السودان.. صناعة التعاطف بالتضليل

السودان.. صناعة التعاطف بالتضليل

لا تحتاج الأزمة في السودان إلى أية دلائل جديدة توضح مدى كارثية الوضع هناك، وضرورة العودة إلى طاولة الحوار والبدء السريع في وقفٍ لإطلاق النار على أساس المقترح الذي قدمته الرباعية الدولية مؤخرًا، والدفع في اتجاه بدء حوار سياسي يؤدي في نهاية المطاف إلى حلٍّ للأزمة وبداية انتقالٍ سلمي للسلطة في السودان.

على منصات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، كان المحتوى المتعلق بالأزمة في السودان هو الأكثر انتشارًا، بعدما تراجع المحتوى المتعلق بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عقب التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار يجري حاليًا تطبيق مراحله. ونأمل أن نرى اتفاقًا قريبًا في السودان ينهي تلك المأساة ويضع لها حدًا في القريب.

أثارت المقاطع التي تم تداولها على تلك المنصات تعاطفًا طبيعيًا من الجميع في دول الشرق الأوسط وخارجها، في المقابل لم يُخفِ البعض تشككهم في الأمر لعدة عوامل؛ أولها حجم المحتوى الذي رُوِّج له باعتباره قد حدث فعلًا في السودان، بالإضافة إلى الترويج المكثف لمقاطع معينة من هذا المحتوى بشكلٍ لم يبدُ طبيعيًا على الإطلاق.

هل هناك من يتلاعب بعواطف البشر مستغلًا أزمة السودان؟ هذا سؤال يُطرح الآن. استوقفني تحقيق نشرته دويتشه فيله حول كيفية انتشار المحتوى المزيف حول حرب السودان، موضحًا أن هناك استخدامًا للمحتوى المضلل أو المولَّد بالذكاء الاصطناعي لتعزيز المواقف، وتشويه الخصوم، وكسب التأييد المحلي أو الدولي.

يكشف التحقيق عدة طرق للقيام بهذا الأمر، منها إعادة استخدام مقاطع فيديو أو صور من نزاعات سابقة أو من مناطق جغرافية مختلفة وتقديمها على أنها حديثة أو من داخل السودان، أو تركيب صور وتعديلها أو تقديم لقطات لأحداث لا علاقة لها بالحرب الدائرة هناك.

بالتأكيد شاهدنا جميعًا مقطع الفيديو الذي رُوِّج له على نطاق واسع خلال الأيام الماضية، ويُظهر احتجاز وترويع أم وأطفالها في الفاشر والحديث عن قتلهم بعد ذلك. في حقيقة الأمر، كما يظهر في التحقيق، لم يكن الفيديو حديثًا أو مرتبطًا بالتطورات الأخيرة في السودان، بل نُشر على منصات التواصل قبل فترة وبتحريف شديد عن الحقيقة.

وإن لم تشاهدوا هذا، فربما شاهدتم المحتوى الذي يظهر فيه جنود وهم يرهبون أمًّا وطفلها في خندقٍ صحراوي بالسودان، والذي تبيَّن بالتحقق أنه مقطع مولَّد بالكامل بتقنيات الذكاء الاصطناعي.

بلا شك كان لهذا المحتوى المزيف أو المضلل تأثيرٌ كبير في ملايين البشر في منطقتنا وحول العالم.

أصبح الذكاء الاصطناعي والمحتوى المضلل أداةً فعالة للتأثير في العواطف البشرية، فالمقاطع المأساوية تلك استهدفت القلوب قبل العقول لإثارة مشاعر التعاطف والغضب، لا التفكير والتعقل.

يحتاج السودان إلى صناعة واقع جديد يضع حدًا للحرب، بدايةً من هدنة إنسانية تخفف من الوضع الإنساني الكارثي هناك وتسمح بإدخال المساعدات. لن يتحقق هذا بصناعة المحتوى المضلل أو محاولة كسب التعاطف بسوق الأكاذيب والترويج لها، بل يتحقق فقط بإعلاء مصلحة السودان وتبني المواقف الوطنية بعيدًا عن الحسابات الشخصية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية