«وجه آخر للحرب».. إسرائيل «تمحو تاريخ فلسطين» بعد تدمير 18 موقعًا أثريًا (تقرير)
«وجه آخر للحرب».. إسرائيل «تمحو تاريخ فلسطين» بعد تدمير 18 موقعًا أثريًا (تقرير)
مثل البوتقة التي تنصهر بها حضارات الفراعنة والإغريق والرومان والبيزنطيين، عاشت غزة الفلسطينية كواحدة من أقدم مدن العالم قبل أن تتحول لمدينة تحت الأنقاض وسط سرقة ونهب الآثار وتدمير التاريخ على وقع عدوان إسرائيلي غير مسبوق منذ نحو عام.
ولم تسلم المواقع الأثرية والتاريخية في غزة من التدمير الإسرائيلي المتعمد، إذ كانت المدينة تضم أعدادا من الآثار التي ترجع إلى عصور مختلفة، أبرزها كنيسة القديس برفيريوس التاريخية، ما يمثل جريمة يعاقب عليها القانون الدولي الإنساني.
وترصد "جسور بوست" تدميرا كليا وجزئيا طال 18 معلما أثريا وتاريخيا في غزة من جانب الآليات الإسرائيلية منذ بدء الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، بينها المسجد العمري الكبير، ودير القديس هيلاريون الذي أدرج قبل شهر على قائمة اليونسكو للتراث العالمي المعرض للخطر، بجانب قلعة برقوق، وبيت الغصين، إضافة إلى استهداف مخزن آثار وسرقة بعض محتوياته.
المسجد العمري الكبير
من أقدم المساجد في قطاع غزة، أسس في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، ويعد ثالث أكبر مسجد في فلسطين بعد المسجد الأقصى ومسجد أحمد باشا الجزار، وكان معبدا في العصر الروماني ثم تحول إلى كنيسة، ثم أصبح أكبر مسجد في قطاع غزة، قبل أن يتعرض لقصف إسرائيلي في 8 ديسمبر 2023، ما أدى إلى تدميره بشكل شبه كلي.
مسجد عثمان قشقار
يعد من أقدم المساجد في قطاع غزة، أنشئ عام 620 للهجرة، وبني المسجد على الطراز العثماني التركي، وهو موجود في حي الزيتون شرق المدينة، ومجاور للمسجد العمري الكبير، وتم تدميره في 7 ديسمبر 2023.
كنيسة القديس بريفيريوس
هي كنيسة أرثوذكسية يونانية تقع في حي الزيتون بمدينة غزة، وتعد ثالث أقدم كنيسة في العالم، إذ يرجع تاريخها إلى خمسينيات القرن الثاني عشر الميلادي، وتعرضت الكنيسة التي كان يحتمي بها النازحون إلى قصف إسرائيلي أدى إلى انهيار مبانيها في 19 أكتوبر 2023.
تل العجول
من أقدم المواقع الأثرية ويقع على الضفّة الشمالية لوادي غزّة، حيث كانت تقع بداية المدينة التي سميت "غزة" في العصر الكنعاني 3000 قبل الميلاد، وبيت جلايم في عصر الأيوبيين والمماليك، وكان موقع مدينة غزّة القديمة على هذا التل منذ 2200 عام قبل الميلاد.
وكانت تل العجول امتداداً لميناء كبير في العصر الحديدي المبكر في الفترة بين 1200 و1500 قبل الميلاد، والذي كان له علاقات تجاريّة واسعة مع مصر وسوريا وجزر البحر الأبيض المتوسّط، واكتشفت فيه من قبل عالم الآثار البريطاني فلندرز بيتري عام 1933 مصوغات وحليّ ذهبيّة وقصور وإسطبلات خيل تعود لتلك الحقبة، وجرى تدميره بالقصف الإسرائيلي في يناير 2024.
دير القديس هيلاريون
هو أحد أقدم مواقع الأديرية في الشرق الأوسط، أسسه القديس هيلاريون في القرن الرابع الميلادي بجنوب غزة، وكان هذا الدير أول مجتمع رهباني في الأراضي المقدسة، ومهد لانتشار الرهبنة بالمنطقة، ومثالاً على الأديرة الصحراوية التي انتشرت في العصر البيزنطي، وفق إفادات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو".
وفي نوفمبر 2023، تعرض الدير للقصف الإسرائيلي، فيما أدرجت اليونسكو دير القديس هيلاريون بقائمتي التراث العالمي والتراث العالمي المعرض للخطر في يوليو 2024.
بيت لاهيا
منطقة عريقة مر عليها الرومان والفرس والمسلمون، واحتلها الإسرائيليون عام 1948، ثم صارت جزءا من قطاع غزة عام 2005، وتعرف بجمال أراضيها وتقع في منطقة السهل الساحلي لشاطئ البحر المتوسط، شمالي شرق مدينة غزة، تم تدميرها في يناير 2024.
الكنيسة البيزنطية
تقع شمال مدينة غزة في محافظة جباليا، يعود تاريخ بنائها إلى 444 ميلاديا، ويقول المؤرخون إن السبب الرئيسي لهدمها هو تعرضها لزلزال مدمر، حيث تم اكتشافها عام 1998 ولكن ردمت حينها بالرمال لحمايتها حتى وصول الإمكانيات التي تسمح بترميمها والحفاظ عليها، وبدأ ترميمها عام 2017، وافتتحتها وزارة الثقافة والآثار كموقع أثري ومزار تاريخي وسياحي عام 2022 بعد انتهاء أعمال الترميم، وتعرضت لأضرار جسيمة وتصدعات جراء القصف الإسرائيلي.
مسجد ابن عثمان
يعد ثاني أكبر المساجد الأثرية في قطاع غزة بعد المسجد العمري الكبير، والواقع في حي الدرج وسط المدينة، وهو أحد الشواهد التاريخية على عراقة مدينة غزة.
ويطلق سكان حي الشجاعية على هذا المسجد اسم "الجامع الكبير" نظرا لكبر مساحته ولتوسطه السوق الرئيسي للحي الذي كان له الأثر الكبير في حياتهم على مدار الحقب الزمنية منذ تأسيسه قبل أكثر من 600 عام، وتم تدميره بالقصف الإسرائيلي في يوليو 2024.
قلعة برقوق
قلعة أثرية شيدت في القرن الرابع عشر الميلادي بعهد السلطان المملوكي برقوق، وتقع في مدينة خان يونس في غزة، وتعرضت لتدمير واسع على وقع القصف الإسرائيلي.
ميناء الأنثيدون
ميناء تاريخي يقع شمال غربي مدينة غزة، وصنفته منظمة "يونسكو" ضمن المواقع الأثرية المهمة، ويعود تاريخه إلى 800 عام قبل الميلاد على يد الكنعانيين أول سكان فلسطين، ويعد من أهم المعالم الأثرية في غزة، وأهمها في منطقة الشرق الأوسط، وتعرض الميناء للتدمير بسبب قصف إسرائيلي.
حمام السمرة
هو آخر الحمامات الأثرية والمزارات التاريخية، إذ يعود تاريخه إلى العهد العثماني، ويقدر عمره بما يقارب ألف عام، وعلى وقع الحرب بقطاع غزة تحول حمام السمرة إلى ركام واختفت جميع معالمه الأثرية.
بيت السقا
بني في القرن السابع عشر الميلادي في عهد السلطان العثماني محمد الرابع، ويقع في حي الشجاعية في شرق مدينة غزة، وسجلته وزارة السياحة والآثار الفلسطينية عام 1994 موقعا أثريا، ليتحول بعد ذلك إلى مركز ثقافي عقب إعادة ترميمه عام 2014، قبل أن يتم تدميره على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي في نوفمبر 2023.
بيت الغصين
مبنى تاريخي يعود إلى العصر العثماني في أواخر القرن الـ18 الميلادي، وكان مقرًّا للقنصل الإنجليزي خلال الانتداب البريطاني 1920-1948، ويقع بيت الغصين الأثري بالبلدة القديمة بغزة، شمالي المسجد العمري.
ويمثّل البيت واحدا من القصور الفلسطينية التاريخية، ورممته السلطة الفلسطينية وافتتحته في عام 2021 كمعلم ثقافي وفني وأدبي، قبل أن يتعرض لقصف مدمر خلال عام الحرب على قطاع غزة.
بيت سباط
يعود تاريخه إلى القرن السابع عشر الميلادي، حيث تم تشييده مع بداية الدولة العثمانية، ثم تحول إلى مركز ثقافي قبل أن يتعرض للقصف الإسرائيلي الذي أدى إلى تدميره.
قصر الباشا
يقع في حي الدرج شرقي مدينة غزة، وكان يمزج بين العمارتين المملوكية والعثمانية، وفي عام 2010 تم تحويل الطابق السفلي منه إلى متحف يجمع عددا من القطع الأثرية الفريدة التي تعود إلى الحضارات السابقة التي توالت على فلسطين، كالحضارة اليونانية والرومانية والبيزنطية والإسلامية، قبل أن تكشف بلدية غزة عن تدمير واسع تعرض له جراء قصف إسرائيلي في أواخر ديسمبر 2023.
سوق القيسارية
من أقدم أسواق مدينة غزة الأثرية، وأُنشئ في عهد السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون عام 730هـ/1329م، وتحول بفعل القصف الإسرائيلي الهائل إلى ركام وأنقاض.
أرشيف بلدية غزة
ضم الأرشيف المركزي لمدينة غزة مواد أرشيفية ووثائق تحكي حياة الفلسطينيين منذ 150 عامًا، ومخططات لمبانٍ قديمة ذات قيمة أثرية، وتم تدميره بالكامل في أواخر نوفمبر 2023 وأحرقت وثائق تاريخية ذات قيمة كبيرة في الأرشيف المركزي، وأعدمت آلاف الوثائق التاريخية، وفق وسائل إعلام محلية.
مخزن آثار غزة
هو مخزن يقع شمال غزة، ويضم آلاف القطع الأثرية التي تعود لحقب زمنية تمتد إلى ما قبل 3 آلاف سنة قبل الميلاد، وإلى القرنين السابع والثامن الميلادي، عقب العثور عليها أثناء عمليات تنقيب، وأثناء الحرب سيطر جيش الاحتلال الإسرائيلي على المخزن الذي توجد فيه تلك الآثار.
جرائم حرب
بدوره قال كبير الأثريين بمصر، الدكتور مجدي شاكر، إن غزة مدينة تاريخية وكانت قاعدة انطلاق استراتيجية في عهد الدولة الحديثة لعدد من المعارك، وتضم آثارا مصرية من عهد الفراعنة، بخلاف تراث إسلامي ومسيحي، وجميعها مصنفة كمعالم تراثية عالمية.
وأوضح شاكر في تصريحه لـ"جسور بوست" أن جميع الآثار والمعالم في غزة تعرضت لقصف إسرائيلي مدمر، لكنها كتراث بشري مسجلة بالمعلومات والرسومات والتصوير، وبالتالي لو تم العثور على بقايا هذه الآثار يمكن ترميمها وبناؤها من جديد إذا كانت موجودة بنسبة تتراوح بين 30 و70 بالمئة.
وأضاف: "لو تعرضت هذه الآثار لتدمير كلي خلال الحرب، سيكون هناك صعوبة في ترميمها وستبقى ذكراها في الكتب والمراجع فحسب، أما إن لم تكن مسجلة فهذه كارثة إنسانية كبرى"، مستبعدا أن تكون هناك أولوية لإعادة ترميم الآثار المدمرة حال تم إعمار غزة عقب انتهاء الحرب.
وعاب كبير الأثريين المصري على منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" والمعنية بالحفاظ على التراث الإنساني، أن يتوارى دورها في هذه المأساة وتكتفي بدور الرصد والمتابعة للآثار والتراث الإنساني المدمر في قطاع غزة.
ومن جانبه أكد أستاذ القانون الدولي الدكتور أمجد شهاب، أن دور العبادة والمواقع التاريخية والأثرية في غزة يفترض أن تكون محمية بحكم القانون الدولي الإنساني أثناء النزاعات والحروب، لكن إسرائيل دمرتها بدون مبرر في انتهاك صارخ لكل قوانين واتفاقيات الحفاظ على الآثار باعتبارها جزءا من التاريخ الإنساني والتراث العالمي.
وبشأن إمكانية محاسبة إسرائيل على تلك الجرائم، قال شهاب في تصريح لـ"جسور بوست" إن تلك الجرائم لا تسقط بالتقادم، لكن يجب هزيمة إسرائيل قبل محاسبتها، خاصة وهي تلقى دعما دوليا كبيرا، لا سيما من حلفائها أمريكا وبريطانيا وفرنسا، ما قد يحول دون ملاحقة القادة الإسرائيليين الذين ارتكبوا تلك الجرائم.
ولفت أستاذ القانون الدولي إلى أن هناك 30 قرارا لصالح القضية الفلسطينية صادرا عن مجلس الأمن الدولي، بينها قراران لصالح فلسطين في ظل هذه الحرب الحالية، ولم تنفذهما سلطات الاحتلال الإسرائيلي.