عقب إسقاط قضيتها ضد "هنية".. ما هو مسار تحقيقات "الجنائية الدولية" في الحرب على غزة؟

عقب إسقاط قضيتها ضد "هنية".. ما هو مسار تحقيقات "الجنائية الدولية" في الحرب على غزة؟

بمعركة قضائية تتزامن مع نظيرتها العسكرية في قطاع غزة، تستعد المحكمة الجنائية الدولية لإصدار قراراتها بشأن المتهمين في ارتكاب جريمة حرب في القطاع الفلسطيني الذي يشهد عدوانا للشهر الثاني عشر على التوالي.

وفي جلسة سابقة، طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت، والزعيم السياسي السابق لحركة "حماس" إسماعيل هنية، وزعيم الحركة بقطاع غزة يحيى السنوار، وقائد كتائبها المسلحة محمد الضيف.

وفي 7 سبتمبر الجاري، قالت المحكمة الجنائية الدولية إنها أسقطت قضيتها ضد إسماعيل هنية، الذي قُتل في إيران بتاريخ 31 يوليو الماضي في عملية نُسبت إلى إسرائيل، ما يفتح تساؤلات بشأن مستقبل المتهمين الباقين في التحقيقات.

وفي السطور التالية ترصد "جسور بوست" مسار ومستقبل المحاكمة الدولية، وتسرد السيرة الذاتية للمتهمين ومواقعهم في الصراع الدائر منذ 7 أكتوبر الماضي.

لوائح الاتهام 

في 20 مايو 2024، قدّم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان طلبات لإصدار أوامر توقيف بحق ثلاثة من قيادات حركة حماس وهم إسماعيل هنية ويحيى السنوار ومحمد الضيف، إضافة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع في حكومته يوآف غالانت.

ووفق عريضة اتهام المحكمة الجنائية، تشمل التهم الإبادة والقتل العمد وخطف الرهائن والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي والتعذيب والمعاملة القاسية، باعتبارها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وتحدثت العريضة عن وجود أسباب للاعتقاد بأن هنية والسنوار والضيف يتحملون المسؤولية الجنائية عن مقتل مئات المدنيين الإسرائيليين في هجمات ارتكبتها حماس وجماعات مسلحة أخرى وخطف ما لا يقل عن 245 من الرهائن في 7 أكتوبر 2023.

وجمعت المحكمة الجنائية الأدلة بناء على مقابلات مع المجني عليهم والناجين، بينهم رهائن سابقون وشهود عيان في مواقع مختلفة شهدت هجمات عنيفة، إضافة إلى تسجيلات الدوائر التلفزيونية المغلقة، ومواد مسموعة ومرئية وصور فوتوغرافية ثبتت صحتها، وبيانات أدلى بها أعضاء من حماس بأنفسهم، وشهادة الخبراء.

وعلى جانب قادة إسرائيل، يواجه نتنياهو وغالانت اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وهي "القتل العمد، وتجويع المدنيين، وتعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة، والمعاملة القاسية، وتعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين، والاضطهاد".

واستندت التحقيقات على أدلة شملت مقابلات مع ناجين وشهود عيان، ومواد مرئية وصورا فوتوغرافية ومواد مسموعة ثبتت صحتها، وصورا ملتقطة بالأقمار الصناعية، وبيانات أدلت بها المجموعة التي يـُدَّعى بأنها ارتكبت الجرائم.

وتأتي أوامر الاعتقال والتوقيف عملا بولاية المحكمة بموجب نظام روما الأساسي، إذ تستطيع المحكمة ممارسة اختصاصها الجنائي في دولة فلسطين، بما يشمل غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.

مشروعية المقاومة

بدوره، كشف عبدالمجيد مراري، المحامي المختص في القانون الدولي والمتحدث باسم الفريق القانوني أمام الجنائية الدولية، أن حركة "حماس" الفلسطينية تقدمت بطعن أمام المحكمة بشأن التهم الموجهة لأعضائها الملاحقين، لا سيما أن لها الأحقية في ذلك لأن فلسطين عضو بالمحكمة منذ عام 2015، والمحكمة تدرس حاليا هذا الطعن وفق نظامها الأساسي.

وأوضح مراري في تصريح لـ"جسور بوست" أن المحكمة ستتخذ إجراءات خلال الأيام المقبلة بشأن تحقيقاتها في كل القضايا المنظورة لديها بعد الانتهاء من قراءة مذكرات الطعون والرد عليه، مرجحًا الاتجاه إلى إدانة نتنياهو وغالانت وصدور أوامر بالتوقيف والاعتقال.

واستبعد مراري أن يكون عدم توقيع إسرائيل على نظام المحكمة الجنائية الدولية عائقا عن صدور تلك المذكرة أو البدء في إجراءات التوقيف، مشيرا إلى أن روسيا وأوكرانيا لم توقعا على نظام المحكمة، لكن بوتين ملاحق وصدر بحقه مذكرة توقيف، لأن ولايتها القضائية تشمل مواجهة أي جرائم ارتكبها أفراد.

وبشأن التوقعات بإدانة قادة حماس، قال خبير القانون الدولي: "بالتأكيد هناك أخطاء فردية لكن مقاومة الاحتلال مشروعة، ولائحة المحكمة تنص على إسقاط المسؤولية الجنائية في حال الدفاع عن النفس والمقاومة الفلسطينية تدافع عن بلادها ضد احتلال".

وتأسست المحكمة الجنائية الدولية بصفة قانونية، في يوليو عام 2002 بموجب ميثاق روما الذي دخل حيز التنفيذ في أبريل من العام نفسه، وتعمل على وقف انتهاكات حقوق الإنسان عبر التحقيق في جرائم الإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

ولا تمتلك المحكمة قوة شرطة خاصة بها، لذا فهي تعتمد على الدول في تنفيذ أوامر الاعتقال التي تصدرها أو على المشتبه بهم أن يقدموا أنفسهم إلى المحكمة طواعية. 

والدول الـ124 التي انضمت إلى المحكمة الجنائية الدولية ملزمة قانونا بتنفيذ أوامر المحكمة، إذ تنص المادة 86 على "تعاون الدول الأطراف معه تعاونا كاملا، وفقا لأحكام هذا النظام الأساسي في التحقيق والملاحقة القضائية للجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة".

السير الذاتية للمتهمين

1 - بنيامين نتنياهو 

سياسي إسرائيلي ولد عام 1949، وتولى منصب رئاسة الوزراء أكثر من مرة، عرف بتأييد إقامة المستوطنات، ودعم حركة المهاجرين الروس، كما عرف بتشدده تجاه الفلسطينيين، ويعد رئيس الوزراء الأصغر عمرا بين الذين تولوا هذا المنصب.

أنهى دراسته الجامعية في الفترة ما بين 1972-1976، إذ حصل على درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية، ودرجة الماجستير في إدارة الأعمال من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في مدينة كامبريدج، وحصل على بكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة هارفارد.

وعاد إلى إسرائيل في عام 1967 لقضاء الخدمة الإلزامية في الجيش وخدم لمدة 5 سنوات في وحدة استطلاع هيئة الأركان العامة "سايرت ماتكال"، وهي أبرز وحدات المهمات الخاصة في الجيش الإسرائيلي وأصبح ضابطا برتبة نقيب، وشارك في الهجوم على مطار بيروت الدولي عام 1968، وذلك ردا على اختطاف الفدائيين الفلسطينيين لطائرات إسرائيلية.

اشتبك مع الساحة السياسية في إسرائيل أواخر السبعينيات من القرن الماضي، إذ عُين نائب رئيس البعثة الإسرائيلية في واشطن، ثم سفيرا لإسرائيل لدى الأمم المتحدة، وانتُخب عضوا في الكنيست عن حزب الليكود عام 1988، وعمل مساعدا لوزير الخارجية، وفي عام 2009 تسلم رئاسة الوزراء بعد منافسة حادة مع مرشحة حزب كاديما ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني، واستمر في منصبه في الانتخابات التالية التي جرت في عام 2013.

2 - يوآف غالانت 

جنرال إسرائيلي ولد عام 1958 لأبوين بولنديين نجيا من محرقة الهولوكوست وهاجرا إلى فلسطين في عام 1948، وعُرف بتميزه العسكري وترقيه في المناصب القيادية وصولا إلى منصب وزير الدفاع.

يعد أحد أكبر الداعمين للاستيطان في الضفة الغربية، والداعين إلى ضرورة التوغل الإسرائيلي في قطاع غزة، ويواجه اتهامات بانتهاك القانون الدولي الإنساني في حرب إسرائيل على غزة في 2008/ 2009.

وانضم إلى صفوف قوات الكوماندوز في الجيش الإسرائيلي، المعروفة باسم "شيطت 13"، وعمل ضابطا في القوات البحرية، وشارك في عمليات عسكرية عدة داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها.

وفي عام 1986، عيّن قائد سرية، ثم تدرج بعد ذلك سريعا في المناصب العسكرية، وفي عام 2002 حصل على رتبة جنرال، وشغل منصب السكرتير العسكري لرئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون، وفي عام 2022 قرر نتنياهو تعيينه وزيرا للدفاع خلفا لبيني غانتس.

وفي مارس 2023، أعلن نتنياهو إقالته من منصبه، إثر تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها حول قضية تعديل النظام القضائي، إذ طالب بتجميد آلية تعديل النظام القضائي، التي تسعى لها الحكومة مقابل اعتراض شعبي واسع. 

وفي إبريل 2023، أُعيد غالانت إلى منصب وزير الدفاع، على وقع الضغط الجماهيري والمظاهرات التي أعقبت استقالته، واشتهر بمعارضة نتنياهو علنا في العديد من المواقف منذ حرب غزة.

3 - إسماعيل هنية (متوفى)

كنيته أبو العبد، وُلد في إحدى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين عام 1963، وكان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ورئيس وزراء الحكومة الفلسطينية العاشرة، وشغل منصب رئاسة الحكومة الفلسطينية عام 2006.

قضى عقوبة 3 سنوات في السجون الإسرائيلية عام 1989، ثم نفي بعدها إلى مرج الزهور على الحدود اللبنانية الفلسطينية مع عدد من قادة حماس، حيث قضى عاماً كاملاً في الإبعاد عام 1992، بعد قضاء عام في المنفى عاد إلى غزة، وفي عام 1997 عُين رئيساً لمكتب الشيخ أحمد ياسين لحركة حماس، ما عزز من موقعه في الحركة.

وفي عام 2006 تولى منصب رئاسة الحكومة الفلسطينية، وبعد عام واحد، تمت إقالة هنية من منصبه كرئيس وزراء من قبل رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس، وذلك بعد سيطرة كتائب عزالدين القسام على مراكز الأجهزة الأمنية في قطاع غزة.

ورفض هنية القرار لأنه اعتبره آنذاك "غير دستوري"، مؤكداً أن حكومته ستواصل مهامها ولن تتخلى عن مسؤولياتها الوطنية تجاه الشعب الفلسطيني، وطالب بالمصالحة الفلسطينية مع حركة فتح وأعلن قبوله مرات عدة التنازل عن رئاسة الحكومة في إطار المصالحة الشاملة، وتنازل عنها فعلياً في عام 2014.

وفي عام 2017، انتخب رئيساً للمكتب السياسي لحماس من طرف مجلس الشورى التابع للحركة، خلفاً لخالد مشعل، وقتل أثناء وجوده في العاصمة الإيرانية طهران، للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.

4 - يحيى السنوار 

ولد يحيى السنوار في عام 1962، واعتقلته إسرائيل عدة مرات وحكمت عليه بأربعة مؤبدات قبل أن يفرج عنه بصفقة تبادل أسرى عام 2011، وعاد إلى نشاطه في قيادة كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحماس)، وانتخب رئيسا للحركة في قطاع غزة عام 2017 ومرة أخرى عام 2021. 

في أغسطس 2024، أعلنت حركة حماس الفلسطينية اختياره رئيسا جديدا لمكتبها السياسي خلفا لإسماعيل هنية، وشغل من قبل منصب رئيس الحركة في غزة، فيما تضعه إسرائيل على رأس مطلوبيها في غزة، "حيا أو ميتا"، وفق تقارير إعلامية أمريكية وإسرائيلية.

5 - محمد الضيف

اسمه الحقيقي محمد دياب المصري، وُلد في غزة عام 1965، وينتمي إلى أسرة فلسطينية لاجئة هُجّرت عام 1948 من قرية القبيبة إلى غزة، حيث نشأ في مخيم خان يونس للاجئين، وظل يعيش فيه طوال حياته.

وانخرط في صفوف حركة حماس فور تدشينها عام 1987، واعتقل عام 1989 وقضى 16 شهراً في السجن بتهمة العمل في الجهاز العسكري لحماس.

وأثناء فترة السجن اتفق مع رموز المقاومة على تأسيس حركة منفصلة عن حماس بهدف "أسر جنود الاحتلال" والتي تبلورت في ما بعد بكتائب عز الدين القسام كجناح عسكري للحركة.

انتقل إلى الضفة الغربية برفقة عدد من قادة القسام في قطاع غزة، وبقي هناك لفترة من الزمن، حيث أشرف على تأسيس فرع لكتائب القسام في الضفة الغربية، وأصبح قائداً له بعد اغتيال عماد عقل عام 1993.

ومع الانتفاضة الثانية في عام 2000، اعتقلته السلطة الإسرائيلية لكنه هرب أو أُطلق سراحه بعد وقت قصير، وفي عام 2002، أصبح القائد العام لكتائب عز الدين القسام؛ بعد اغتيال سلفه صلاح شحادة بغارة إسرائيلية.

وأُدرج عام 2015 على اللائحة السوداء الأمريكية "للإرهابيين الدوليين"، كما أُدرج على قائمة الاتحاد الأوروبي للإرهاب مؤخرا، إذ ينسب له إحداث تغيير استراتيجي شمل تصنيع الأسلحة والصواريخ.

في يوليو الماضي، قال الجيش الإسرائيلي، إنه نفذ غارة جوية على منطقة المواصي في خان يونس و"كانت تستهدف محمد الضيف"، فيما وصفت حماس هذه التصريحات بـ"الادعاءات بالكاذبة" للتغطية على المجزرة المروعة.

ومنذ 7 أكتوبر 2023، تشن إسرائيل بدعم أمريكي حربا على غزة، أسفرت عن مقتل أكثر من 140 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى إصابة أكثر من 95 ألفا وفقدان نحو 15 ألفا آخرين، وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال.



ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية