هذا منشطًا، وقد يعاني آخرون من صدمة.

وقد يتساءل الكثيرون لماذا، بالنسبة لكتاب عن المعلومات التي تعد بآفاق جديدة حول الذكاء الاصطناعي، يقضي الكثير من الوقت في التاريخ الديني، وخاصة تاريخ الكتاب المقدس، والسبب هو أن الكتب المقدسة والذكاء الاصطناعي كلاهما محاولات، كما يزعم، لإنشاء "سلطة خارقة معصومة من الخطأ".

وكما تبين أن القرارات المتخذة في القرن الرابع الميلادي حول الكتب التي يجب تضمينها في الكتاب المقدس لها عواقب بعيدة المدى بعد قرون، فإنه يخشى أن ينطبق نفس الشيء اليوم على الذكاء الاصطناعي: فالقرارات المتخذة بشأنه الآن ستشكل مستقبل البشرية.

يزعم "هراري" أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يمثل حقًا "ذكاءً غريبًا" وعلى النقيض من القصص أو الصحف، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون وكلاء نشطين في شبكات المعلومات، مثل البشر، ويخشى أن تتفاقم المخاطر المرتبطة بالحاسوب مثل التحيز الخوارزمي، والتطرف على الإنترنت، والهجمات الإلكترونية، والمراقبة الشاملة بسبب الذكاء الاصطناعي، ويتخيل أن الذكاء الاصطناعي يخلق أساطير جديدة خطيرة، وطوائف، وحركات سياسية ومنتجات مالية جديدة تؤدي إلى انهيار الاقتصاد.

 تبدو بعض سيناريوهات الكابوس التي يتخيلها غير معقولة، فهو يتخيل مستبداً يصبح مديناً لنظام المراقبة الذي يستخدمه بالذكاء الاصطناعي، وآخر يسلم السيطرة على ترسانته النووية إلى الذكاء الاصطناعي بدلاً من ذلك، بسبب عدم ثقته في وزير دفاعه.. تبدو بعض مخاوفه خيالية: فهو ينتقد موقع "تريب أدفايزر"، وهو موقع على شبكة الإنترنت حيث يصنف السياح المطاعم والفنادق، باعتباره "نظام مراقبة من نظير إلى نظير" مرعب.

وهو لديه عادة خلط جميع أشكال الحوسبة مع الذكاء الاصطناعي، وتعريفه لـ "شبكة المعلومات" مرن للغاية لدرجة أنه يشمل كل شيء من نماذج اللغة الكبيرة مثل "شات جي بي تي" إلى مجموعات صيد الساحرات في أوروبا.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية