سنجار.. مدينة عراقية مشتتة بين «الحكم الذاتي» و«إعادة الدمج»
سنجار.. مدينة عراقية مشتتة بين «الحكم الذاتي» و«إعادة الدمج»
على مدى 8 سنوات، تفاقمت المأساة الإنسانية للأيزيديين في قضاء سنجار، إذ بات معظمهم يعيشون في الخيام رغم حرارة الصيف وبرودة الشتاء القاسية بالعراق.
وكأن النزوح بات مصيرهم المحتوم، حيث تشرد نحو 10 آلاف من الأيزيديين في قضاء سنجار، شمالي العراق، على وقع اشتباكات مسلحة بين الجيش العراقي وتنظيمات تابعة لحزب العمال الكردستاني.
ومنذ أول أيام عيد الفطر ولعدة أيام، اندلعت اشتباكات دامية بين الجيش العراقي ومليشيا محلية في قضاء سنجار بمحافظة نينوى، والذي يعد الموطن التاريخي للأقلية الأيزيدية.
ورغم اتفاق وقف إطلاق النار، يعتبر محللون أن هدوء الأوضاع "مؤقت"، متوقعين عودة الاقتتال مجددا، ليعيد إلى الأذهان ذكريات موجة النزوح الأكبر للأيزيديين على يد عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي.
وأثناء اجتياح "داعش" للعراق عام 2014، قتل مسلحو التنظيم آلاف الرجال من الأيزيديين، فيما تم سبي وخطف الآلاف من الأطفال والنساء، في أحداث وصفتها الأمم المتحدة بـ"الإبادة الجماعية".
وفي أكتوبر 2020، وقعت بغداد وأربيل اتفاقا لضمان حفظ الأمن في قضاء سنجار، من قبل قوات الأمن الاتحادية بالتنسيق مع قوات إقليم كردستان شمالي العراق، لإخراج الجماعات المسلحة غير القانونية.
ورفض ما يُعرف بـ"وحدات مقاومة سنجار" وهي ميليشيا أيزيدية تأسست عام 2014، هذا الاتفاق متمسكة بمطلبها في إقامة إدارة ذاتية بالقضاء، على غرار إقليم كردستان، شمالي العراق.
وتتبع "وحدات حماية سنجار" حزب العمال الكردستاني، وتعتبرها تركيا التي تتمتع بنفوذ كبير في المنطقة تنظيمًا إرهابيًا، فيما يعتبره الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم لإقليم كردستان العراق منافسًا سياسيًا.
وتتفق الحكومة العراقية مع نظيرتها التركية وحكومة إقليم كردستان على التعاون المشترك ضد حزب العمال الكردستاني والمعرف باسم "بي كا كا"، والوحدات المسلحة التابعة له في المنطقة.
ورغم سيطرة "وحدات حماية سنجار" على مساحات كبيرة من المنطقة، فإنها فشلت في توفير الأمان وإقرار حالة السلام في القضاء، وفق تقارير دولية.
إدارة ذاتية
بدورها، قالت عضو تنسيقية حركة "المرأة الأيزيدية الحرة" في سنجار، رهام حجو، إن الصراع في المنطقة ليس بعيدًا عن الصراع الإقليمي والعالمي، فهناك أطراف أساسية تتنافس على سنجار، وهي إيران وتركيا والولايات المتحدة.
وأضافت "حجو" في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست" أن لكل دولة دوافع وأطماعاً مختلفة، لذلك فهذا الصراع مستمر دون هدوء منذ بدأت مأساة قضاء سنجار في 2014 على يد تنظيم داعش الإرهابي.
وأوضحت: "بعد هجوم داعش على سنجار، لم تقم القوات العراقية الاتحادية ولا قوات البيشمركة التي كانت تتولى تأمين المنطقة آنذاك، بالدفاع عنها، ما أدى إلى تعرض الأيزيديين لجريمة إبادة جماعية على يد التنظيم الإرهابي".
واستطردت: "في أثناء أيام الإبادة تشكلت قوات من الأيزيديين تحت اسم وحدات مقاومة سنجار للدفاع عنها، وتمكنت من تحرير المنطقة بالفعل، وبعد سقوط داعش بدأت تركيا بشن هجمات ضدنا حتى الآن، لأنها تسعى لإنهاء الوجود الكردي في المنطقة".
وتابعت: "بداية شهر مايو الجاري هاجم الجيش العراقي قواتنا الأمنية، بالتوازي مع هجوم نفذته تركيا على منطقة شمال العراق، لكن القوات الأيزيدية واجهت ذلك دفاعا عن نفسها".
وأضافت "رهام"، أن "الاشتباكات الدامية بين الجيش العراقي وقوات سنجار دفعت العائلات الأيزيدية إلى النزوح والتعرض لأوضاع إنسانية صعبة في المخيمات، التي تتعرض يوميا لحرائق مدمرة.
وأشارت إلى أن الأيزيديين يريدون أن تكون لهم إدارة ذاتية يديرون بها شؤونهم ويكونون فيها أصحاب القرار، وهذا بالنسبة لهم يمثل حلاً شاملاً لكل المشكلات العالقة لأهل قضاء سنجار.
وحركة "المرأة الأيزيدية الحرة" هي جزء من المجموعات المسلحة المنضوية تحت اسم "قوات حماية سنجار"، التابعة لحزب العمال الكردستاني.
أجندات دولية
من جانبه، قال الكاتب الصحفي والناشط الأيزيدي، ميسر الأداني، لـ"جسور بوست"، إن الصراعات قائمة على مناطق الأيزيديين بين أكثر من 10 قوى مسلحة، بينها الموالي لإيران، والموالي لأحزاب وأجندات دولية وإقليمية أخرى.
وأضاف الأداني: "بعد اتفاق أكتوبر 2020 بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان، كان من المفترض أن تنسحب الفصائل المسلحة من قضاء سنجار، لكن ذلك لم يحدث، ولم يتم تنفيذ الاتفاق حتى الآن".
وأكد أن الاشتباكات الأخيرة وقعت بين قوات الجيش العراقي و"وحدات حماية سنجار" التابعة لحزب العمال الكردستاني، وأن الطرفين استخدما العائلات الأيزيدية كدروع بشرية، ما أدى لسقوط أبرياء ومدنيين.
وأشار إلى أن "هذه الاشتباكات أدت لنزوح آلاف العائلات إلى إقليم كردستان بعد أن كانوا عادوا إلى مناطقهم الأصلية من النزوح الأول عام 2014".
وأضاف: "الأيزيديون كانوا يحلمون بعد الانتهاء من داعش أن يتم تحقيق العدالة وتعويض الضحايا وإنصافهم بمحاسبة مرتكبي الجرائم، وأن تكون لهم إدارة ذاتية تدير أمورهم وشؤونهم الداخلية، لكن لم يتم تحقيق أي شيء من ذلك".
وأشار إلى أنه "منذ بدء الأزمة في 2014 هاجر نحو 120 ألف أيزيدي إلى أوروبا وأستراليا والولايات المتحدة، ولا يزال نزيف الهجرة مستمرا، مضيفًا أن "كثيراً من الأيزيديين لا يريدون البقاء في وطنهم العراق ويسعون للهجرة".
وأوضح أن الاشتباكات الأخيرة توقفت بفعل اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تحقق تحت ضغوط وحراك شبابي مستقل، حيث نظم الشباب اعتصامات ومظاهرات في شمال سنجار، للمطالبة بوقف العنف وطرد المسلحين لتهيئة الأرض لعودة الأيزيديين إلى وطنهم.