"تقشف يضرب الإنسانية".. المساعدات الصحية العالمية تتراجع لأدنى مستوياتها منذ 15 عاماً

"تقشف يضرب الإنسانية".. المساعدات الصحية العالمية تتراجع لأدنى مستوياتها منذ 15 عاماً
مساعدات صحية- أرشيف

في تحذير علمي أثار قلقًا واسعًا بين العاملين في الحقل الإنساني، كشفت دراسة نُشرت اليوم الأربعاء، في مجلة The Lancet العلمية، أن العالم مقبل على ما وصفه الباحثون بـ"عصر تقشف" حاد وطويل الأمد في مجال الدعم الصحي الدولي، ما يُنذر بكارثة إنسانية في الدول الأكثر فقرًا، حيث تمثل المساعدات الخارجية شريان الحياة الوحيد لملايين المرضى.

وبحسب الدراسة، يُتوقع أن تنخفض المساعدات العالمية المخصصة للقطاع الصحي في البلدان منخفضة الدخل إلى أقل من 40 مليار دولار بحلول عام 2025، وهو ما يمثل تراجعًا كبيرًا مقارنة بالمستوى القياسي الذي بلغ أكثر من 80 مليار دولار في عام 2021، والذي جاء آنذاك كرد فعل استثنائي على جائحة كوفيد-19.

لكن الانخفاض الحالي لا يُعد مجرد تصحيح طبيعي بعد الطوارئ، بل هو جزء من مسار انحداري مستمر، يعيد التمويل الصحي الدولي إلى مستويات لم تُسجّل منذ عام 2009، أي ما قبل الجائحة والأزمات الصحية الكبرى.

من يدفع الثمن؟

ورغم أن لغة الأرقام قد تبدو مجردة، فإن تداعيات هذا التقشف ستُترجم على الأرض إلى نقص حاد في الأدوية، وتوقف برامج التلقيح، وإغلاق عيادات متنقلة، وفقدان ملايين الأرواح التي كان يمكن إنقاذها لو استمر الدعم.

ويحذر واضعو الدراسة من أن التخفيضات ستطول أشد المناطق هشاشة، مثل الصومال، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وملاوي، حيث تعتمد النظم الصحية بشكل شبه كامل على التمويل الدولي. 

وفي هذه المناطق، يعني كل دولار يتم اقتطاعه حرمان طفل من اللقاح، أو ترك امرأة حاملاً من دون رعاية طبية، أو فقدان مريض بالإيدز علاجه الأساسي.

سياسة أم أولويات؟

أرجعت الدراسة هذا التراجع إلى جملة من العوامل، أبرزها السياسات الانكماشية التي تبنتها حكومات غربية، خاصة الولايات المتحدة خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذي فرض خفضًا كبيرًا على ميزانيات المساعدات الخارجية. 

كما سلكت دول مثل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة الطريق نفسه، ما فاقم من حجم التراجع في إجمالي الإنفاق الصحي الدولي.

ولا يقتصر الأثر على الدول المتلقية، بل يضع المانحين أنفسهم في موقف محرج أخلاقيًا، إذ تعني هذه السياسات التخلي عن التزامات تعهدوا بها في مؤتمرات دولية، مثل أهداف التنمية المستدامة، التي تنص على ضمان الحق في الرعاية الصحية الشاملة بحلول عام 2030.

خيارات محدودة وأمل باهت

أمام هذا المشهد القاتم، دعا معدّو الدراسة الدول النامية إلى البحث عن بدائل تمويلية تعتمد على الموارد المحلية، رغم معرفتهم بأن هذه الأنظمة الاقتصادية تعاني أصلًا من ضعف شديد في الموازنات العامة. 

وشددوا على ضرورة أن يعيد المانحون النظر في أولوياتهم، لأن الاستثمار في الصحة ليس فقط حقًا إنسانيًا، بل هو أيضًا أساس للاستقرار الاجتماعي والسياسي.

ويشير مؤلفو الدراسة إلى أن الأزمة الحالية لا ترتبط بنقص في المال على مستوى العالم، بقدر ما تعكس تحولات سياسية وتراجعًا في الالتزام بالقيم الإنسانية. 

وفي الوقت الذي تُنفق فيه تريليونات الدولارات على الصناعات العسكرية أو الفوائد المصرفية، تُترك المستشفيات الميدانية في إفريقيا وآسيا من دون أجهزة تنفس أو أدوية مضادة للملاريا.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية