«فورين بوليسي»: صمت واشنطن عن انتهاكات إسرائيل يُقوّض مصداقيتها حول حقوق الإنسان
«فورين بوليسي»: صمت واشنطن عن انتهاكات إسرائيل يُقوّض مصداقيتها حول حقوق الإنسان
أشار تحليل لمجلة "فورين بوليسي"، إلى قضية تجاهل انتقادات حقوق الإنسان الموجهة لإسرائيل، خاصة في ما يتعلق بسلوكها خلال حربها في غزة، حيث كشف عن وجود تباين صارخ في التغطية الإعلامية لهذه الانتقادات بين وسائل الإعلام الأمريكية ووسائل الإعلام الدولية الأخرى.
وركز التحليل المنشور، أمس الجمعة، بشكل خاص على تقارير صادرة عن منظمات دولية مرموقة، مثل مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، التي وثقت بالتفصيل انتهاكات إسرائيلية مزعومة لحقوق الإنسان في غزة، لكنها لم تحظَ بالاهتمام الكافي في وسائل الإعلام الأمريكية.
تدمير النظام الصحي في غزة
أصدر مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في اليوم الأخير من عام 2024 تقريرًا نقديًا حول تدمير إسرائيل المزعوم للمستشفيات في غزة، أوضح خلاله بشكل قاطع أن تدمير النظام الصحي في غزة، وما تبعه من قتل للمرضى والموظفين وغيرهم من المدنيين في هذه الهجمات، يُعتبر نتيجة مباشرة لتجاهل إسرائيل للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان.
ونقل برنامج "بي بي سي نيوز آور" هذا الخبر بالفعل في الجزء الأول من بثه في اليوم التالي، لكن المفارقة كانت في تجاهل الصحف الأمريكية الكبرى، مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست وول ستريت جورنال، لهذا التقرير بشكل كامل في طبعاتها الصباحية.
وأشار التحليل إلى أن غياب التغطية الإعلامية الواسعة لتقرير الأمم المتحدة يُبرز اتجاهًا أوسع وأكثر إثارة للقلق في تغطية وسائل الإعلام الأمريكية للحرب الإسرائيلية في غزة.
انتقد العديد من المحللين إدارة الرئيس بايدن لفشلها المتكرر في انتقاد التكتيكات العسكرية الإسرائيلية التي أدت إلى دمار شامل في غزة، وإلى مقتل أكثر من 45 ألف شخص، وفقًا لبعض التقديرات، وفقدان صوتها بشكل ملحوظ بشأن المأساة الأخلاقية للقتل العسكري لهذا العدد الكبير من المدنيين.
وذهبت الإدارة إلى استخدام سلطتها في بعض الأحيان لإسكات الانتقادات الموجهة لإسرائيل، كما حدث عندما مارست ضغوطًا على منظمة ممولة من الولايات المتحدة لسحب تقرير يُشير إلى مجاعة وشيكة في شمال غزة.
اتهامات الإبادة الجماعية
اتهمت منظمة العفو الدولية، وهي منظمة حقوق إنسان دولية تحظى باحترام واسع النطاق، إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، وخلص تقرير المنظمة إلى أن إسرائيل "فرضت عمدًا ظروفًا معيشية على الفلسطينيين في غزة تهدف، بمرور الوقت، إلى تدميرهم".
لم يحظ هذا التقرير الخطير بتغطية إعلامية كافية في وسائل الإعلام الأمريكية، وفي بعض الحالات القليلة التي تم فيها تغطيته، وضعت التغطية رفض إسرائيل القاطع لهذه الاتهامات في المقدمة، قبل التطرق إلى جوهر الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي نفسه.
وأشار التحليل إلى أن صحيفة "نيويورك تايمز" نشرت في 26 ديسمبر تحقيقًا مطولًا كشف عن أن إسرائيل خففت قواعدها الخاصة بالحرب، ما سمح لضباط إسرائيليين من الرتب المتوسطة بإلقاء قنابل على من يُشتبه في أنهم أعضاء من حماس من مستويات دنيا، حتى لو كانت هذه الضربات تُعرّض حياة أفراد أسرهم أو غيرهم من المدنيين القريبين للخطر، لكن هذه التغطية، على أهميتها، ظلت محدودة وغير كافية مقارنة بحجم الأحداث.
أكثر جرأة وشفافية
ووفقا لـ"فورين بوليسي"، للعثور على تغطية إعلامية أكثر جرأة وشفافية لطبيعة الحرب في غزة وخسائرها البشرية والمادية، يجب على المرء أن ينظر إلى وسائل إعلام أجنبية، وعلى رأسها صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
وكشفت هآرتس في تقارير حديثة عن تصريحات صادمة لضباط عسكريين إسرائيليين لم تُذكر أسماؤهم، قالوا إن الهدف الحقيقي لفرقتهم كان التهجير القسري لما يقرب من 250 ألف فلسطيني متبقين في شمال غزة، ونقلت الصحيفة عن قائدهم، العميد يهودا فاش، قوله لهم بشكل صريح إن "الفلسطينيين سيتعلمون الدرس الضروري فقط من خلال خسارتهم للأرض".
اتهامات في الأوساط الحقوقية
كتب آرييه نير، أحد مؤسسي منظمة هيومن رايتس ووتش، وهي منظمة حقوقية أمريكية رائدة، في مقال نُشر في "نيويورك ريفيو أوف بوكس" أنه توصل إلى استنتاج مُقلق مفاده أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين.
ويُعتبر نير، وهو أحد الناجين من المحرقة، شخصية ذات وزن وثقل في مجال حقوق الإنسان، ومن النادر جدًا أن يستخدم مصطلح "الإبادة الجماعية"، حيث استخدمه مرة واحدة فقط خلال 15 عامًا قضاها في هيومن رايتس ووتش، وذلك لوصف مذبحة صدام حسين للأكراد عام 1988، التي شملت استخدام الأسلحة الكيميائية.
عرقلة المساعدات الإنسانية
استند نير في اتهامه الخطير إلى سياسة إسرائيل المتمثلة في عرقلة المساعدات الإنسانية عن قطاع غزة، وأعلن مسؤولون إسرائيليون رفيعو المستوى في وقت مبكر من 9 أكتوبر أنهم يعتزمون منع تسليم الغذاء والماء والكهرباء والوقود إلى غزة، وهي مواد أساسية لحياة السكان.
واعتبر نير أن عرقلة المساعدات الإنسانية من غير المرجح أن تؤثر على مقاتلي حماس بشكل مباشر، بل ستُلحق أضرارًا جسيمة بالمدنيين الفلسطينيين، ما يُشير إلى نية مُبيّتة لإلحاق الأذى الجماعي بالسكان.
وأصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقييمها الخاص للأوضاع في غزة، وخلصت بدورها إلى أن إسرائيل ترتكب "أعمال إبادة جماعية"، جاء ذلك بعد أن قدمت دولة جنوب إفريقيا مطالبتها القانونية الرئيسية التي تتهم إسرائيل بالإبادة الجماعية إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي في أكتوبر.
تجاهل الانتقادات
وخلصت المجلة الأمريكية إلى أن الصحفي الفرد لا يملك صفة قضائية للبت بشكل قاطع في ما إذا كان سلوك إسرائيل في غزة يشكل إبادة جماعية من الناحية القانونية أم لا، لكن تجاهل الانتقادات الخطيرة الصادرة عن أشخاص ومنظمات دولية جادة وذات مصداقية يُعتبر خطرًا حقيقيًا على الإنسانية ككل، وليس على الفلسطينيين فقط، هذا التجاهل يُقوّض مبادئ العدالة وحقوق الإنسان، ويُعرّض المجتمع الدولي برمته للمساءلة عن تقاعسه عن اتخاذ الإجراءات اللازمة.