في اليوم العالمي.. نداء أممي لكبح جماح الإتجار بالبشر: "أوقفوا الاستغلال"

يحتفل به في 30 يوليو من كل عام

في اليوم العالمي.. نداء أممي لكبح جماح الإتجار بالبشر: "أوقفوا الاستغلال"
مكافحة جرائم الإتجار بالأشخاص


منذ أن أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم العالمي لمكافحة الإتجار بالأشخاص في عام 2013، بات الثلاثون من يوليو مناسبة دولية تستنفر الضمير العالمي أمام واحدة من أبشع جرائم العصر “الإتجار بالبشر”، إنها جريمة لا تزال تتربص بالملايين في الظل، تخطفهم من أمانهم الإنساني إلى متاهات السخرة والاستغلال الجنسي والاستعباد ونزع الأعضاء.

يأتي يوم 30 يوليو 2025 محمّلًا بنداء أممي جديد، يحمل عنوانًا مباشرًا: "الإتجار بالبشر جريمة منظمة - أوقفوا الاستغلال"، وقد أعلنت الأمم المتحدة هذا الموضوع رسميًا ضمن حملتها العالمية لهذا العام، مركّزة على الجانب الأكثر تعقيدًا في مواجهة هذه الجريمة: تفكيك الشبكات الإجرامية المنظمة، ومساءلة الجناة في ظل منظومة عدالة كثيرًا ما تتأخر، وتتعثّر، أو تُطبّق بشكل انتقائي.

ما بين 2020 و2023، كُشف النقاب عن أكثر من 200 ألف ضحية في العالم، بحسب ما أورده مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، ورغم ضخامة الرقم، فإنه لا يمثل إلا نسبة صغيرة، إذ تفيد التقارير بأن غالبية الحالات تبقى في طي النسيان أو الصمت القسري، والضحايا لا يجدون مأوى، ولا تُسمع شهاداتهم، كثيرون منهم يُخدَعون بعقود وهمية للعمل، أو وعود كاذبة بالهجرة، فينتهون عبيدًا في مصانع غير مرئية، أو أسرى خلف أبواب مغلقة في بيوت الدعارة، أو مقيدين بأغلال الخوف من الترحيل والعار.

ولا يعد الإتجار بالبشر جريمة فردية، بل عمل ممنهج تُشرف عليه جماعات إجرامية تستغل هشاشة أنظمة الحماية القانونية، وتفكك مجتمعات النزاع والفقر، وتستثمر بذكاء مرعب في التكنولوجيا الرقمية. 

فبحسب بيانات العام الماضي، ينتمي 74% من المتورطين في هذه الجريمة إلى شبكات إجرامية منظمة، تعرف تمامًا كيف تتحايل على القانون، وكيف تخترق الثغرات، وتستدرج الضحايا من بين اللاجئين والعاملات المنزليات والمراهقين على الإنترنت.

وتكشف الأرقام عن امتداد هذه الجريمة في كل الاتجاهات: في عام 2022، تمّ تسجيل ضحايا من 162 جنسية مختلفة، وقعوا في قبضة المتاجرين ضمن 128 دولة، ما يعني أن كل ركن من أركان العالم إما بلد منشأ، أو معبر، أو مقصد للضحايا، أما الفئة الأكثر تعرضًا للإتجار عبر الحدود فكانت من أصول إفريقية، إذ شكّلت 31% من تدفقات الضحايا الدولية.

لكن السؤال الملحّ الذي تطرحه حملة هذا العام ليس فقط عن حجم الجريمة، بل عن جدوى العدالة: كيف يمكن لمنظومة عدالة جنائية تقليدية أن تُلاحق جريمة ديناميكية ومتغيّرة؟ كيف تُجدي القوانين إذا لم تُرفَق بآليات إنفاذ متطورة، وتحقيقات استباقية، وتعاون دولي حقيقي؟ ولماذا لا يزال الإفلات من العقاب هو القاعدة، لا الاستثناء، في هذا الملف؟

العدالة البطيئة

تُسلط الأمم المتحدة في هذا السياق الضوء على الدور الحيوي الذي ينبغي أن تلعبه أجهزة إنفاذ القانون، من شرطة وأمن حدود وفرق متخصصة، في مواجهة الجريمة على الأرض، لا فقط على الورق.

وتشدد على ضرورة استخدام التكنولوجيا؛ لا لرصد الضحايا فحسب، بل لتعقّب الجناة، وكشف أساليبهم المستجدة، خاصة في الفضاء الرقمي، فالإنترنت اليوم لم يعد فقط وسيلة تواصل، بل أصبح أحد أخطر أدوات الإتجار بالبشر، حيث يُتقن الجناة استخدامه لاستدراج الضحايا عبر إعلانات توظيف مزيفة، ومحادثات رومانسية، وصفحات تسوّق إلكتروني تخفي وراءها جحيمًا مستترًا.

ولهذا، تدعو الأمم المتحدة الأفراد إلى اليقظة الرقمية، ومشاركة رسائل التوعية عبر وسوم الحملة، مثل: #أوقفوا_الإتجار_بالبشر، والانضمام إلى مجتمع القلب الأزرق، الرمز العالمي للتضامن مع الضحايا، والمُعبر عن القسوة اللا إنسانية للمتاجرين بالبشر.

وفي صميم الجريمة، لا تزال الفئات الأكثر هشاشة الهدف الأول؛ النساء والفتيات يُجبرن على الاستغلال الجنسي، والعمال المهاجرون يُسخَّرون في ظروف غير إنسانية، والأطفال يُجنَّدون في الجريمة أو يُستغلّون في التسوّل.

وتشمل الجرائم المتفرعة عن الإتجار: السخرة، والخدمة القسرية، والزواج القسري، والعبودية الحديثة، وحتى نزع الأعضاء.

القانون موجود لكن التطبيق غائب

تأتي هذه الجرائم ضمن إطار القانون الدولي الذي أقرّه بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص، الملحق باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، وهو البروتوكول الذي يعرّف الإتجار تعريفًا شاملًا، يتضمن الاستغلال بكل أشكاله، حتى وإن تمّ بموافقة شكلية، تُنتزع في ظروف هشاشة وخوف.

ولأن الأرقام وحدها لا تصنع التغيير، يأتي صندوق الأمم المتحدة الاستئماني لضحايا الإتجار بالبشر بمبادرة ملموسة لتوفير الدعم والحماية الفعلية للضحايا من خلال مراكز تأهيل، وبرامج دعم نفسي، وخدمات قانونية.

وهو الصندوق الذي تدعو الأمم المتحدة إلى دعمه في هذا اليوم، باعتباره إحدى الوسائل المباشرة لاستعادة الكرامة لمن سُلبت منهم بأبشع الطرق.

وفي عام 2025، بعد عقدين على إنشاء البروتوكول، لا يزال الإتجار بالبشر يفضح عجز العالم عن صون الكرامة الإنسانية، ويطرح أسئلة مريرة: ما الذي تغيّر؟ وهل باتت حماية الضحايا مشروطة بالجنسية أو الوضع القانوني؟ وهل يمكن لنظام دولي قائم على الربح أن يحمي أولئك الذين يُباعون كل يوم في السوق السوداء للجريمة؟

ويبقى اليوم العالمي لمكافحة الإتجار بالأشخاص ليس مجرد ذكرى سنوية، بل تذكير دائم بأن حقوق الإنسان ليست مجرد شعارات، إنها معركة حقيقية من أجل العدالة، ومن أجل عالم لا يُشرعن الاستغلال، ولا يُدير ظهره للضحايا.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية