مدارس من صفيح ومعلمون بلا أجور.. واقع متدهور للتعليم في ليبيا وسط غياب الحلول

مدارس من صفيح ومعلمون بلا أجور.. واقع متدهور للتعليم في ليبيا وسط غياب الحلول
مدارس جنوب ليبيا

تشهد العديد من المدارس في ليبيا أوضاعًا متدهورة تؤثر سلباً في العملية التعليمية، حيث يعاني الطلاب تدهورًا في البنية التحتية، فيما يجد المعلمون تحديات عدة لعل أبرزها تأخر الرواتب، ما يدفعهم للبحث عن بدائل لتأمين معيشتهم وإعالة أسرهم.

ويطالب أولياء أمور تحدثوا إلى "جسور بوست"، بتحسين الأوضاع التعليمية، محذرين من تأثير نقص المعلمين وسوء البنية التحتية على مستقبل أبنائهم. 

وأكد ناصر صالح، أحد أولياء الأمور، أن أبناءه يواجهون صعوبات كبيرة بسبب غياب المدرسين وضعف البيئة الدراسية، ما يدفعهم لقضاء ساعات طويلة دون تلقي دروس.

وطالب صالح في تصريح لـ”جسور بوست”، بضرورة توفير معلمين في جميع التخصصات، إلى جانب توفير معامل ومختبرات علمية، واختصاصيين اجتماعيين وإداريين للإشراف على الطلبة، وتحسين البنية التحتية لتوفير ملاعب ومساحات للنشاطات الطلابية.

وأشار إلى أن الأهالي لم يقفوا مكتوفي الأيدي، بل أسهموا خلال السنوات الثلاث الماضية في دعم العملية التعليمية من خلال التعاقد مع معلمين متعاونين لسد العجز، ودفع مقابل مادي لهم بالتنسيق مع إدارة المدرسة، في ظل غياب حلول جذرية من الجهات المختصة.

وأوضح عز الدين مسعود، ولي أمر لستة طلاب، أن مستوى التعليم في المرحلة الابتدائية يعد مقبولًا إلى حد ما، لكن المرحلة الإعدادية تعاني تراجعًا كبيرًا، مشيراً إلى أن أبناءه غالبًا ما يعودون إلى المنزل مبكرًا بسبب قلة الحصص الدراسية، ما يعكس صورة سلبية عن سير العملية التعليمية.

وأضاف مسعود في تصريح لـ”جسور بوست”، أنه عاد إلى القرضة قبل خمسة أشهر بعد أن قضى عامًا في مصراتة، منوهاً إلى أن الفارق كبير بين المدارس في المدينتين، حيث وصف مدارس القرضة بأنها متهالكة وتفتقر أدنى مقومات التعليم،.

وأكد أن البنية التحتية للمدارس معدومة، ولا توجد صيانة فعلية سوى بعض الإصلاحات السطحية، كما تفتقر إلى الملاعب المناسبة ودورات المياه النظيفة، ما يجعل البيئة التعليمية غير ملائمة للطلبة.

وأبدى مسعود استياءه من قيام مراقبة التعليم بنقل معلمين أكفاء دون الرجوع إلى إدارة مدرسة “شهداء أبي غرة”، مؤكداً أن إدارة المدرسة لم تتعاون بالشكل المطلوب مع أولياء الأمور في هذا الشأن، بل أظهرت تعاطفًا مع قرارات المراقبة.

داعياً الجهات المسئولة للالتفات إلى هذه المدارس التي وصفها بـ”منتهية الصلاحية”، مشددا على أنهم لم يدخروا جهدًا في دعم العملية التعليمية سواء ماديًا أو معنويًا، لكن الحلول الجذرية تبقى بيد الجهات المختصة، التي طالبوها بالاستجابة العاجلة لمطالبهم لضمان تعليم أفضل لأبنائهم.

وضع تعليمي مأساوي

من جانبه، وصف مختار محلة حي السلام، عمر محمد البصير، الوضع التعليمي في المنطقة بـ"المأساوي"، مشيرًا إلى أن مدرسة شهداء أبو غرة للتعليم الأساسي، التي تأسست في أواخر السبعينيات، لم تعد صالحة لاستقبال الطلاب، تتكون المدرسة من 6 فصول فقط، ما اضطر الأهالي إلى تقسيم المسجد داخلها إلى أربعة فصول، وتحويل المختبر إلى فصل دراسي، في محاولة لاستيعاب العدد الكبير من الطلاب، الذي يتجاوز 600 طالب وطالبة موزعين بين الفترتين الصباحية والمسائية.

وقال إن مدرسة كنوز المعرفة الثانوية، الواقعة داخل أسوار مدرسة شهداء أبو غرة، فتتكون فصولها من "تريلات صفيحية" لا توفر أدنى معايير الحماية من برد الشتاء وحر الصيف، وعلى الرغم من محاولات صيانتها بجهود أهل الخير، فما يزال وضعها بعيدًا عن المستوى المطلوب لاستيعاب أكثر من 33 طالبًا في المرحلتين الأولى والثانية من التعليم الثانوي.

وأشار مختار المحلة إلى وجود نقص حاد في الفصول الدراسية والمعلمين، ما دفع أولياء الأمور إلى الاجتماع والاتفاق على دفع رسوم شهرية لسد العجز من خلال التعاقد مع معلمين من خارج الملاك الوظيفي، بلغت الرسوم المفروضة على طلاب الابتدائي والإعدادي 20 دينارًا شهريًا لكل طالب، في حين يدفع طلاب المرحلة الثانوية 75 دينارًا شهريًا، ليصل إجمالي المبلغ الذي يتم جمعه شهريًا إلى 15 ألف دينار ليبي تُخصص رواتب للمعلمين المتعاونين.

وأضاف عمر البصير أن أزمة نقص المعلمين مستمرة رغم وجود أكثر من 2000 معلم ضمن الاحتياط العام بالبلدية، لافتًا إلى أن التواصل مع مراقبة التربية والتعليم بالقرضة لم يُسفر عن أي حلول فعلية.

استجابة صندوق الإعمار

في محاولة للفت أنظار المسؤولين إلى معاناة الطلاب، وجه أولياء الأمور دعوة إلى مدير أمن وادي الشاطئ، اللواء وهبي الرخ، الذي زار المدرستين واطلع على أوضاعهما، واصفًا إياهما بأنهما "غير صالحتين للتعليم"، ومؤكدًا أن مطالب الطلاب بتوفير معلمين "مشروعة ويجب الاستجابة لها".

وعقب هذه الزيارة، استجاب صندوق الإعمار، وتواصل مع مختار المحلة، واعدًا بإيجاد حلول للأزمة التعليمية في المنطقة. لكن البصير أكد أن الحل الأمثل يتمثل في تشكيل لجنة رفيعة المستوى برئاسة ممثل عن القيادة العامة، لوضع حلول جذرية لهذه الأزمة.

ورغم التحديات، شدد مختار المحلة على استمرار مطالبة الأهالي والمسؤولين المحليين بحقوق الطلاب، داعيًا الجهات المختصة إلى التدخل العاجل لإنقاذ مستقبل مئات التلاميذ الذين يواجهون خطر فقدان حقهم في التعليم بسبب الإهمال والتقصير الرسمي.

مدارس تعاني الإهمال

وفي السياق، قالت مديرة مدرسة شهداء أبو غرة للتعليم الأساسي، مجلية عثمان، إن المدرسة تواجه تحديات متفاقمة، بدءًا من ضعف البنية التحتية، مرورًا بنقص المعلمين والتجهيزات، وصولًا إلى عدم توفر الحوافز المالية للكوادر التدريسية.

وأضافت في تصريح لـ"جسور بوست"، أن المدارس في منطقة القرضة بجنوب ليبيا، تعاني أوضاعًا صعبة، حيث تواجه البنية التحتية تدهورًا حادًا ونقصًا حادًا في الإمكانات الأساسية. 

تأسست إحدى المدارس عام 1976، لكنها لم تشهد سوى صيانة جزئية محدودة خلال العقود الماضية، في حين تقتصر آخر أعمال الصيانة عام 2024 على إصلاح شبكة المجاري فقط، ومع تزايد أعداد الطلاب، لجأت الإدارة إلى تحويل المساحات المتاحة إلى فصول دراسية، ما أدى إلى اكتظاظ شديد داخل الصفوف.

وتشير الإحصاءات إلى أن عدد الطلاب المسجلين بلغ 523 طالبًا وطالبة، إلا أن عشرات الطلبة اضطروا للانتقال إلى مدارس أخرى بسبب النقص الحاد في المعلمين. 

وتشكو مديرة المدرسة مجلية عثمان عدم استجابة الجهات المختصة لمطالبات سد العجز، مشيرة إلى اللجوء لتعيين معلمين غير مؤهلين، في حين اضطر الكادر الإداري إلى التدريس لتعويض النقص.

غياب الدعم المالي

تفتقر المدارس لمعامل الحاسوب والمختبرات العلمية والوسائل التعليمية الأساسية، ما يؤثر -بشكل مباشر- في جودة التعليم. كما يواجه المعلمون ظروفًا صعبة بسبب تدني الرواتب، وتأخر الترقيات، وغياب الحوافز، في ظل عدم حصول المدارس على الميزانية التشغيلية لهذا العام.

وعلى الرغم من تعهد لجنة إعمار ليبيا بإنشاء مدرسة جديدة في المنطقة، فإن الأوضاع ظلت على حالها دون تغيير. 

وأعربت مديرة المدرسة عن أملها في تدخل عاجل لحل أزمة المعلمين، وصرف مرتبات العقود المتعثرة، محذرة من تفاقم الأزمة مع استمرار نقل المدرسين دون تعويضهم.

معاناة إضافية للمعلمين

يواجه المعلمون في مدرسة كنوز المعرفة أوضاعًا أكثر صعوبة، حيث لم يتقاضَ جميع المدرسين رواتبهم منذ ست سنوات، ورغم ذلك، يواصلون التدريس داخل فصول صفيح أقيمت في ساحة مدرسة أخرى. 

وأكد مدير المدرسة عبد المنعم الحداد، أن العملية التعليمية في خطر، حيث يضطر الطلاب للدراسة داخل "تريلات" بسبب افتقار المدرسة للفصول والتجهيزات الأساسية.

من جانبها، أكدت مراقبة التعليم في بلدية القرضة الشاطئ، عزيزة أبو خزام، أن المراقبة تعمل وفق الإمكانات المتاحة، موضحة أن نقص المعلمين وتدهور البنية التحتية من أكبر التحديات التي تواجه المدارس. 

وأوضحت أبو خزام، أن القرارات المتعلقة بتعيين المعلمين وصيانة المدارس تقع ضمن اختصاصات وزارة التعليم، وليس المراقبات المحلية.

اختتمت أبو خزام حديثها برسالة إلى الجهات المسؤولة، مطالبة إياهم بالاهتمام بمراقبات التعليم في الجنوب، وتوفير الدعم اللازم لحل المشكلات المتراكمة عبر العقود الماضية، كما أشادت بمحاولات إبعاد قطاع التعليم عن التجاذبات السياسية، لكنها شددت على ضرورة التخطيط السليم لضمان مستقبل تعليمي أفضل للأجيال القادمة.

أوضاع صادمة

وصف الناشط الحقوقي طارق لملوم الوضع التعليمي في الجنوب الليبي بـ"الصادم"، قائلًا إن المدارس تعاني غياب الدعم الحكومي، والبنية التحتية المتدهورة، حيث يضطر الطلاب للدراسة في ظروف غير إنسانية، وشدد على ضرورة تدخل الجهات المعنية بشكل عاجل لإنقاذ التعليم في المنطقة.

وأكد لملوم ضرورة إجراء تحقيقات قانونية حول هذه الأوضاع، واتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين البنية التحتية للمدارس في المناطق المتضررة، سواء في الجنوب أو في القرى المهمشة شرق البلاد.

ودعا وزارة التربية والتعليم إلى التنسيق مع البلديات لإنشاء مدارس نموذجية بسيطة، مؤكداً أن الأعداد ليست كبيرة والتكاليف يمكن تغطيتها محليًا دون الحاجة إلى تدخلات على مستوى أعلى.

واختتم لملوم حديثه بالتحذير من تكرار هذا الوضع مستقبلًا في ظل غياب إدارة حقيقية للملف التعليمي، سواء على المستوى المحلي أو من قبل الوزارات والحكومات المتعاقبة في الشرق.

مستقبل التعليم في الميزان

يبقى الواقع التعليمي في جنوب ليبيا شاهدًا على حجم التحديات التي تواجه القطاع، وسط وعود متكررة دون تنفيذ، وبينما يستمر الأهالي والمعلمون في المطالبة بإصلاحات جذرية، يظل السؤال مطروحًا: هل ستتحرك الجهات المعنية لإنقاذ التعليم، أم سيظل طلاب القرضة ضحية للإهمال؟



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية