معرض تكريمي لفنان لبناني راحل دمرت الحرب منزله وأعماله
معرض تكريمي لفنان لبناني راحل دمرت الحرب منزله وأعماله
أطلق متحف سرسق في بيروت معرضًا تكريميًا للفنان التشكيلي اللبناني الراحل عبد الحميد بعلبكي، الذي تعرض منزله وأعماله الفنية في بلدة العديسة الحدودية للدمار جراء الحرب الأخيرة في لبنان.
ووفقا لوكالة "فرانس برس" استعاد هذا المعرض، الذي افتتح، الخميس، مسيرة الفنان الذي جسد في أعماله مآسي الحرب وقضايا الإنسان من خلال أسلوبه الواقعي التعبيري.
أكدت مديرة متحف سرسق ومنسقة المعرض، كارينا الحلو، أن الحرب الأخيرة دفعت المتحف إلى تنظيم هذا الحدث تكريمًا للفنانين اللبنانيين، ليس فقط في لحظات الفرح، بل أيضًا في أوقات المحن.
وشددت على أهمية الاجتماع حول الفن بدلًا من الدمار، مشيرة إلى أن هذا المعرض يعكس تقديرًا لإرث بعلبكي الفني وتأثيره العميق.
ورأى أسامة بعلبكي، نجل الفنان الراحل، أن هذا المعرض يشكل تحية لوالده، الذي برز في السبعينيات كأحد أبرز الفنانين التشكيليين في لبنان، كما يمثل تكريمًا لكل من فقدوا إرثهم الفني والثقافي نتيجة الحروب.
معاناة الإنسان والطبيعة
عرض المتحف ثلاث جداريات ضخمة، وخمسين لوحة زيتية، وعشرين رسمًا ورقيًا ضمن مجموعة "الأشجار الميتة" التي تميز بها بعلبكي في التسعينيات، وقد اختيرت هذه الأعمال بعناية من مجموعات خاصة، لتعكس مختلف مراحل مسيرته الفنية.
وتضمنت القاعة شريط فيديو يضم مقابلات مع مقربين من الفنان، فيما وُضعت مجموعة من كتبه الشعرية والتراثية بجانب شاشة تعرض صورًا من أرشيفه الخاص ومقتطفات من مقابلات صحافية أجريت معه، كما استُعرضت مجموعة نادرة من الكتب التي كان يجمعها طوال حياته.
واستعرضت ريشة بعلبكي تفاصيل الحياة اليومية في بيروت، من "القبضاي" القوي إلى "بائع البطيخ"، كما التقطت وجوه الناس بحزنها وأحلامها، ظهرت هذه الأحاسيس جلية في لوحة "الرحيل" التي جسدت ألم الفقدان، ولوحة "الأم" التي بدت فيها الأم تحكي قصة لطفلها.
ورسم بعلبكي ألوان وطبيعة منطقة جبل عامل التي نشأ فيها، موثقًا جمالها الفريد وتضاريسها التي يغلب عليها الطابع الجبلي الأجرد، ما أضفى على أعماله تشكيلًا لونيًا متنوعًا ومميزًا.
قسوة الحرب
تجلت قسوة الحرب في إحدى أبرز أعماله، الجدارية التي حملت عنوان "الحرب"، والتي رسمها عام 1977 في بداية الحرب اللبنانية، امتلأت اللوحة بوجوه مفجوعة، وجثث ممددة، وبيوت مدمرة، وأشجار محترقة، فيما حلق طائر البوم المشؤوم في أرجائها.
ولاحظ أسامة بعلبكي أن والده تأثر بصدمة الحرب، معتبرًا أن هذه الجدارية تحمل مكانة خاصة بين الأعمال التشكيلية التي وثقت الحرب الأهلية اللبنانية، أطلقت الصحافة على اللوحة اسم "غرنيكا الحرب الأهلية"، تيمنًا بلوحة الفنان الإسباني بابلو بيكاسو "غرنيكا" التي صورت أهوال الحرب الأهلية الإسبانية.
وبعد وفاة الفنان عن عمر ناهز 73 عامًا، نقلت العائلة معظم أعماله إلى بيروت، أوضح أسامة أن انشغالات والده الدائمة حالت دون استمرار إنتاجه الفني بوتيرته السابقة، حيث عاش متنقلًا بين المناطق قبل أن يستقر في العديسة خلال آخر سنوات حياته.
ولكن الحرب لم تترك مجالًا لهذا الاستقرار، إذ دمرت الغارات الإسرائيلية بين سبتمبر ونوفمبر الماضي العديد من القرى الجنوبية، بما في ذلك منزل بعلبكي الأندلسي الطراز، الذي تحول إلى ركام رغم أنه كان أقرب إلى مركز ثقافي يضم مكتبة ضخمة وأعمالًا فنية نادرة.
خسائر لا تعوض
لم يتبقَ من المنزل-المتحف سوى الذكريات، إذ دُمرت عشرات اللوحات الزيتية، بالإضافة إلى منحوتات ورسوم بالحبر وأعمال لفنانين آخرين، فقدت المكتبة آلاف الكتب النادرة، التي كانت تضم طبعات قيمة لا يمكن تعويضها.
وعكست هذه الكارثة حجم الخسائر التي ألحقتها الحرب بالفن والثقافة في لبنان، ليصبح معرض متحف سرسق بمثابة شهادة حيّة على الإرث المنتهَك، ورسالة تذكير بأهمية الحفاظ على الذاكرة الفنية من الدمار والنسيان.