منظمات حقوقية: ترحيل المهاجرين إلى "دول بديلة" يكرّس الطرد القسري خارج القانون
منظمات حقوقية: ترحيل المهاجرين إلى "دول بديلة" يكرّس الطرد القسري خارج القانون
أعلنت إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) عن خطة جديدة تسمح بترحيل المهاجرين إلى دول لا يحملون جنسيتها ولا تربطهم بها أي صلة، في تحول جذري أثار جدلاً واسعًا في الأوساط الحقوقية والقانونية داخل الولايات المتحدة وخارجها.
ووفقًا لصحيفة "واشنطن بوست"، أصدر القائم بأعمال مدير "الهجرة والجمارك"، المسؤول تود م. ليونز، مذكرة رسمية في يوليو الجاري توضح آلية تنفيذ هذه السياسة، مستندًا إلى حكم صادر مؤخرًا عن المحكمة العليا الأمريكية، والذي فتح الباب أمام تطبيق الترحيل السريع دون الحاجة لإجراءات قضائية مطوّلة.
سمح الحكم الجديد للسلطات الفيدرالية بترحيل المهاجرين إلى ما يسمى "دول بديلة" خلال مهلة لا تتجاوز 24 ساعة، وفي بعض الحالات الطارئة يمكن أن يتم الإخطار والترحيل خلال 6 ساعات فقط، وأوضح ليونز أن هذه السياسة تستند إلى تقدير وزارة الخارجية بشأن "ضمانات دبلوماسية" من الدول المستقبلة، تضمن فيها سلامة المرحّلين.
الآلاف مهددون بالترحيل
استهدفت الخطة فئة واسعة من المهاجرين، بينهم آلاف الأشخاص الذين صدرت بحقهم أوامر ترحيل نهائية منذ سنوات، لكنهم ظلوا داخل الأراضي الأمريكية بسبب تعذر إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية نتيجة مخاوف قضائية من تعرضهم للخطر أو التعذيب هناك.
وأشار تقرير "واشنطن بوست" إلى أن هذه السياسة قد تطول مهاجرين حصلوا سابقًا على تصاريح عمل، ويعيشون في الولايات المتحدة منذ عقود، ويندمجون اجتماعيًا من خلال أسرهم وأبنائهم وأعمالهم، ما يثير تساؤلات حول مدى توافق هذه الإجراءات مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
واستندت المذكرة الرسمية إلى قرار سابق للمحكمة العليا الأمريكية أوقف مؤقتًا حكمًا صادرًا عن القاضي الفيدرالي براين مورفي، كان قد منع الحكومة من تنفيذ ترحيلات دون إتاحة "فرصة مجدية" للطعن القانوني فيها، وانتقدت القاضية سونيا سوتومايور القرار الجديد بشدة، معتبرة أنه "يعرّض حياة أناس للخطر" وأن الحكومة "تسلك النهج المعاكس لواجب الحذر في قضايا الحياة والموت".
ترحيل إلى مناطق نزاع
سلطت صحيفة "الغارديان" البريطانية، في تقرير نُشر بتاريخ 3 يوليو، الضوء على عملية ترحيل نفذتها ICE بحق ثمانية مهاجرين من دول مثل كوبا وفيتنام ولاوس، حيث تم إرسالهم إلى جنوب السودان، رغم أن أغلبيتهم لا يحملون جنسية هذا البلد، وبعضهم لا يتحدث لغته.
وصفت الصحيفة عملية الترحيل بأنها "سابقة خطيرة"، مشيرة إلى أن جنوب السودان يشهد نزاعًا داخليًا منذ سنوات، ويُعد من الدول ذات السجل الضعيف في مجال حقوق الإنسان.
وأوضحت أن المحكمة الأمريكية ألغت الحكم الذي كان يمنع ترحيل هؤلاء الرجال، ما سمح بترحيلهم بعد احتجازهم مؤقتًا في جيبوتي.
تعرض المهاجرين للخطر
وضعت مذكرة ليونز آلية تعتمد على "تقدير وزارة الخارجية الأمريكية" في تقييم ما إذا كانت الدولة الثالثة المقررة للترحيل تقدم "ضمانات موثوقة" بعدم تعرض المهاجرين للخطر، وبحسب المذكرة، إذا اعتبرت الوزارة هذه الضمانات كافية، يمكن ترحيل المهاجر دون مزيد من الإجراءات.
انتقد خبراء قانونيون هذه السياسة باعتبارها تفتقر إلى الشفافية، حيث لا يُلزم القانون وزارة الخارجية بالكشف عن فحوى هذه الضمانات أو الجهة التي قدمتها.
وذكرت "نيويورك تايمز" في تقرير تحليلي بتاريخ 7 يوليو أن "العملية الجديدة تُحيل مصير المهاجرين إلى تقييمات دبلوماسية غامضة وغير خاضعة للمراجعة القضائية".
كما أشار تقرير لمجلة "فورين بوليسي" في 4 يوليو إلى أن "الضمانات الدبلوماسية" أثبتت تاريخيًا عدم فعاليتها، لا سيما في حالات الترحيل إلى دول ذات أنظمة قمعية، حيث لا توجد آلية مراقبة دولية أو محلية تضمن الالتزام الفعلي بتلك الوعود.
إجراءات عاجلة دون محامٍ
نصّت المذكرة الرسمية الصادرة عن ICE على أنه في "الظروف العاجلة" يمكن ترحيل المهاجرين خلال ست ساعات فقط من إخطارهم، شريطة توفير "وسيلة معقولة" للتواصل مع محامٍ قبل تنفيذ القرار. لكنّ محامين مختصين في قضايا الهجرة أكدوا استحالة هذا الشرط عمليًا.
وأوضح المحامي الفيدرالي أليخاندرو روزاليس في مقال رأي نُشر في "بوليتيكو" بتاريخ 8 يوليو، أن تحديد ست ساعات كحد أقصى لإخطار المهاجر وترتيب دفاع قانوني هو "إجراء تعجيزي"، لا سيما في ظل محدودية عدد محامي الهجرة، وصعوبة التنسيق في حالات الاحتجاز.
وشددت منظمة ACLU الأمريكية المعنية بالحريات المدنية على أن مثل هذه المهلة القصيرة "تفرغ الضمانات القانونية من مضمونها"، وتحرم المهاجرين من حقهم في التمثيل القانوني والاعتراض القضائي، وهو ما يتعارض مع المادة 33 من اتفاقية اللاجئين لعام 1951.
وسبق لإدارة الرئيس دونالد ترامب أن اقترحت ترحيل مهاجرين إلى دول لا يحملون جنسيتها، وقد واجهت حينها موجة انتقادات شديدة، لكن هذه السياسة الجديدة جاءت بغطاء قانوني جديد، اعتمادًا على حكم المحكمة العليا الأخير.
وأوضح تقرير نشرته مجلة "الإيكونوميست" البريطانية بتاريخ 5 يوليو، أن إدارة بايدن ورثت بعض أدوات الضغط الإداري من إدارة ترامب، واختارت استخدامها في ظل تصاعد الضغوط السياسية الداخلية بشأن الهجرة، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وربط التقرير بين هذه الإجراءات وسلسلة من التعديلات التي أُدخلت على برامج اللجوء والمعالجة الحدودية، والتي تهدف إلى تقليل أعداد الوافدين، ولو على حساب معايير حقوق الإنسان.
قلق دولي واستحقاقات حقوقية
أثارت المذكرة الجديدة لدائرة الهجرة والجمارك الأمريكية موجة من القلق الحقوقي داخل الولايات المتحدة وعلى المستوى الدولي، ورغم تمسك الإدارة الفيدرالية بحقها في تنفيذ أوامر الترحيل، فإن انتقادات المحاكم والمنظمات والجهات الدولية تفتح الباب أمام مواجهات قانونية قادمة.
ويؤكد الخبراء أن هذه السياسة لا تهدد فقط حياة المهاجرين المستهدفين، بل تمسّ بجوهر التزامات الولايات المتحدة في ملف حقوق الإنسان، ما يجعل الملف مفتوحًا أمام رقابة الكونغرس والقضاء ومنظمات المجتمع المدني، وربما أمام القضاء الدولي في مرحلة لاحقة.