صحيفة أمريكية: نيويورك تقترب من تقنين الحق في "الموت الرحيم"
صحيفة أمريكية: نيويورك تقترب من تقنين الحق في "الموت الرحيم"
صوّت مجلس شيوخ ولاية نيويورك، مساء الاثنين، لأجل مشروع قانون يسمح للمرضى المصابين بأمراض عضال لا شفاء منها بطلب إنهاء حياتهم بمساعدة طبية، وفقًا لشروط محددة.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" ،اليوم الثلاثاء، أحال المشرعون المشروع إلى الحاكمة كاثي هوشول، التي تنتمي إلى الحزب الديمقراطي، للنظر فيه والتوقيع عليه ليصبح قانونًا نافذًا.
وأكد ناطق باسم مكتب الحاكمة أن المشروع سيخضع لمراجعة دقيقة قبل اتخاذ القرار النهائي بشأن المصادقة عليه، وسبق أن صوّت مجلس الولاية لصالح المشروع في وقت سابق من العام الجاري، ما مهّد الطريق لاعتماده التشريعي.
ورحّب عضو مجلس الشيوخ، براد هويلمان-سيغال، أحد رعاة المشروع وممثل منطقة مانهاتن عن الحزب الديمقراطي، بإقرار القانون، مؤكدًا أن الأمر لا يتعلق بـ"إنهاء حياة شخص"، بل بـ"تقصير أمد الوفاة عندما تصبح المعاناة غير محتملة".
حصل المشروع على تأييد 35 عضوًا مقابل 27 صوتًا معارضًا، وسط انقسام حزبي واضح.
شدد هويلمان-سيغال على أن التشريع يعكس "قيم نيويورك القائمة على الاستقلالية الشخصية والحرية والتحكم بالجسد"، منتقدًا ما وصفه بمحاولات الجمهوريين فرض رقابة على قرارات الأفراد بشأن أجسادهم، بما في ذلك الإجهاض والعلاج المرتبط بالنوع الاجتماعي.
شروط للموافقة على الطلب
اشترط مشروع القانون أن يقتصر تطبيقه على المرضى المصابين بأمراض لا أمل في شفائها، ممن يُتوقع وفاتهم خلال 6 أشهر بحسب تقييم طبيبين مستقلين، وألزم المشروع طالبي الإجراء بالحصول على مصادقة شاهدين بالغين لا تربطهم أي مصلحة مالية بوفاة المريض، مثل الوراثة.
وأجاز المشروع للأطباء إحالة المريض إلى تقييم نفسي، في حال وجود شكوك حول أهليته العقلية لاتخاذ القرار، وضع هذا الإطار القانوني لضمان حماية حقوق المرضى ومنع استغلال هذه الممارسة.
وقدّمت عضو الجمعية التشريعية، رئيسة لجنة الصحة في المجلس، آمي بولين، المشروع للمرة الأولى قبل عشرة أعوام، مدفوعة بتجربة شخصية مؤلمة تمثّلت في وفاة شقيقتها بعد معاناة شديدة من السرطان.
وعبّرت بولين عن قناعتها بأن هذا القانون يعكس مفهوم "الرحمة" تجاه من يواجهون لحظات احتضار قاسية، قائلةً: "هذا الإجراء يمنح راحة البال، ويخفف من ألم الموت، ويمنح العائلة فرصة لتوديع أحبائها بسلام".
وأوضحت أن كثيرًا من المرضى يتمنّون إنهاء حياتهم باحترام وكرامة، بعيدًا عن المعاناة التي تفوق التحمل.
ونظّمت منظمات مناصرة، مثل "التعاطف والخيارات"، حملات ضغط استمرت لسنوات من أجل تمرير المشروع، حيث قدّرت المنظمة أن مئات المرضى وأفراد أسرهم زاروا مقر المجلس في ألباني للدفاع عن الحق في الموت الرحيم.
وتوفي 28 مريضًا من المشاركين في الحملة خلال فترة الضغط، ما ترك أثرًا عاطفيًا كبيرًا في المشرعين.
وأشارت بولين إلى أن "المثابرة والشجاعة" التي أظهرها هؤلاء الأشخاص، وبعضهم كان في مراحل متقدمة من المرض، أسهمت في تحريك قناعات النواب، قائلةً: "حين يموت أحدهم، يشعر النواب بأنهم خسروا شخصًا أصبح مألوفًا لهم".
دعم قانوني وطبي
أعلنت نقابة محامي ولاية نيويورك، وجمعية الطب النفسي، والجمعية الطبية، واتحاد الحريات المدنية، تأييدها للمشروع، معتبرة إياه خطوة نحو تعزيز حق المريض في تقرير مصيره.
أيّدت بعض الجماعات الدينية التقدمية المشروع، مثل كنيس ويستشستر ومنظمة "الكاثوليك يصوتون للصالح العام"، لكن الكنيسة الكاثوليكية عبّرت عن معارضتها الشديدة.
صرّح المتحدث باسم المؤتمر الكاثوليكي للولاية، روبرت بيلافيوري، بأن القانون يُقوّض مبدأ "احترام الحياة"، محذرًا من تأثيراته في نظرة الشباب للحياة وسط تصاعد أزمات الصحة النفسية.
وأضاف: "إذا فُقد الأمل، يُصبح الانتحار خيارًا، وهذا أمر خطِر للغاية في ظل السياق الاجتماعي الراهن".
وجّه زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، روب أورت، انتقادات حادة للمشروع، متسائلًا في مؤتمر صحفي: "الانتحار بمساعدة الغير؟ هل هذه هي الأولوية الآن، وسط التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه نيويورك؟"
شارك بعض الأصوات الديمقراطية هذه المخاوف، حيث عبّرت زعيمة الأغلبية في الجمعية، كريستال بيبولز-ستوكس، عن معارضتها الشديدة للمشروع، مستذكرة تجربة والدها الذي طلب الموت مبكرًا، لكنها لاحظت أن استمراره في الحياة سمح لأحفاده بالتعرف إليه.
وحذّرت منظمات حقوقية، مثل مركز حقوق ذوي الإعاقة، من أن القانون قد يُستخدم أداة لتقليص التكاليف في نظام رعاية صحية يركّز على الربح، لا سيما في الحالات التي تتطلب رعاية طويلة ومكلفة.
دعت هذه المنظمات إلى الحذر من احتمال توسيع نطاق القانون مستقبلًا ليشمل فئات أوسع، مما قد يزيد من الفجوات في جودة الرعاية المقدمة للمجتمعات المهمشة وذوي البشرة الملونة.
في المقابل، دعمت منظمات أخرى مثل "ذا آرك" مشروع القانون، معتبرة إياه مسألة مرتبطة بالاستقلالية الجسدية والكرامة الفردية.
تحدث العديد من أعضاء المجلس خلال المناقشات عن تجاربهم الشخصية مع مرض وفقدان أحبائهم.
استذكر عضو مجلس الشيوخ، بيت هاركام، وفاة والدته عن عمر ناهز 98 عامًا، مشيرًا إلى أنها كانت بكامل قواها العقلية، لكنها عانت من تدهور جسدي فقدت معه كرامتها.
قال هاركام: "هذا القانون لم يكن ليساعد والدتي، لكنه سيساعد شخصًا آخر في مثل حالتها.. ولهذا أصوت بنعم".