الأمم المتحدة: التمييز في نظم الرعاية والدعم يفاقم عدم المساواة ضد النساء والفتيات
خلال الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان
كشفت مجموعة العمل الأممية المعنية بالتمييز ضد النساء والفتيات عن اختلالات جذرية في نظم الرعاية والدعم، مؤكدة أنها تشكل أحد أبرز مصادر التمييز المنهجي ضد النساء على مستوى العالم، وتعيق تقدمهن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
وأكد التقرير، المقدم لمجلس حقوق الإنسان في دورته الـ59، التي تتواصل حتى 9 يوليو الجاري، واطلع «جسور بوست» على نسخة منه، أن الرعاية غير مدفوعة الأجر وأعمال الدعم تلقى بشكل غير متكافئ على عاتق النساء، ما يضعف حقوقهن الأساسية في التعليم والصحة والعمل والمشاركة العامة.
وأوضح التقرير أن معظم أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر تقع بشكل غير متناسب على النساء والفتيات، مثل رعاية الأطفال وكبار السن والمرضى والأشخاص ذوي الإعاقة، ما يعوق اندماجهن الكامل في الحياة العامة وسوق العمل. وعلى الرغم من أن هذه الأدوار تعتبر حيوية لرفاهية المجتمع واقتصاداته، فإنها لا تحظى بالاعتراف الكافي، وغالبا ما تقلل من قيمتها المادية والاجتماعية، ما يكرس أنماطا تمييزية متجذرة في الثقافة والأعراف الأبوية.
وذكر التقرير أن النساء حول العالم يقمن بما يقارب 12.5 مليار ساعة من أعمال الرعاية يوميا دون مقابل، وهو ما يعادل مساهمة اقتصادية غير مرئية تبلغ تريليونات الدولارات سنويا. كما أن أكثر من 76% من العاملين في قطاع الرعاية الصحي المدفوع الأجر هم من النساء، ومع ذلك يواجهن فجوات واسعة في الأجور وفرص الترقية والتمثيل.
ولفت التقرير إلى أن النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية وأزمات المناخ تؤدي إلى تدهور حاد في نظم الرعاية، ما يضاعف الأعباء على النساء. وتزداد هذه الأوضاع سوءًا في حالات النزوح الجماعي ودمار البنية التحتية، حيث تتحمل النساء عبء تقديم الرعاية دون أي دعم مؤسسي أو حماية قانونية.
وأشار إلى أن في بعض الحالات مثل غزة والسودان وأوكرانيا، تُرتكب انتهاكات جسيمة بحق النساء والفتيات، تشمل العنف الجنسي وحرمانهن من الرعاية الصحية، وهو ما يصنف ضمن جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية وفق القانون الدولي.
وأبرز التقرير خطرا ناشئا يتعلق بالاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي في تقديم الرعاية، مشيرا إلى أن هذه التكنولوجيا قد تؤدي إلى مزيد من التهميش للنساء، خصوصا في حال عدم تصميمها بأسس تراعي العدالة الجندرية. كما أن استخدام البيانات الضخمة دون رقابة حقوقية يعزز أحيانا الصور النمطية والتمييز البنيوي، ما يفاقم أوجه عدم المساواة القائمة.
وأوضح التقرير أن أعباء الرعاية تحول دون التمتع الكامل بحق التعليم، حيث تُجبر ملايين الفتيات حول العالم على ترك الدراسة للقيام بأدوار أسرية. كما أظهرت بيانات الأمم المتحدة أن النساء يتعرضن لأشكال متعددة من التمييز في سوق العمل نتيجة الافتراضات النمطية حول أدوارهن العائلية.
أما في المجال الصحي، فتعاني النساء من الإرهاق المزمن نتيجة الرعاية غير المدفوعة، ما يسبب اضطرابات نفسية وجسدية قد تصل إلى حد الإعاقة. وأشار التقرير إلى ارتفاع نسب الكورتيزول بين النساء المعنيات بهذه الأدوار، مع تفاقم الفجوات في الحماية الاجتماعية لهن.
ونوه التقرير بأن النساء العاملات في القطاع المنزلي، لا سيما المهاجرات، يتعرضن لانتهاكات منهجية، بما في ذلك العمل القسري، والحرمان من الأجور، وسوء المعاملة، والعنف الجسدي والجنسي. وأشار إلى أن القوانين في كثير من البلدان لا تضمن لهن أي حماية قانونية، ما يجعلهن عرضة للاستغلال الممنهج.
ودعا التقرير إلى إصلاحات عميقة في أنظمة الرعاية والدعم، تقوم على أساس المساواة الجندرية وحقوق الإنسان. ومن أبرز التوصيات: إعادة توزيع أعباء الرعاية بشكل عادل بين النساء والرجال، توفير الحماية الاجتماعية لمقدمي الرعاية، تعزيز مشاركة النساء في وضع السياسات، وتضمين حقوقهن في نظم الذكاء الاصطناعي والرعاية الرقمية.
كما شدد التقرير على ضرورة إعادة تعريف «العمل المنتج» ليشمل أعمال الرعاية، واعتماد سياسات تشاركية تضمن صوت النساء في تصميم نظم الرعاية العامة، مع توسيع نطاق الخدمات العامة المجانية، وتوفير إجازات مدفوعة للأمومة والأبوة على قدم المساواة.
واختتم الفريق العامل تقريره بالتأكيد على أن استمرار تجاهل الأبعاد الجندرية لنظم الرعاية يُعد انتهاكا مباشرا للحقوق الأساسية للنساء والفتيات، داعيا مجلس حقوق الإنسان والدول الأعضاء إلى تبني سياسات عاجلة وقابلة للتنفيذ تضع العدالة الجندرية في قلب كل إصلاح اقتصادي واجتماعي.