«الإيكونوميست»: الحرب تجبر أوكرانيا على إعادة تشكيل قطاعي الصناعة والزراعة
«الإيكونوميست»: الحرب تجبر أوكرانيا على إعادة تشكيل قطاعي الصناعة والزراعة
واجهت أوكرانيا تحديات ضخمة منذ بداية الغزو الروسي في عام 2022، وخلال الأسابيع الستة الأولى، اضطر العديد من الأوكرانيين إلى التكيف بسرعة مع ظروف الحرب، حيث اندلعت معارك عنيفة بين السكان المحليين والقوات الروسية، ومن بينهم ميخايلو ترافيتسكي، المزارع في مدينة بريلوكِي، والذي أُجبر على العمل تحت القصف، حيث كان يحلب أبقاره مرتين يومياً مرتديًا درعًا واقيًا وحاملاً بندقية آلية.
وذكرت مجلة «الإيكونوميست» في تقرير لها، الأربعاء، أنه عند استهداف روسيا لأول مرة البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا، ما أدى إلى توقف العديد من المعدات مثل الثلاجات وآلات الحلب، تحولت مزرعة ترافيتسكي إلى صناعة الألبان المخمرة والجبن ذات العمر الافتراضي الأطول، مثل الفيتا، ومع اختفاء العديد من الأسر الغنية، خفض أسعار منتجاته وبدأ في تلبية احتياجات المتقاعدين الذين بقوا في المنطقة.
وعلى الرغم من أن اقتصاد أوكرانيا لا يزال أصغر بحوالي ربع حجمه مقارنة بعام 2021، فإنه في بعض الجوانب أصبح أكثر صحة مقارنة باقتصاد روسيا لأول مرة منذ بداية الغزو.
التعافي والاستقرار الجزئي
بدأت أوكرانيا مرحلة جديدة في منتصف عام 2022 بعد أن تصدت للقوات الروسية في جنوب البلاد، مما أعاد بعض الثقة في الاقتصاد، وتم توقيع اتفاق برعاية الأمم المتحدة لاستئناف تصدير الحبوب من موانئ البحر الأسود.
وأشار التقرير إلى أنه في بداية عام 2023، وقعت أوكرانيا مع صندوق النقد الدولي حزمة دعم مالية، وبدأ البنك المركزي تقليص الاعتماد على تمويل العجز العام من خلال طباعة العملة، كما تدفق الدعم الدولي، وعادت احتياطيات النقد الأجنبي إلى الانتعاش بعد أن تم تخفيف القيود على رأس المال.
إعادة هيكلة الموارد
واتجهت الحكومة الأوكرانية والشركات -وفقا للتقرير- إلى إعادة تخصيص الموارد لتلبية احتياجات الحرب المستمرة، وارتفعت النفقات العامة بشكل كبير، وأصبحت تمثل ثلثي الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن حوالي 30% من الناتج المحلي الإجمالي يذهب لدعم الدفاع والأمن.
وقامت بعض الشركات المملوكة للدولة مثل "نفطوجاز" بتحديث مجالس إدارتها في 2023، مما ساعدها على تحقيق أرباح بعد خسائر كبيرة في 2022، كما كانت الشركات الخاصة تتكيف من خلال التوسع في الأنشطة التي يمكنها الاستمرار في ظل الظروف الصعبة، مثل شركة "يو إيه داماج "، التي أسسها فيتالي لوبيشانسكي بعد تدمير مدينة ماريوبول في عام 2022.
النقص الحاد في الموارد
أكدت المجلة أن أوكرانيا تواجه الآن أكبر تهديدات اقتصادية مع استمرار الحرب، أولها هو النقص الحاد في الطاقة، ورغم الجهود المستمرة لإصلاح شبكة الكهرباء، فإن أوكرانيا تعتمد الآن على أقل من نصف قدرة توليد الكهرباء التي كانت متاحة قبل الحرب، حيث تعرضت محطات الطاقة والمرافق الأخرى للهجوم المستمر من قبل القوات الروسية.
وفي 13 ديسمبر 2023، أطلقت روسيا 93 صاروخًا وأكثر من 200 طائرة مسيرة استهدفت محطات الكهرباء، مما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي في عدة مناطق.
الحلول المستدامة
وقالت إنه مع ذلك، استطاعت أوكرانيا تحسين قدرتها على امتصاص الصدمات الناجمة عن الهجمات على البنية التحتية للطاقة، في ديسمبر 2023، قامت بزيادة قدرتها على استيراد الكهرباء من الاتحاد الأوروبي بنسبة 25% لتصل إلى 2.1 غيغاوات.
واعتمد العديد من منتجي الغذاء على المخلفات لتحويلها إلى غاز حيوي يستخدم في مواقع الإنتاج، بالإضافة إلى ذلك، العديد من المزارعين لديهم مولدات ديزل، بينما تقوم الشركات المتوسطة بإعداد محطات طاقة كهربائية تعمل بالغاز الطبيعي، والتي غالبًا ما يتم دمجها مع مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية.
نقص العمالة
ولفتت المجلة إلى أن أوكرانيا عانت من نقص حاد في اليد العاملة بسبب الهجرة وحملات التعبئة العسكرية التي أثرت على قوة العمل بشكل كبير، وبحلول نهاية عام 2023، تقلصت قوة العمل إلى 13 مليون شخص، بانخفاض أكثر من 20% مقارنة بعام 2021.
وأوضحت مع زيادة الطلب على العمالة في السوق، بلغ عدد الوظائف الشاغرة 65 ألف وظيفة أسبوعياً، بزيادة ملحوظة عن بداية الحرب، لكن الفرص المتاحة كانت تجذب متوسط 1.3 طلب فقط لكل وظيفة، مما يعكس حالة العجز الكبير في سوق العمل.
أزمة التمويل
ونوهت المجلة إلى أن النقطة الأخيرة التي تضاف إلى التحديات الاقتصادية تتمثل في النقص في الأموال، فلا تستطيع العديد من الشركات الصغيرة والمزارع الحصول على القروض اللازمة لتمويل عملياتها، مما يزيد من صعوبة استثمارات رأس المال على المدى الطويل، ونتيجة لذلك، ارتفعت تكاليف الأعمال، مما أثقل كاهل الشركات وزيّـد التضخم.
وتكبدت الحكومة أيضًا عجزًا ماليًا كبيرًا، حيث من المتوقع أن يقترب العجز من 20% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025، وسيتم تمويل الجزء الأكبر منه من مصادر خارجية.
الآفاق المستقبلية
واختتمت «الإيكونوميست» تقريرها أنه بفضل الدعم الدولي الذي تتلقاه أوكرانيا، فإنها قادرة على الصمود في وجه هذه التحديات الاقتصادية، لكن مع اقتراب عام 2026، قد تجد أوكرانيا نفسها أمام مفترق طرق إذا تراجعت مساعدات الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي.
ورغم ذلك يظل التفاؤل حذرًا في الأوساط الاقتصادية في أوكرانيا، حيث يقول ترافيتسكي، المزارع الأوكراني، إنه حقق أرباحًا صغيرة هذا العام، وهو يخطط لتوسيع نشاطه في صناعة الجبن رغم التحديات المستمرة.