أفغانستان بين قمع ممنهج وأزمات إنسانية متصاعدة.. تقرير أممي يكشف حجم الانتهاكات
أفغانستان بين قمع ممنهج وأزمات إنسانية متصاعدة.. تقرير أممي يكشف حجم الانتهاكات
عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دورته الـ60 التي تتواصل فعالياتها في جنيف حتى 8 أكتوبر المقبل، وفي هذا السياق قدّم مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان تقريرًا شاملًا حول حالة حقوق الإنسان في أفغانستان، يغطي الفترة من 1 أغسطس 2024 حتى 31 يوليو 2025.
ويُعد التقرير تنفيذًا لقرار المجلس 57/3 الذي طالب المكتب برصد السياسات والممارسات والإجراءات القانونية الصادرة عن السلطات الفعلية، مع التركيز على انعكاسها على السكان، وخاصة الضحايا والناجين، إلى جانب تقييم خيارات المساءلة والمحاسبة.
بحسب التقرير الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، يواجه الشعب الأفغاني تحديات متشابكة تراوح بين أزمة اقتصادية خانقة، وارتفاع نسب البطالة، وغياب الخدمات الأساسية، وصولًا إلى آثار التغيرات المناخية من جفاف وفيضانات متكررة.
وأشار التقرير إلى أن نحو 9.5 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينهم 4.6 مليون من الأمهات والأطفال يعانون سوء التغذية، في وقت أصبح فيه ثلاثة أرباع السكان تحت خط الكفاف.
ولفت التقرير إلى أن استمرار تجميد أصول الدولة والعقوبات المفروضة، إلى جانب تراجع المساعدات الدولية، فاقم الوضع الاقتصادي وعمّق الأزمة الإنسانية، ما دفع ملايين الأسر إلى حافة الفقر وعدم الاستقرار.
عودة وضغوط إضافية
وشهدت الأشهر الستة الأولى من عام 2025 عودة أكثر من 2.1 مليون أفغاني من إيران وباكستان، ما شكل ضغطًا هائلًا على الموارد المحدودة والاستجابة الإنسانية.
وأكد التقرير أن معظم العائدين وصلوا بلا ممتلكات أو فرص عمل، وسط تقلص الدعم الدولي المخصص لهم مقارنة بالعام السابق، ما زاد من مخاطر انعدام الاستقرار، وهدد بمزيد من الانتهاكات لمبدأ عدم الإعادة القسرية.
وخصص التقرير مساحة واسعة لتوثيق الانتهاكات الجسيمة بحق النساء والفتيات، معتبرًا أن السياسات والمراسيم الصادرة منذ 2021 تمثل شكلاً من الاضطهاد الممنهج القائم على النوع الاجتماعي، فمنع التعليم الثانوي والجامعي عن الفتيات منذ سنوات لا يزال قائمًا، مع استمرار الحظر على التحاقهن بالتعليم العالي.
وأشار التقرير إلى أن لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة (سيداو) اعتبرت في يوليو 2025 أن نظام السلطات الفعلية الذي أخرج النساء من الحياة العامة قد يرقى إلى «فصل عنصري قائم على النوع الاجتماعي».
كما بين أن النساء محرومات من العمل في معظم القطاعات باستثناء الصحة والتعليم الابتدائي وبعض الوظائف المحدودة، فضلًا على اشتراط «المَحرَم» للسفر لمسافات تزيد على 78 كيلومترًا، مؤكداً أن تلك السياسات ألحقت خسائر اقتصادية جسيمة قُدرت بنحو 920 مليون دولار (ما يعادل 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي بين 2024 و2026).
تشريعات مقيدة للحريات
واستعرض التقرير قانون «الدعوة للفضيلة ومنع الرذيلة» الصادر في أغسطس 2024، الذي عزز سلطة وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مانحًا مفتشيها سلطات واسعة لمراقبة المجتمع.
وفرض القانون قيودًا صارمة على المظهر والملابس والسلوك الاجتماعي، ومن ذلك الحجاب الكامل للنساء، ومنع الموسيقى، وحظر الاختلاط، وأكد التقرير أن القانون أصبح أداة لتقنين الاحتجاز التعسفي والاعتداءات الجسدية، وخلق مناخ واسع من الخوف والرقابة الاجتماعية.
وركز التقرير على تدهور حرية الإعلام، مشيرًا إلى تسجيل 336 انتهاكًا منذ أغسطس 2021 بحق الصحفيين والعاملين في القطاع، شملت اعتقالات تعسفية وتعذيباً وتهديدات.
وأوضح أن السلطات أغلقت عشرات المؤسسات الإعلامية وأخضعت الباقي لرقابة مشددة، منها حظر أصوات النساء في البرامج الإعلامية، ومنع بث الموسيقى والدراما.
وأكد أن التدخل في المحتوى التحريري خلق حالة واسعة من الرقابة الذاتية وأفقد الإعلام الأفغاني دوره الرقابي.
عقوبات جسدية وإعدامات علنية
وأبرز التقرير استمرار السلطات الفعلية في تنفيذ عقوبات جسدية علنية، كالجلد والرجم، إلى جانب تنفيذ عشر عمليات إعدام علني منذ 2021، بينها أربع خلال فترة التقرير فقط، وتمت هذه العقوبات في ملاعب عامة أمام السكان، ما عدّه التقرير انتهاكًا صارخًا لالتزامات أفغانستان بالقانون الدولي.
وأشار التقرير إلى أن الإفلات من العقاب ظل سمة رئيسة في ظل غياب إرادة سياسية لدى السلطات الفعلية لمحاسبة المتورطين، لكنه استعرض أيضًا وجهات نظر الضحايا الذين عبروا في مشاورات مختلفة خلال العقدين الماضيين عن رغبتهم في العدالة والإنصاف.
وأكد التقرير أن غالبية الضحايا يطالبون بالاعتراف بمعاناتهم وضمانات بعدم تكرار الانتهاكات، إلى جانب محاكمة المسؤولين عن الجرائم الجسيمة.
ولفت إلى أن المجتمع المدني حاول إطلاق مبادرات للعدالة الانتقالية، بينها «محكمة شعبية لنساء أفغانستان» أُعلن عنها في يوليو 2025 لمعالجة الاضطهاد القائم على النوع الاجتماعي، على أن تبدأ جلساتها في مدريد أكتوبر المقبل.
وأوضح التقرير أن التزامات أفغانستان الدولية لا تزال قائمة رغم سيطرة السلطات الفعلية، وأن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية دعم الضحايا ومنع تكرار الانتهاكات. وذكر أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت في يوليو 2025 أوامر اعتقال بحق قيادات بارزة في حركة طالبان، بينهم الزعيم الأعلى هبة الله آخوند زادة، بتهم جرائم ضد الإنسانية على أساس النوع الاجتماعي.
توصيات أممية
واختتمت المفوضية تقريرها بتأكيد أن استمرار الأوضاع الراهنة يهدد بانهيار كامل لحقوق الإنسان في أفغانستان، ودعت السلطات الفعلية إلى إلغاء جميع المراسيم والسياسات التمييزية فورًا، والسماح للنساء والفتيات بالعودة إلى التعليم والعمل، ووقف تنفيذ عقوبة الإعدام والعقوبات الجسدية، وضمان حرية الإعلام والتعبير.
كما أوصت بإنشاء مؤسسة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان وفق مبادئ باريس، والانخراط الجاد في حوار مع الضحايا والمجتمع المدني حول آليات المساءلة.
أما على صعيد المجتمع الدولي، فقد طالبت المفوضية الدول الأعضاء بوقف الإعادة القسرية للاجئين الأفغان، ودعم التحقيقات الدولية الجارية، بما فيها عمل المحكمة الجنائية الدولية، وتقديم منصات للضحايا لعرض مطالبهم، مشددة على ضرورة توفير حماية خاصة للنساء والفتيات والأقليات، وتعزيز التشاور الشامل حول الحقيقة والعدالة والتعويضات.
وأكد التقرير أنه "لا مستقبل لأفغانستان دون عدالة"، مشددًا على أن المساءلة عن الجرائم والانتهاكات شرط أساسي لتحقيق سلام ومصالحة دائمة، وأن إقصاء نصف السكان من الحياة العامة يقوّض أي أمل في الاستقرار والتنمية.