"تصفيات انتقامية".. مخاوف من انهيار الأمن وانتشار الإفلات من العقاب بسوريا

"تصفيات انتقامية".. مخاوف من انهيار الأمن وانتشار الإفلات من العقاب بسوريا
عناصر من الأمن السوري- أرشيف

تواصل مدينة حلب السورية، ثاني أكبر مدن البلاد وأكثرها تضررًا من الحرب، الغرق في دوامة من الفوضى والانفلات الأمني، حيث شهدت خلال اليومين الماضيين تصاعدًا ملحوظًا في عمليات التصفية الجسدية التي تنفذ بأساليب انتقامية تستهدف أشخاصًا يُتهمون بالتعاون مع أجهزة النظام السابقة. 

وتأتي هذه الحوادث في سياق مناخ متوتر يسوده العنف وانعدام الثقة، ويغيب فيه القانون والمحاسبة، ما يثير قلقًا متزايدًا بشأن مستقبل المدينة التي أنهكتها سنوات من النزاع.

وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، في بيان له، اليوم الأربعاء، بأن مدينة حلب تشهد تزايدًا في وتيرة عمليات القتل الانتقامي، مشيرًا إلى وقوع ثلاث عمليات تصفية مباشرة خلال الـ48 ساعة الماضية فقط. 

وأوضح أن جميع الضحايا استُهدفوا من قبل مسلحين مجهولين الهوية يُعتقد أن بعضهم على صلة بتشكيلات أمنية أو مجموعات محلية تنفذ ما يُعرف بـ"عدالة الشارع"، فيما لا تزال الجهات المنفذة في معظم الحالات مجهولة.

التعاون مع النظام السابق

وثّق المرصد أن إحدى هذه الحوادث وقعت في حي الكلاسة، حيث أطلق مسلحون النار على شاب اتُهم سابقًا بالتعاون مع النظام السوري، ما أدى إلى مقتله على الفور. 

وفي حي الفردوس، قُتل شخص كان معروفًا بارتباطه السابق بجهاز المخابرات الجوية، حيث ذكرت مصادر محلية أنه قاد سابقًا مجموعة نفذت عمليات دهم واعتقال لصالح أجهزة النظام. 

أما في حي السكري، فقد جرت تصفية أحد المواطنين وسط الحي، وسط أنباء تفيد بوجود اتهامات قديمة له بالتعاون مع السلطات.

حصيلة مقلقة وتراكم للثأر

ارتفع عدد عمليات التصفية الجسدية في مدينة حلب، وفق المرصد، إلى 64 عملية منذ بداية العام الجاري، جميع ضحاياها من الذكور، مع تسجيل ثلاث حالات يُعتقد أن لها دوافع طائفية. 

وتأتي هذه الأرقام لتسلط الضوء على ظاهرة مقلقة تكرّست في المدينة، وهي غياب العدالة الانتقالية، مما يدفع فئات من المجتمع إلى اللجوء للعنف المسلح كوسيلة "للثأر" أو لـ"تحقيق العدالة".

ولفت المرصد إلى أن النمط المشترك في هذه الجرائم هو الاستهداف المباشر والانسحاب السريع، وهو ما يعكس، حسب وصفه، حالة من الانهيار التام في المنظومة الأمنية، وتفشي ظاهرة الإفلات من العقاب. 

ويعمّق هذا الانفلات من معاناة السكان المدنيين ويضعف ثقتهم بأي سلطة محلية أو أمنية قائمة، كما يهدد بتحول حلب إلى بؤرة للعنف الممنهج خارج إطار الدولة.

أبعاد إنسانية وحقوقية

تعكس هذه الحوادث، في جوهرها، فشلًا ذريعًا في تحقيق العدالة الانتقالية في مرحلة ما بعد الصراع، حيث لا تزال المدن السورية تدفع ثمن الماضي عبر أعمال عنف متكررة تُنفذ دون محاكمات أو تحقيقات قضائية مستقلة. 

وتكشف التقارير الميدانية عن مناخ من الرعب والترهيب يسود بين السكان، وخصوصًا أولئك الذين عاشوا سابقًا تحت سلطة النظام، ويُواجهون اليوم خطر "العقاب الجماعي" دون إثباتات قانونية.

وطالبت منظمات حقوقية سورية ودولية في مناسبات سابقة بضرورة وضع حد لهذه الاغتيالات التي تمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان وتعيد إنتاج العنف بشكل دوري. 

ودعت إلى تعزيز آليات المحاسبة، وإطلاق مسارات عدالة انتقالية حقيقية تضمن حقوق الضحايا وأمن المجتمعات المحلية، دون السماح بانتشار الفوضى والانتقام.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية