بعد إعادة انتخابه لولاية جديدة.. ما أبرز الملفات الحقوقية التي تنتظر الرئيس الجزائري؟

بعد إعادة انتخابه لولاية جديدة.. ما أبرز الملفات الحقوقية التي تنتظر الرئيس الجزائري؟

 

برلماني سابق: التحديات الحقوقية في الجزائر تتطلب إصلاحات جذرية لضمان العدالة الاجتماعية

توفيق قويدر: التوترات الإقليمية تعمّق الانتهاكات الحقوقية في الجزائر

 

مع استعداد الرئيس عبدالمجيد تبون لبدء ولايته الثانية بعد الانتخابات التي أُجريت في 7 سبتمبر، تبرز الملفات الحقوقية كأولوية رئيسية تحتاج إلى معالجة دقيقة ومستمرة.

تبون، الذي يطمح إلى بناء "جزائر جديدة"، يواجه تحديات متعددة في مجال حقوق الإنسان تتطلب تحليلًا شاملًا لدورها وتأثيرها على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في البلاد.

وتعد حرية التعبير من أبرز القضايا التي تواجه الجزائر في الفترة المقبلة، فمنذ بداية الولاية الأولى لتبون، شهدت البلاد تقييداً ملحوظاً في حرية الصحافة والتعبير.

وبحسب تقرير "هيومن رايتس ووتش" لعام 2023، تم اعتقال 17 صحفياً وناشطاً حقوقياً بتهم تتعلق بالتحريض ضد الأمن القومي، وأغلقت 15 وسيلة إعلامية مستقلة، على سبيل المثال، كما تم تعليق عمل صحيفتي "الخبر" و"اللوموند الجزائرية" في منتصف عام 2023، ما أثر سلباً على حرية الصحافة وأدى إلى انعدام التنوع في الآراء الإعلامية.

ومن بين القضايا العاجلة الأخرى التي تنتظر حلا خلال الولاية الجديدة للرئيس الجزائري، الاعتقالات التعسفية التي تُستخدم بشكل متزايد لقمع المعارضة والنشاطات السياسية. 

وتشير بيانات "العفو الدولية" إلى أن عدد المعتقلين السياسيين وصل إلى نحو 150 شخصاً منذ بداية 2023، هؤلاء المعتقلون يواجهون تهمًا غير محددة وتفتقر محاكماتهم إلى ضمانات المحاكمة العادلة. 

ووفقاً للمنظمة، يُحتجز نحو 80% من هؤلاء الأفراد دون محاكمات عادلة، ما يثير تساؤلات حول مدى استقلالية النظام القضائي وقدرته على ضمان حقوق الأفراد.

في مجال مكافحة الفساد، سجّلت الجزائر بعض التقدم، حيث أُدين 20 مسؤولاً حكومياً في قضايا فساد منذ بداية ولاية تبون، من بين هؤلاء، كان وزير الطاقة السابق مصطفى قيطوني من أبرز الشخصيات التي قوبلت بانتقادات.

وفقًا لمكتب النائب العام الجزائري، تم استرجاع نحو 4 مليارات دولار من الأموال المنهوبة، وعلى الرغم من هذه المكاسب، لا يزال هناك الكثير من الشكوك حول استقلالية النظام القضائي. 

وتشير التقارير الدولية الرسمية إلى أن القضاة يواجهون ضغوطاً سياسية تؤثر على قدرتهم على تقديم العدالة بفاعلية، ما يتطلب مزيداً من الإصلاحات لضمان نزاهة النظام القضائي.

وتعد الصحة العامة قضية حيوية أخرى تواجه الجزائر، رغم ارتفاع الإنفاق على القطاع الصحي بنسبة 12% في عام 2023 ليصل إلى نحو 3.5 مليار دولار، وهو ما يعكس الجهود المبذولة لتحسين البنية التحتية وتوفير المعدات الطبية إلا أنه ورغم ذلك يواجه النظام الصحي تحديات كبيرة مثل نقص الأدوية وتدني جودة الخدمات الطبية. 

تقارير وزارة الصحة الجزائرية تشير إلى أن نسبة الأسر التي تواجه صعوبات في الحصول على الرعاية الصحية تصل إلى 25%، مؤكدة أنه لضمان تحسين الخدمات الصحية، من الضروري زيادة الاستثمار في تحسين جودة الرعاية الصحية وضمان توفر الأدوية والمعدات الطبية.

وفي ما يتعلق بالتعليم، تظل الجزائر تواجه تحديات ملحوظة بحسب إحصاءات وزارة التربية الوطنية، حيث بلغت نسبة التسرب من المدارس 15% بين الأطفال في سن التعليم الأساسي، بالإضافة إلى ذلك تصل نسبة البطالة بين الشباب إلى 36%، وهي أرقام تسلط الضوء على الحاجة إلى إصلاحات تعليمية تشمل تحسين جودة التعليم وتوفير برامج تدريب مهني تتماشى مع احتياجات سوق العمل.

قضايا بيئية 

وعلى صعيد البيئة تواجه الجزائر تحديات متزايدة تتعلق بتلوث الهواء والاعتماد على الموارد الطبيعية، حيث أظهرت الدراسات أن معدل تلوث الهواء في العاصمة الجزائر بلغ 72 ميكروغرامًا لكل متر مكعب من الهواء، متجاوزاً المعايير الدولية. 

وتُعزى هذه المشكلة بشكل جزئي إلى الاعتماد الكبير على استخراج الموارد الطبيعية والوقود الأحفوري، ولمعالجة هذه القضية، بدأت الحكومة في تنفيذ مشروعات طاقة شمسية باستثمار قدره 1.2 مليار دولار، إلا أن هناك حاجة إلى استراتيجيات إضافية لتعزيز الاستدامة البيئية وتقليل الانبعاثات الضارة.

ويرى حقوقيون أن ولاية تبون الجديدة تعتبر فرصة لإحداث تغييرات مهمة في معالجة القضايا الحقوقية الرئيسية، حيث من الضروري أن تعكس السياسات الجديدة التزاماً حقيقياً بتحسين حقوق الإنسان وتعزيز العدالة الاجتماعية، وتحقيق إصلاحات شاملة في مجالات حرية التعبير، ومكافحة الفساد، والصحة، والتعليم، والبيئة.

تأثير الحراك الشعبي على حقوق الإنسان في الجزائر

بدأ الحراك الشعبي في الجزائر في فبراير 2019 كاستجابة لطلب تغيير سياسي ورفض تمديد فترة حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، الذي كان يعاني من تدهور صحي بعد فترة طويلة من الحكم.

ورغم أن الحراك بدأ كمطالبة بإصلاحات انتخابية، فإنه تطور بسرعة ليعكس دعوات أوسع لانتقال ديمقراطي شامل.

كان لهذا الحراك تأثير عميق على الوضع الحقوقي في الجزائر، محققاً تقدماً ملحوظاً في الوعي بحقوق الإنسان وحرية التعبير، فقد أظهر أن الاحتجاجات السلمية المنظمة يمكن أن تشكل ضغطاً فعالاً على الأنظمة السياسية.

وكان لهذه الديناميكية تأثير كبير في تعزيز مطالب الحريات الفردية وحرية الصحافة، وهو ما أدى إلى تغييرات ملحوظة في بعض جوانب المشهد الحقوقي.

ورافق الحراك الشعبي توترات واضحة بين مطالب المتظاهرين والردود الأمنية، حيث تم تسجيل حالات واسعة من الاعتقالات، بما في ذلك ضد النشطاء والصحفيين، ما ألقى بظلاله على تقدم حقوق الإنسان، هذه الممارسات أثارت انتقادات محلية ودولية حول احترام حقوق الإنسان في الجزائر.

رغم هذه التحديات، أسفرت الاحتجاجات عن تغييرات ملموسة في النظام السياسي، بما في ذلك انتخاب عبدالمجيد تبون رئيساً للبلاد في نهاية 2019 الذي تعهد بالإصلاحات، لكن فترة ولايته واجهت تحديات كبيرة في تلبية توقعات الشعب بشأن تحسين حقوق الإنسان. على الرغم من بعض الجهود المبذولة لزيادة الشفافية وتعزيز المشاركة السياسية، فإن قضايا حقوق الإنسان تظل محور اهتمام رئيسياً.

من خلال تقييم الأثر العام للحراك، يتضح أنه أسهم في دفع النقاش حول حقوق الإنسان ورفع الوعي حول القضايا المدنية والسياسية، إلا أن تحقيق التوازن بين الاستقرار السياسي وضمان الحقوق الأساسية لا يزال يمثل تحدياً.

 

وبدوره، قال البرلماني البحريني السابق، والحقوقي علي زايد، إن الجزائر تشهد في الوقت الحاضر مجموعة من التحديات الحقوقية التي تتطلب اهتماماً فورياً وإصلاحات جذرية لضمان احترام حقوق الإنسان وتعزيز العدالة الاجتماعية، حيث تظل حرية التعبير من أبرز القضايا التي تحتاج إلى إصلاحات عاجلة، فقد شهدت الجزائر في السنوات الأخيرة تقييداً ملحوظاً في هذا المجال، حيث تعرض العديد من الصحفيين والناشطين للاعتقال بتهم تتعلق بالتحريض ضد الأمن القومي، هذه الانتهاكات تؤثر سلباً على حرية الصحافة وتنظيم التنوع في الآراء، ما يستدعي إصلاحات تشريعية لضمان عدم استخدام القوانين لتقييد النشاط الإعلامي والسياسي.

وتابع في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن المعتقلين السياسيين كُثر في الجزائر، من هؤلاء من يُحتجزون دون محاكمات عادلة؛ ما يثير تساؤلات حول استقلالية النظام القضائي وقدرته على ضمان حقوق الأفراد، وتعزيز استقلاليته وتوفير محاكمات عادلة لجميع المعتقلين وهو ما يمثل خطوة أساسية في ضمان احترام حقوق الإنسان، وفي ما يخص مكافحة الفساد، سجلت الجزائر بعض التقدم، ولكن هناك حاجة إلى تعزيز الشفافية والاستقلالية. 

وأوضح أن الشكوك تبقى قائمة حول استقلالية النظام القضائي؛ حيث تشير التقارير إلى أن القضاة يواجهون ضغوطاً سياسية تؤثر على قدرتهم على تقديم العدالة بفعالية، ويتطلب الأمر مكافحة الفساد بطرق خالية من التأثيرات السياسية لضمان نزاهة النظام القضائي وتعزيز الثقة العامة.

وأضاف أن القطاع الصحي يواجه أيضاً تحديات كبيرة، حيث يعاني من نقص الأدوية وتدني جودة الخدمات الطبية، ولتحقيق تحسين حقيقي في هذا القطاع من الضروري زيادة الاستثمار في تحسين جودة الرعاية الصحية وضمان توافر الأدوية والمعدات الطبية.

واستطرد أن هناك حاجة ملحة لإصلاح نظام التعليم وتوفير برامج تدريب مهني تتماشى مع احتياجات سوق العمل، مؤكدا أن الاستثمار في التعليم والتدريب المهني يمكن أن يسهم في تقليل البطالة وتعزيز المهارات اللازمة للشباب.

وأوضح أن الجزائر تواجه تحديات بيئية ملحوظة، حيث إن الهواء في العاصمة يعاني من تلوث تجاوز المعايير الدولية، ورغم بدء مشاريع طاقة شمسية باستثمار كبير، فإن هناك حاجة ماسة لاستراتيجيات إضافية لتعزيز الاستدامة البيئية وتقليل الانبعاثات الضارة.

وأتم: تتطلب هذه القضايا الحقوقية في الجزائر إصلاحات شاملة وفعالة لضمان احترام حقوق الإنسان وتعزيز العدالة الاجتماعية. 

مشيرا إلى أن تحقيق التقدم في هذه المجالات ليس فقط سيعزز من مكانة الجزائر الدولية، بل سيسهم أيضاً في بناء مجتمع أكثر استقراراً وازدهاراً.

أثر التوترات الإقليمية على سياسة حقوق الإنسان في الجزائر

وفي السياق، قال الإعلامي الجزائري توفيق قويدر، إن التوترات الجغرافية والإقليمية تتداخل بشكل كبير مع السياسة الحقوقية في الجزائر، حيث تؤثر العلاقات مع الدول المجاورة بشكل عميق على الوضع الحقوقي الداخلي، فالتوترات مع المغرب حول الصحراء الغربية تمثل نموذجًا واضحًا على هذا التأثير، حيث تستخدم الحكومة النزاع كوسيلة لتعزيز الوحدة الوطنية وتبرير إجراءات قمعية ضد المعارضة السياسية، فضلا عن تقييد الحريات الأساسية مثل حرية التعبير وحرية الصحافة تحت ذريعة حماية الأمن القومي، ما يؤدي إلى تزايد الاعتقالات التعسفية للناشطين والصحفيين الذين يُتهمون بتهديد الأمن الوطني.

وتابع في تصريحات لـ"جسور بوست" أن التوترات مع فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، تعقد الوضع أكثر، فبعد دعم فرنسا لمقترحات الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية، قامت الجزائر بسحب سفيرها من باريس، ما أدى إلى تصاعد الخطاب القومي، وهو ما اتخذته الحكومة ذريعة لتبرير القمع الداخلي، مما يعزز القيود على الحقوق والحريات، هذا التلاعب بالتوترات الدولية يسمح بتعزيز السياسات القمعية وتقييد الأنشطة السياسية تحت ستار الدفاع عن السيادة الوطنية.

وذكر أن هذه الديناميكيات توضح كيف أن الأزمات الإقليمية يمكن أن تُستغل لتبرير انتهاكات حقوق الإنسان وتعزيز القيود على الحريات المدنية، وبينما تسعى الجزائر إلى تقديم صورة إيجابية على الصعيد الدولي بشأن التزامها بحقوق الإنسان فإن الواقع الداخلي يعكس تصاعد الانتهاكات تحت ذريعة الاستقرار الوطني.

وأتم: بشكل عام، تؤثر التوترات الإقليمية بشكل كبير على سياسة حقوق الإنسان في الجزائر، حيث تُستخدم الأزمات الدولية كذريعة لقمع الحريات وتعزيز القيود، ويتطلب تحقيق التوازن بين الاستقرار السياسي واحترام الحقوق الأساسية إصلاحات حقيقية في الولاية الجديدة للرئيس الجزائري تضمن الفصل بين السياسات الخارجية والداخلية.



ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية