في زمن العولمة.. أنصت أكثر مما تتكلم

في زمن العولمة.. أنصت أكثر مما تتكلم

 

 

ضمن إشكاليات عصر العولمة تأتي إشكالية الحديث والاستماع، ذلك أنه لم يعد هناك الوقت الكثير للإصغاء، أصبح كل منا مشروعاً فردياً قائماً بذاته، لا وقت ولا مكان للآخر فيه، وقد ساعد على ذلك توافر أدوات التكنولوجيا الحديثة تلك التي تضرب أسواراً من الصمت البشري، وتجعل وسائل التكنولوجيا  تتكلم، انظر إلى الأسرة الواحدة ترى أنها تتبادل الرسائل عبر الماسنجر وهي في البيت الواحد، ضاع الحوار وفي هذا خسارة فادحة للتواصل الإنساني.. فما الذين يتوجب عمله؟

 

الجواب نجده بين دفتي كتاب ” التعامل مع أناس لا تحتملهم ” لمؤلفيه د. ريك برينكما ، ود.ريك كيرشنر “.. فما الذي يقولانه لك في هذا الإطار ؟

 

 

 

 

عن مردود الاستماع

 

عندما يعبر الناس عن أنفسهم لفظياً فإنهم يحتاجون لمردود يؤكد أن الآخرين قد استمعوا لهم، كما يريدون أيضاً أن يفهمهم الآخرون وهذا صحيح حتى لو كانوا هم لا يفهمون أنفسهم كما في حالة الأشخاص المحبطين عندما يحاولون أن يشرحوا مشاعرهم وأفكارهم، ولكن عندما يتقابل شخصان أو أكثر ويريد كل منهما الرغبة أو الاستعداد لسماع وفهم الآخر عندئذ يصبح النزاع إو إنهاء الحوار شيئاً محتوماً، ولهذا السبب فالمحاور المتمكن يجعل هدفه ان يسمع ويفهم غيره أولاً قبل أن يحاول أن يجعل غير يسمعه ويفهمه.

 

وإليك الأخبار السيئة، أن الاستراتيجية التي نقدمها لك والخاصة بالاستماع تتطلب منك أن تضع جانباً بصورة مؤقتة احتياجك الخاص لأن يسمعك ويفهمك الآخرون في وقت تكون فيه في أمسّ الحاجة إلى ذلك.

 

والآن إليك الخبر الطيب، عندما تساعد الأشخاص مسببي المشكلات على أن يعبروا عن أنفسهم تماماً، فإنك تزيد من احتمالية قدرتهم على الاستماع إليك، بل ورغبتهم في ذلك أيضاً.

 

في الواقع لا يوجد شك في أن الناس عندما يمرون بتجربة استماع وتفهم الآخرين لهم يتخلون عن انشغالهم بأفكارهم ومشاعرهم الخاصة وتتفتح أبواب عقولهم، الأمر الذي يؤدي إلى سهولة استماعهم للآخرين.

 

والفهم يحدث على مستويين: المستوى العاطفي حيث يشعر الناس بأنك تتفهم ما يشعرون به، والمستوى الفكري عندما  يعتقد الناس أنك تفهم ما يقولون وعندما يصبح بعض الناس ذوي طباع صعبة “بمعنى أن نواياهم الايجابية تصبح مهددة أو محبطة ” فإن الاستماع إليهم لفهم مشاعرهم وأفكارهم يصبح هدفاً مفيداً.

 

ولتحقيق هذا يلزمك اتباع سياسة بسيطة ولكنها مؤثرة وهي أن تستمع بإيجابية.. لو أنك اعتدت الاستماع بالأسلوب الذي سنشرحه فسوف تمنع بعض الناس من أن يصبحوا أناساً لا تحتملهم:

 

الخطوة الأولى

 

التآلف مع الآخرين.. كيف يعرف الناس أنك تستمع لهم وتفهمهم ؟

 

إنهم يعرفون بصورة أساسية من الطريقة التي تبدو عليها وهم يتحدثون إليك، فبينما يعبرون عن مشاعرهم وينفسون عن غضبهم ويئنون ويشتكون ويتخففون من مشاكلهم ويتحدثون عن أشياء لا علاقة لها بالموضوع أو أشياء محيرة ويقدمون لك معلومات مفصلة لا حاجة لها ،فإن مهمتك عندئذ هي أن تقدم دلائل بصرية وسمعية على أن ما يقولونه يعني شيئاً بالنسبة لك” حتى لو لم يكن له معنى.

 

وبدلاً من أن تشتت الأشخاص ذوي الطبيعة الصعبة بنظرات محيرة مربكة وتقاطعهم أو تعارضهم فإننا نقترح عليك أن تساعدهم على أن يعبروا عن أنفسهم تماماً، والطريقة سهلة فما عليك سوى أن تهز رأسك بالموافقة ومن أن الآخر تصدر أصواتاً وكلمات مناسبة تنم عن الفهم مثل آه… نعم ثم تعيد ما قالوه فيعرفون أنك قد استمعت لهم وفهمتهم، باختصار كل شيء يصدر منك بداية من وضع جسدك وحتى طبقة صوتك يجب أن يعطي الانطباع بأنك تسمع لهم وتفهمهم .

 

وعند نقطة ما سوف تحتاج إلى أن تصبح أكثر انخراطاً في المحادثة، وسوف تتيقن من أنك قد وصلت إلى هذه النقطة عندما يبدأ الشخص المعضلة في إعادة ما سبق قوله، عندما يحدث هذا اعتبره دلالة على أن هذا الشخص يحتاج لمردود ما منك.

 

الخطوة الثانية

 

التكرار.. إن التكرار إحدى صور الاستجابة للطرف الآخر، والتكرار أو إعادة بعض الكلمات الفعلية التي يستخدمها المتحدث يعطي إشارة واضحة إلى أنك تستمع لما يقوله وتنظر إليه على أنه أمر مهم، والتكرار ليس شرحاً أو إعادة للصياغة، إن الكلمات هي رموز لتجارب الإنسان وخبراته والكلمات الرمزية التي يختارها الناس للتعبير عن تجاربهم وخبراتهم تكون لها دلالة خاصة بالنسبة لهم، وعليه فإن استبدال كلماتهم بكلمات من عندك في عبارات حسنة النية مثل “بعبارة أخرى ” إو اذا ما تحاول قوله هو ” قد يطيل عملية التحاور مع الأشخاص ذوي الطبيعة الصعبة، فمن الجائز أن يعتبروا هذه الرموز المختلفة التي قمت باستخدامها دليلاً على عدم فهمك لهم.

 

كذلك فالتكرار لا يعني ان تصبح ببغاء وتعيد كل الكلمات والعبارات على الشخص المعضلة فكل المطلوب هو ان تكرر الكلام على قدر ما يتطلبه الموقف الذي تواجهه .

 

 

 

 

 

الخطوة الثالثة

 

التوضيح..  بعدما تستمع إلى ما عندهم، عليك أن تبدأ في تجميع معلومات عن معنى ما قالوه ولا ضرر من أن تبدو مضطرباً في هذه اللحظة لأنك ستصبح فضولياً وتسأل بعض الأسئلة.

 

إن الاسئلة التي تطرح بهدف الاستيضاح هي أسئلة ذات نهايات مفتوحة تتطلب إجابة تزيد على مجرد التمتمة او الهمهمة، وبعد الحصول على معلومات يمكنك البدء في اكتشاف لماذا يقولون ذلك وما الهدف الذي يسعون لتحقيقه من خلال سلوكياتهم هذه.

 

ومن الضروري أن تطور قدرتك على التحول إلى حالة جمع المعلومات بدلاً من حالة رد الفعل، فعندما تتعامل مع ذوي الطباع الصعبة فإن قدرتك على طرح الأسئلة الصحيحة قد تصبح أكثر قيمة وفائدة من معرفتك بكل الإجابات السليمة وهنا مبدأ مفيد يقول كلنا أكثر ذكاء من أي واحد فينا، وعليه فالشخص الذي يطرح الأسئلة يجني الكثير باستخدام الذكاء الجمعي ،ومع ذلك فعندما تتعامل مع أناس محبطين فان استخدام الذكاء الجمعي ليس متاحاً دائماً لأن الانفعالات تشوش على قدرة الأشخاص على استخدام المنطق حتى إنه يبدو أن عقولهم لم تعد متصلة بأفواههم .

 

 

الخطوة الرابعة

 

تلخيص ما سمعت.. لكي تتأكد من أنك وكذلك الشخص صعب المراس قد تأكدتما فعلاً من أنك تفهمه… قم بتلخيص ما سمعته منه وعليه لو كنت قد فهمتك تماماً فالمشكلة هي ….. والشخص المتورط فيها …. وقد حدثت … فعندما تفعل ذلك يحدث شيئان على الأقل:

 

1- لو كان شيء قد فاتك فسوف يقوم الآخر باستكمال ما ينفصك من تفاصيل.

 

2- تكون قد أظهرت مرة أخرى أنك تبذل جهداً كبيراً للفهم الكامل وهذا يزيد من احتمال تعاونه معك على تغيير مسار الأشياء.

 

الخطوة الخامسة

 

التأكد.. بعد الاستماع بعناية تكون قد وصلت لنقطة حاسمة فبدلاً من أن تفترض أي شيء تكون واثقاً من أن الشخص صعب المراس قد استراح لأنه قد عبر عن مشكلته تماماً وذلك بأن تسأل هل تشعر بأنني قد فهمتك؟ هل هناك أي شيء آخر؟

 

عدما يجتمع التساؤل الصادق الكافي وكذلك الاستماع والاهتمام والتذكر فإن الفهم يتحقق ويصبح الإنسان صعب المراس أقل صعوبة وأكثر تعاوناً.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية