زواج القاصرات في سوريا.. طفولة منهوبة تحت وطأة العادات والتقاليد

زواج القاصرات في سوريا.. طفولة منهوبة تحت وطأة العادات والتقاليد
زواج القاصرات - أرشيف

في دير الزور بسوريا، ورغم تبدّل الزمن وتقدّم الوعي في مناطق أخرى، لا تزال العادات التقليدية في الزواج تفرض نفسها بقوة، من زواج القاصرات إلى البدلة والدية و"الحيار"، تُختزل حياة الفتيات في صفقات يبرمها الرجال، في حين تُسلب أصواتهن تحت ذريعة "النصيب".

فتيات كثيرات يُزففن إلى مصير مجهول دون رأي أو رغبة، ليواجهن طفولة مبتورة وزواجاً بلا ملامح، في مجتمع يعلن فيه الزواج غالباً كبند في صفقات عشائرية، لا كشراكة تقوم على الاختيار والقبول، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الاثنين.

ترسخت هذه الذهنية الذكورية بفعل سياسات متعمدة انتهجتها الأنظمة الحاكمة في سوريا منذ الانتداب الفرنسي، حين تُركت العشائر لسلطة أعرافها التقليدية، وجرى تهميش النساء وإقصاؤهن عن التعليم والحقوق.

ومع اجتياح تنظيم داعش للمنطقة قبل سنوات، فُرضت عقلية أكثر تشدداً تحت غطاء الدين، فأعيد إنتاج العادات القديمة بثوب أكثر قسوة، وتضاعفت معاناة النساء والفتيات، ورغم أن بعض الشابات استطعن قبل الحرب التوجه للتعليم وتأخير سن الزواج، فإن سنوات الإرهاب أعادت عقارب الساعة إلى الوراء.

شهادات من الداخل

تقول صبحة الحمد، إحدى نساء دير الزور، واصفة واقعاً مأساوياً: "الفتاة ليس لها رأي.. إذا قيل إن نصيبها جاء، ينتهي الأمر وعليها الزواج.. لا أحد يسألها ما تريد وما لا تريد. تتحمل وتصبر، وعندما تبدأ المشكلات، يقولون لها: اصبري، هذه قسمتك".

وتروي قصصاً لفتيات أُجبرن على الزواج من أقرباء أو دخلن في زيجات تبادلية تُعرف بـ"البدلة"، حيث تُزوَّج فتاة مقابل أخرى، وكأن حياتهن أوراق تفاوض بين عائلتين.

يُعد زواج "البدلة" أحد أكثر الممارسات قسوة، إذ يرتبط مصير فتاتين ببعضهما البعض: إذا انهار زواج إحداهن، يُجبَر الآخر على الانهيار. 

تقول صبحة الحمد: "أعطيتك ابنتي لآخذ ابنتك أو أختك لابني، وإذا لم تمشِ الأمور نعيد لكم ابنتكم.. لماذا نظلم بناتنا؟".

هذا النمط من الزيجات يُجرّد الفتاة من إنسانيتها ويجعلها أداة تبادل، تُجبر على الصمت خوفاً من كلام المجتمع.

بين الطفولة وزواج الشيوخ

لا يقف الأمر عند الزواج التبادلي، بل يتعداه إلى تزويج طفلات في عمر الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة برجال يكبرونهن بعقود. 

تقول حياه الأحمد، الإدارية في لجنة الصلح بتجمع نساء زنوبيا: "طفلة صغيرة تُزوّج لرجل عمره 60 أو 70 عاماً.. تظن أنها لعبة وستلبس فستاناً أبيض، لكنها لا تعرف أنها ستبدأ حياة كاملة من المعاناة".

وتؤكد أن هذه الزيجات تفتقد لأي تكافؤ، إذ تُنتزع الفتاة من عالمها الطفولي وتُلقى في حياة لا تفهمها ولا تستطيع رفضها.

وفي مواجهة هذا الواقع، أصدرت الإدارة الذاتية الديمقراطية قانوناً يرفع سن الزواج، ويفرض عقوبات على من يخالف، في حين يقود تجمع نساء زنوبيا حملات توعية تهدف إلى تفكيك هذه الممارسات عبر اللقاءات والحوارات مع الأهالي.

وتقول حياة الأحمد إن الجهود بدأت تثمر: "عملنا على التوعية، وتحدثنا كثيراً عن مخاطر زواج القاصرات. بدأنا نلحظ فرقاً، فالحالات لم تعد كما في السابق، قلّت زيجات القاصرات والبدلة بشكل ملموس".

بين الصمت والتغيير

رغم هذه الجهود، يظل التغيير بطيئاً، إذ تواجه الفتيات الراغبات في كسر القيود ضغوطاً اجتماعية هائلة تصل أحياناً إلى النبذ. 

ومع ذلك، يواصل الناشطون والحقوقيون رفع أصواتهم للتأكيد أن الزواج ليس صفقة ولا قيداً يُفرض بالقوة، بل شراكة تُبنى على الاحترام والاختيار.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية