عائشة نور.. الرحلة الأخيرة من أجل فلسطين

عائشة نور.. الرحلة الأخيرة من أجل فلسطين

لم تدرك عائشة نور التي وصلت قبل أشهر إلى محطة عامها السابع والعشرين، أن رحلتها إلى الضفة الغربية تضامناً ورفضاً للممارسات التي يتعرض لها الفلسطينيين من سكان الضفة على مدى السنوات الماضية على يد المستوطنين المتطرفين، الذين لم تفلح معهم لهجة التنديد والإدانات أو التصعيد بعقوبات لوقف ممارساتهم ضد الفلسطينيين، ستكون رحلتها الأخيرة.

رصاصة من قناص إسرائيلي كتبت نهاية رحلة عائشة إلى الضفة ونهاية رحلتها في الحياة، بعد أن عاشت حياتها مدافعة عن حقوق شعب تسلب منه كل يوم، ورافضة التطرف الاستيطاني الذي تصاعد بشكل مرعب بعد السابع من أكتوبر، وانتهت حياتها كما انتهت حياة آلاف من أبناء الشعب الذي عاشت حياتها تدافع عنه وعلى يد قاتل يدرك تماماً أنه لا أحد سيعاقبه مهما فعل ومهما أطلق النار ومهما قتل.

يومان هما الفاصل الزمني بين وصول عائشة إلى الضفة الثلاثاء، والجمعة عندما شاركت في التظاهرة الاحتجاجية الأسبوعية التي تنظمها حركة التضامن الدولية المؤيدة للفلسطينيين ضد التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، عندها أطلق جندي إسرائيلي النار مباشرة صوب رأسها لتفقد معها حياتها.

ربما ما كان ذلك ليحدث لو استمعت عائشة إلى النصيحة الأخيرة من آريا فاني، أستاذة اللغات والثقافات الشرق أوسطية في جامعة واشنطن في سياتل "توسلت إليها لئلا تذهب، لكنها كانت تملك تلك القناعة العميقة بأنها تريد المشاركة في الشهادة على ظلم الناس وصمودهم بكرامة، لقد حاربت الظلم حقاً أينما كان".

"نور ساطع يحمل معه الدفء والتعاطف؛ لقد أصبحت مجتمعاتها أفضل بفضل حياتها، ووفاتها تترك القلوب محطمة في جميع أنحاء العالم اليوم".. بتلك الكلمات تحدثت عنها كاري بيرين، مديرة الخدمات الأكاديمية بقسم علم النفس بجامعة ويسكونسن، وإن كانت عائشة قد منحت حياتها وسنواتها الأخيرة للتضامن مع القضية الفلسطينية فلربما يمنحهم موتها فرصة كبيرة لتثبت للعالم مدى الوحشية التي تواجه الفلسطينيين في الضفة.

ولدت عائشة في 27 يوليو 1998 في ولاية أنطاليا جنوبي تركيا، وانتقلت في ما بعد مع أسرتها إلى مدينة سياتل بولاية واشنطن عندما كانت تبلغ من العمر أقل من عام واحد، وحصلت على مختلف درجاتها الدراسية هناك، ودرست علم النفس، ولغات وثقافة الشرق الأوسط وانتهت دراستها الجامعية في 2024.

وفي حفل تخرجها سارت على المسرح وهي تحمل علماً كبيراً "فلسطين الحرة" خلال الحفل، وقبل تخرجها كانت جزءاً مهماً من الاحتجاجات الطلابية التي ضربت الجامعات الأمريكية تضامناً مع فلسطين، وخلال دراستها تطوعت في حركة التضامن الدولية "ISM"، وشاركت إيجي في حركة "فزعة"، وهي حملة تناضل من أجل حقوق المزارعين الفلسطينيين الذين يتعرضون للاضطهاد من قبل الجيش الإسرائيلي والهجوم من قبل المستوطنين.

عبر حساباتها على مواقع التواصل قدمت عائشة نور نفسها قائلة: "لدي أساس قوي في التوجيه والعلاج السلوكي والتسويق مع التزام عميق بخدمة المجتمع.. سمح لي عملي التطوعي بإحداث تأثير محلي ودولي بدءاً بتنسيق فعاليات ووصولاً إلى تقديم الدعم لإعادة التأهيل في المجتمعات التي تعاني نقص الموارد، أتحرك بشغف لإحداث تأثير إيجابي وأبحث باستمرار عن فرص للتعلم والتطور والمساهمة في المشاريع الهادفة".

وضعت قضيةُ مقتل عائشة الإدارةَ الأمريكية في مأزق، فقد دعا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى "تغييرات جوهرية" في طريقة عمل القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة في تعليقه على تحقيقات أولية للجيش الإسرائيلي في الحادث، حيث أعلن أن الرصاصة لم تكن تستهدف الناشطة، بل "المحرض الرئيسي" لأعمال "شغب عنيفة".

وقالت عائلة الناشطة إنها "شعرت بالإهانة الشديدة من الإيحاء بأن قتلها برصاص قناص مدرَّب كان غير مقصود بأي شكل من الأشكال"، مجددة دعواتها لقادة الولايات المتحدة لإجراء تحقيق مستقل في وفاتها.

وأكدت عائلة عائشة، التي سبق أن ألقت اللوم على إسرائيل في مقتلها، أن نتائج التحقيق الإسرائيلي "غير كافية على الإطلاق"، وأضافت العائلة: "لا يمكن تفسير هذا الأمر على أنه أي شيء سوى هجوم متعمد ومستهدف ودقيق من قبل الجيش ضد مدني أعزل".

ورفضت حركة التضامن الدولية "الادعاء الزائف" لإسرائيل بأن عائشة أصيبت بنيران الجيش الإسرائيلي عن غير قصد، ووصفت الناشطة بأنها "واحدة من مئات الآلاف من الضحايا الذين قتلتهم إسرائيل على مدى عقود من التطهير العرقي والتهجير والإبادة الجماعية".

بينما قال الرئيس الأمريكي بايدن إنه "غاضب" من مقتل ناشطة أمريكية على يد جندي إسرائيلي وإن إسرائيل بحاجة إلى تحمل "المسؤولية الكاملة" عن الحادث.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية