وسط تحذيرات من كارثة مناخية.. ترامب يهدد بإلغاء قرار أساسي للحد من انبعاثات الغازات

وسط تحذيرات من كارثة مناخية.. ترامب يهدد بإلغاء قرار أساسي للحد من انبعاثات الغازات
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب - أرشيف

في خطوة مثيرة للجدل وتُنذر بتداعيات بيئية جسيمة، تستعد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإلغاء قرار عام 2009، الذي يعدّ الركيزة القانونية الأساسية في جهود الولايات المتحدة الفيدرالية للحد من انبعاثات غازات الدفيئة المسببة لتغير المناخ.

القرار الذي يعرف باسم "إندينجرمنت فايندنغ" (Endangerment Finding) أُقرّ خلال عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، بعدما صنّفت وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA) غازات الدفيئة ملوّثات تهدد الصحة العامة، ما منحها صلاحية قانونية لتنظيم هذه الانبعاثات تحت مظلة قانون الهواء النظيف لعام 1970، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، السبت.

القرار مكّن، منذ العام 2009، من إصدار سلسلة من اللوائح البيئية الهامة التي طالت مختلف القطاعات الاقتصادية، وخصوصًا قطاعي النقل والطاقة، وهما من أكبر مصادر الانبعاثات في البلاد. 

وأدى ذلك إلى تحسين كفاءة السيارات وخفض الانبعاثات من محطات توليد الكهرباء، لاسيما تلك التي تعمل بالفحم.

الآن، وبعد أكثر من 15 عامًا على إقرار القرار، تحاول إدارة ترامب تفكيك هذا الأساس القانوني، ففي نهاية يونيو، أُرسلت مسودة لإلغائه إلى البيت الأبيض، استعدادًا للإعلان الرسمي، ما أثار ردود فعل غاضبة من نشطاء البيئة وخبراء المناخ.

قطاع النقل في دائرة الاتهام

بحسب الخبراء، فإن تبريرات إدارة ترامب –التي تزعم أن مساهمة انبعاثات السيارات الأمريكية في التغير المناخي العالمي “ضئيلة”– تتناقض مع البيانات العلمية، فقطاع النقل في الولايات المتحدة هو المصدر الأول للانبعاثات، متجاوزًا حتى قطاع الطاقة، وفق وكالة حماية البيئة نفسها.

وأظهرت دراسات صادرة عن معهد "نزاهة السياسات" أن انبعاثات قطاع النقل الأمريكي وحدها، ومنذ عام 1970، تفوق الانبعاثات المجمّعة لتسع دول كبرى أخرى. 

ورغم ذلك، تصر إدارة ترامب على أن "اللوائح البيئية تخنق الاقتصاد والصناعة"، وفق تعبير لي زيلدين، رئيس وكالة حماية البيئة المعيّن من قبل ترامب.

العبث بالقرار "كارثة بيئية"

تحذيرات المجتمع العلمي لم تتأخر، تقول البروفيسورة دينا أدلر من كلية القانون في جامعة نيويورك: "إذا لم تُعتبر انبعاثات المركبات تهديدًا للمناخ، فماذا يكون التهديد إذن؟". 

وترى أن إلغاء "إندينجرمنت فايندنغ" هو تراجع خطير عن اعتراف قضائي وعلمي بأن الغازات الدفيئة تهدد صحة الناس وكوكب الأرض.

ويتفق معها عدد من علماء المناخ الذين عدّوا أن الإلغاء، إن تم، سيكون بمثابة رسالة سياسية سلبية عالميًا، خصوصًا أن الولايات المتحدة ثاني أكبر مصدر لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بعد الصين.

معركة قانونية مرتقبة

في حال تنفيذ قرار الإلغاء، يُتوقع أن يواجه معارك قضائية طويلة ومعقّدة، فقرار المحكمة العليا في 2007 الذي أقرّ صلاحية وكالة حماية البيئة لتنظيم الغازات الدفيئة، لا يزال سارياً، وأي تراجع عنه قد يتطلب مواجهة مباشرة مع المحكمة العليا، حيث تبدو النتيجة غير محسومة، رغم توجهها المحافظ في السنوات الأخيرة.

وبينما يستند مؤيدو ترامب إلى حكم صادر في 2024 يقيّد صلاحيات الوكالات الفدرالية، يعتبر محامو البيئة أن أي إلغاء لهذا القرار سيقوّض الأساس القانوني لعقود من سياسات الحماية البيئية.

الطاقة النظيفة استثمار طويل الأمد 

رغم كل شيء، يشكك خبراء اقتصاديون وبيئيون في قدرة إدارة ترامب على قلب الاتجاهات المناخية القائمة بسرعة، فشركات الكهرباء الكبرى –مثلًا– استثمرت مليارات الدولارات في مصادر الطاقة المتجددة، وتراجع الاعتماد على الفحم لصالح الغاز الطبيعي والطاقة الشمسية والرياح، ليس فقط بدافع اللوائح، بل بفعل التحولات السوقية.

ويقول البروفيسور جون توبين دي لا بونتي من جامعة كورنيل: "الصناعة باتت تدرك أن الطاقة النظيفة هي استثمار طويل الأمد، لن تغيّر قرارات سياسية قصيرة الأمد هذه الاتجاهات الكبرى".

وفي نهاية المطاف، يعتبر خبراء البيئة أن هذه الخطوة من إدارة ترامب ليست مجرد قرار إداري، بل اختبار حقيقي لالتزام أمريكا بمواجهة أزمة المناخ العالمية، وإذا تم الإلغاء، فإن تأثيره لن يقتصر على الداخل الأمريكي، بل سيؤثر أيضًا على التزامات واشنطن الدولية في الاتفاقات المناخية مثل اتفاق باريس.

وفي وقت يتسارع فيه ذوبان الجليد، وتتكرر الحرائق والفيضانات، فإن أي تراجع عن أدوات مكافحة التغير المناخي سيعد بمثابة "تدمير ذاتي"، كما وصفت منظمة "السلام الأخضر" البيئية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية