كارثة الفيضانات باليمن.. سيول عارمة تفاقم الأزمة الإنسانية وتعكس ضعف الاستجابة
كارثة الفيضانات باليمن.. سيول عارمة تفاقم الأزمة الإنسانية وتعكس ضعف الاستجابة
الفيضانات تغرق اليمن.. كيف تفاقم الأمطار الأزمات الإنسانية وتكشف عن ضعف البنية التحتية؟
إعلامي يمني: أزمة اليمن تتفاقم مع نقص المأوى والغذاء والمياه النظيفة
باحث يمني: الفيضانات تفضح قصور الإمكانيات وتكشف عن ضعف الاستجابة
تدور أزمة إنسانية متسارعة في اليمن، حيث اجتاحت الفيضانات العارمة عدة مناطق في البلاد خلال الأسابيع الماضية، مخلفةً وراءها دمارًا واسع النطاق وتهديدًا حقيقيًا للحياة.
تتصاعد هذه الأزمة في وقت يعاني فيه اليمن من نزاع مسلح دامٍ منذ سنوات، مما يجعل الأوضاع الإنسانية أكثر تعقيدًا وصعوبة، ففي فترة زمنية قصيرة، تسببت الأمطار الغزيرة في وفاة ما لا يقل عن 97 شخصًا، وأثرت على أكثر من 86,000 فرد، بما في ذلك 10,000 أسرة نازحة في مأرب، وهي منطقة كانت بالفعل تعاني من آثار النزاع المستمر.
تعتبر الفيضانات في اليمن، التي بدأت في منتصف يوليو 2024، أزمة إنسانية تفوق الأبعاد الطبيعية فقط، فقد تسببت الأمطار الغزيرة في تدمير البنية التحتية العامة والمرافق الأساسية، مما أثر بشكل رئيسي على مناطق مأرب وصنعاء وصعدة وعمران وحجة.
وفقًا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، دمرت الفيضانات الملاجئ في 54 موقعًا كانت تؤوي نازحين في مدينة مأرب ومنطقة صرواح، مما أثر على 10,000 أسرة نازحة على الأقل.
كما أدت الأمطار الغزيرة إلى إلحاق الضرر بـ431 مأوى في صنعاء و322 في صعدة و172 في عمران و137 في مدينة صنعاء و99 في حجة.
الفيضانات ليست مجرد كارثة طبيعية، بل هي أزمة تتفاقم بفعل الأوضاع الإنسانية والسياسية في اليمن. حيث يعاني 4.5 مليون شخص من النزوح الداخلي، ويعاني 85٪ من الأسر النازحة من انعدام الأمن الغذائي بشكل كبير.
ويعكس هذا الوضع البائس تفاقم أزمة إنسانية أعمق تعاني منها البلاد. أبو إبراهيم، أحد سكان منطقة ملحان، فقد ابنه وأحفاده السبعة بسبب الفيضانات، بينما جرفت السيول منزله بالكامل.
هذا المثال البسيط يبرز حجم المعاناة الإنسانية التي يتعرض لها السكان، ويدعو إلى استجابة عاجلة من المجتمع الدولي.
تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن يشير إلى أنه ليس فقط الأضرار المادية التي تضررت، ولكن أيضًا الصحة العامة والتعليم يعانيان بشدة، دمرت الفيضانات المراكز الصحية والمدارس، مما زاد من صعوبة تقديم الرعاية الصحية والتعليم للأطفال والعائلات.
النقص في المرافق الصحية الأساسية يعرض السكان لخطر الأمراض والأوبئة، بينما يؤثر الدمار في المدارس على مستقبل الأطفال، مما يحرمهم من التعليم الأساسي.
استجابة المجتمع الدولي، رغم كونها موجودة، فإنها تعاني من نقص حاد في التمويل. في مؤتمر صحفي عقده نائب المتحدث الرسمي للأمم المتحدة، فرحان حق، من المقر الدائم بنيويورك، تم الكشف عن أن الوكالات الإنسانية قد تمكنت من تقديم المساعدة لأكثر من 8,000 شخص حتى الآن، بما في ذلك دعم المأوى لأكثر من 1,600 أسرة، ومع ذلك، فإن استجابة المأوى تلقت 18٪ فقط من متطلباتها حتى الآن، مما يعوق قدرتها على تلبية الاحتياجات الأساسية للمتضررين.
النقص في التمويل يعكس فجوة كبيرة بين الحاجة الفعلية والموارد المتاحة، تسعى المنظمات الإنسانية مثل المنظمة الدولية للهجرة إلى جمع 13.3 مليون دولار لمساعدة المتضررين، لكن حتى الآن، لا تزال هناك فجوة كبيرة في التمويل، إن عدم كفاية التمويل يعرقل جهود الإغاثة ويزيد من صعوبة تقديم المساعدات في الوقت المناسب.
ويعاني المواطنون من صعوبات جسيمة في الحصول على الغذاء والمياه النظيفة والمأوى، تنبع أهمية التحرك العاجل من حقيقة أن الوضع في اليمن لا يمكن فصله عن السياق الأوسع للأزمة الإنسانية في البلاد. النزاع المستمر منذ سنوات قد فاقم من الأوضاع الإنسانية، وجعل من الصعب تنفيذ عمليات الإغاثة بشكل فعال.
مع وجود أكثر من 4.5 مليون نازح داخليًا، فإن احتياجات الناس تفوق بكثير الموارد المتاحة، الفيضانات الأخيرة أضافت طبقة جديدة من التعقيد إلى هذه الأزمة، مما يتطلب استجابة منسقة ومتكاملة من المجتمع الدولي
الأزمة في اليمن تعكس التحديات المتزايدة التي تواجهها الدول التي تعاني من النزاع وتغير المناخ، التغير المناخي يلعب دورًا كبيرًا في زيادة شدة الفيضانات، ويشير الباحثون إلى أن الأمطار الغزيرة التي شهدها اليمن في هذا العام قد تكون ناتجة عن تغييرات مناخية تؤدي إلى تفاقم الأزمات الطبيعية.
مع وجود تسعة أعاصير منذ عام 2015، يتعين على المجتمع الدولي تقديم الدعم الكافي للتعامل مع الأزمات المناخية والإنسانية على حد سواء.
بجانب الحاجة إلى زيادة التمويل، هناك ضرورة ملحة لتعزيز التنسيق بين الجهات الإنسانية الفاعلة، بما في ذلك المنظمات الدولية والمحلية والحكومات، هذا التنسيق يمكن أن يساهم في ضمان وصول المساعدات إلى المتضررين بشكل فعال ويقلل من الازدواجية في الجهود.
الاستجابة للطوارئ
ويرى مراقبون، أنه يتعين على المجتمع الدولي أن يعزز دعمه للجهود الإنسانية ويعمل على تسريع استجابة الطوارئ، الوضع في اليمن يسلط الضوء على أهمية الالتزام العالمي بتقديم الدعم للمتضررين من الأزمات الإنسانية. الفيضانات ليست مجرد كارثة طبيعية، بل هي أزمة تتطلب استجابة شاملة ومتكاملة تتجاوز الاستجابة الطارئة، يجب أن يكون هناك استثمار في تعزيز قدرات المجتمعات المحلية، وتحسين البنية التحتية، وتوفير الدعم المالي والإغاثي اللازم للتعامل مع الأزمات المتكررة.
ويرى حقوقيون، أن الأزمة في اليمن تظل دعوة ملحة للمجتمع الدولي للتحرك بفعالية وسرعة، وأن كل يوم يمر دون استجابة فعالة يزيد من معاناة السكان ويعمق من الأزمة الإنسانية، ويحتاج اليمن إلى كل مساعدة ممكنة، ويجب أن يعمل المجتمع الدولي بشكل مشترك لضمان عدم ترك المتضررين لمصيرهم، بل تقديم الدعم والرعاية التي يحتاجون إليها للبقاء على قيد الحياة واستعادة حياتهم.
الاستجابة العالمية للأزمة في اليمن يجب أن تشمل جميع الجوانب الإنسانية والحقوقية، بما في ذلك توفير المساعدات الغذائية، الطبية، والتعليمية، وتعزيز جهود إعادة الإعمار، وأن التصدي لهذه الأزمة يتطلب شراكة قوية وتعاونا بين الدول والمنظمات الإنسانية، لضمان أن تظل حقوق الإنسان في صلب الاستجابة للأزمات وتلبية احتياجات الناس بشكل فعال ومستدام.
تحليل جغرافي وتاريخي للفيضانات باليمن
تعد الفيضانات في اليمن، من أبرز الكوارث الطبيعية التي تؤثر على البلاد، تعكس تفاعلًا معقدًا بين العوامل الجغرافية والتغيرات المناخية والنزاعات المستمرة، تقع دولة اليمن في شبه الجزيرة العربية، وتتمتع بتنوع جغرافي يعزز من تفاقم تأثير الفيضانات، إذ تشمل التضاريس الجبال، والسهول الساحلية، والوديان العميقة.
تاريخيًا، شهد اليمن العديد من الفيضانات المدمرة، إلا أن التغيرات المناخية والتوسع الحضري غير المنظم قد زادا من شدة وتأثير هذه الظواهر، يعود تاريخ الفيضانات الكبيرة إلى قرون مضت، لكن الفيضانات الأخيرة تمثل أزمة إنسانية وبيئية متفاقمة، في العقدين الماضيين، تزايدت شدة الفيضانات، مع تسجيل أرقام قياسية للأمطار الغزيرة التي تؤدي إلى تدمير واسع النطاق.
وفي يوليو 2024، اجتاحت الفيضانات اليمن، مسببةً دمارًا كبيرًا في مختلف المناطق. الأمطار الغزيرة التي سقطت على مدى أيام أدت إلى تدمير البنية التحتية، بما في ذلك الطرق والجسور والمباني، مما أثقل كاهل المناطق المتضررة.
محافظة مأرب، على سبيل المثال، التي كانت بالفعل تعاني من نزاع مسلح، شهدت تدميرًا واسعًا لملاجئ النازحين، مما أثر على نحو 10,000 أسرة في الوقت ذاته، أدت الفيضانات إلى إلحاق الضرر بـ431 مأوى في صنعاء، و322 في صعدة، و172 في عمران، و137 في مدينة صنعاء، و99 في حجة.
جغرافياً، يتسم اليمن بتضاريسه المعقدة التي تؤدي إلى تفاقم تأثير الفيضانات، الجبال الشاهقة التي تحيط بالوديان تسبب تجمع المياه في مناطق منخفضة، مما يؤدي إلى حدوث الفيضانات المفاجئة. إضافة إلى ذلك، فإن الأودية الكبيرة في اليمن مثل وادي حضرموت ووادي دوعن، تكون أكثر عرضة للتأثيرات الكارثية للأمطار الغزيرة. عند هطول الأمطار بغزارة، تتدفق المياه من الجبال إلى الأودية، مما يؤدي إلى فيضانات مدمرة في السهول المحيطة.
أحد أبرز الأمثلة على الفيضانات التاريخية في اليمن هو الفيضانات التي ضربت البلاد في عام 2008، حيث شهدت صنعاء موجة من الفيضانات غير المسبوقة أدت إلى تدمير واسع النطاق وخلّفت آلاف المشردين.
تكررت الفيضانات الشديدة في الأعوام الأخيرة، مع تسجيل الأمطار الغزيرة في عام 2019 التي أثرت على العديد من المحافظات، مما لفت الانتباه إلى العلاقة بين التغيرات المناخية وزيادة شدة الفيضانات.
تأثير الفيضانات في اليمن لا يقتصر على الدمار المادي فحسب، بل يمتد إلى التأثيرات الإنسانية والاقتصادية، فقد أدت الفيضانات إلى تفاقم الأزمات الإنسانية الحالية، بما في ذلك نقص الغذاء والمياه النظيفة، وتدهور الصحة العامة. النزوح الجماعي للأسر المتضررة يزيد من العبء على المخيمات والمجتمعات المضيفة، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية.
إجمالاً، تمثل الفيضانات في اليمن تحديًا كبيرًا يعكس الحاجة الملحة للتصدي للتغيرات المناخية، وتحسين البنية التحتية، وتعزيز استجابة الطوارئ، إن تفاعل العوامل الجغرافية والتغيرات المناخية والنزاعات المسلحة يشكل مشهدًا معقدًا يتطلب استجابة شاملة ومتكاملة لمواجهة التحديات المتزايدة التي تطرأ على البلاد.
كارثة إنسانية تتطلب استجابة فورية
علق الإعلامي اليمني، صادق القدمي بقوله، إنه ومنذ بداية موسم الأمطار في اليمن، شهدت البلاد فيضانات مدمرة نتيجة للأمطار الغزيرة والسيول، خاصة في صنعاء، والحديدة، ومأرب، وتعز، بالإضافة إلى عدد من المحافظات الأخرى هذه السيول الغزيرة والأمطار المستمرة أدت إلى دمار هائل في البنية التحتية، وتشريد آلاف الأسر وفقدانهم لممتلكاتهم، كما ساهمت المياه الملوثة في انتشار الأمراض بشكل كبير.
وأضاف “القدمي”، في تصريحات لـ"جسور بوست"، المتضررون من هذه الأمطار يواجهون نقصاً حاداً في المأوى والمياه النظيفة والطعام. هناك أيضاً غياب للدعم النفسي والاجتماعي، مع كل ذلك، يزداد الوضع تعقيداً بسبب عدم توفر الخدمات الصحية الكافية للتعامل مع الإصابات والأمراض الناتجة عن الفيضانات.
وذكر، توجد جهود إنسانية محلية ودولية تقدم مساعدات إغاثية طارئة، ولكنها غير كافية مقارنة بحجم الأزمة بسبب الوضع الأمني والتمويل المحدود من المنظمات العالمية، من الضروري تعزيز البنية التحتية في اليمن، التي تعرضت للتدمير، وذلك بتحديث وتطوير البنية التحتية لتصبح قادرة على تحمل الفيضانات والعواصف. بناء سدود ومصارف للمياه في المناطق الأكثر عرضة للسيول يمكن أن يقلل من الأضرار المستقبلية.
وأوضح أن هناك أيضاً مشكلة في نظم الإنذار المبكر، إذ لا توجد نظم فعالة في هذا المجال، من الضروري تطوير نظم الإنذار المبكر باستخدام التكنولوجيا الحديثة لتحذير الناس قبل وقوع الفيضانات، مما يمنحهم الوقت الكافي للإخلاء والانتقال إلى مناطق آمنة.
وأكد صادق أنه وفي ظل الأوضاع الصعبة التي تعيشها البلاد والحرب المستمرة منذ أكثر من عشر سنوات، يتطلب الأمر توفير المساعدة الإنسانية العاجلة وزيادة الدعم المالي واللوجستي للمنظمات الإنسانية العاملة في البلد لتوفير المساعدات الطارئة بشكل أسرع وأكثر فاعلية. من المهم أيضاً تدريب الفرق المحلية على إدارة الأزمات والاستجابة السريعة وتجهيزها بالمعدات والمواد اللازمة.
وأتم، ندعو المجتمع الدولي لزيادة الدعم والمساهمة في معالجة الفيضانات، وتقديم دعم مستمر ومستدام وطويل الأمد. الناس بحاجة أيضاً إلى زيادة الوعي المجتمعي حول أهمية الاستعداد لمواجهة الكوارث الطبيعية، خاصة مع بداية موسم الأمطار. من الضروري أن يعرف المواطنون كيفية التصرف في حالات الطوارئ لضمان سلامتهم وسلامة أسرهم.
عجز إنساني وتهديدات كبرى
وقال مدير وحدة الدراسات والبحوث الإعلامية في مؤسسة الصحافة الإنسانية بعدن، وليد التميمي، إن أحد أخطر تداعيات ما بعد كوارث الفيضانات في اليمن يكمن في الكشف عن مدى قصور الإمكانيات المتاحة لإنقاذ الضحايا وإيوائهم وتعويضهم، إضافةً إلى العجز عن تحديد حجم الأضرار المادية الجسيمة بدقة، نظراً لصعوبة الوصول إلى المناطق المتضررة، خصوصاً خلال الشهرين الماضيين في الحديدة والمحويت.
وأضاف التميمي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، هذه الفيضانات أسفرت عن وفاة ما لا يقل عن 180 شخصاً، فضلاً عن وجود عشرات المفقودين والمصابين، الذين ينتظرهم ومَن هم على قيد الحياة مصيرٌ مجهول للأسف، وإذا أردنا تتبع المسار الذي أدى إلى تحول السيول العارمة إلى فيضانات مدمرة، سنجد أنه مرتبط بعوامل طبيعية وبشرية متشابكة.
واسترسل، أدى التطرف المناخي، الناتج عن الارتفاع والانخفاض الحاد وغير المنضبط في درجات الحرارة، إلى زيادة هائلة في كمية الأمطار، مما تسبب في تدفق السيول التي تسد مجاريها بسبب البناء العشوائي والتنافس المحموم على الاستيلاء على قطع الأراضي في غياب الأجهزة الحكومية وضعفها أو فساد مؤسساتها.
وأتم، هناك أيضاً عامل مهم وخطير يتمثل في عدم خضوع السدود التي تحيط ببعض المدن التي تنهمر عليها الأمطار بغزارة للصيانة الدورية، مما أدى إلى تشققات في جدرانها، وهو ما قد ينذر بانهيارها وغرق مدن وقرى بأكملها، لا قدر الله.