حلمٌ دهسته البيروقراطية.. مأساة المهاجر الغيني مامادو ديالو في فرنسا

حلمٌ دهسته البيروقراطية.. مأساة المهاجر الغيني مامادو ديالو في فرنسا
المهاجر الغيني مامادو ديالو

دفع الشاب الغيني مامادو غارانكي ديالو حياته ثمناً لحلمٍ صغير بالاستقرار والكرامة، ففي منتصف سبتمبر الماضي، عُثر على جثته هامدة قرب طريق سريع في شمال فرنسا، بعد أن حاول عبور الحدود نحو المملكة المتحدة، هارباً من قرار ترحيلٍ آخر صادر بحقه رغم اندماجه الكامل في المجتمع الفرنسي.

وأكدت مصادر من لجنة دعم الشاب الغيني، لموقع "مهاجر نيوز"، الأربعاء، أن ديالو البالغ من العمر 21 عاماً، كان قد وصل إلى فرنسا عام 2019 وهو في الخامسة عشرة من عمره، وحظي برعاية خدمات الطفولة الفرنسية (ASE)، ليبدأ بعدها مسار اندماج مثالياً. 

ودرس في معهد مهني متخصص في صناعة الأغذية، وحصل على تدريب في محل جزارة بمدينة دارنيتال، قرب مدينة روان في إقليم نورماندي.

وروى صاحب المحل، فرانك بيكو، أن الشاب كان “نموذجاً في الجدية والتفاني”، مضيفاً: “كان محبوباً من الجميع، وكان يشبه ابني. لم يكن مجرد عامل، بل فرد من العائلة".

اندماج يتحطم 

تحطم هذا الحلم فجأة عندما تلقى الشاب في عام 2023، عند بلوغه سن الثامنة عشرة، قراراً بمغادرة الأراضي الفرنسية (OQTF)، وهو الإجراء الذي يواجهه آلاف المهاجرين القاصرين بعد بلوغهم سن الرشد.

ورغم إلغاء القرار مؤقتاً بعد حملة تضامن واسعة شارك فيها عمدة مدينة روان نيكولا ماير روسينول وعدد من البرلمانيين، فإن السلطات أعادت إصدار القرار مرة أخرى في مايو الماضي، بحجة غياب تأشيرة عمل طويلة الأمد.

انهار ديالو نفسياً بعد القرار الثاني، وبدأ يعيش حالة من الخوف المستمر من العودة إلى وطنه الذي تركه طفلاً. وقال صديقه آلان هافيل، عضو لجنة الدعم، إن “مامادو شعر بأنه محاصر، لم يعد يرى مخرجاً، كان يخشى العودة إلى غينيا التي لم يعرف فيها سوى الفقر”.

وفي مقابلة قصيرة مع قناة BFMTV نورماندي قبل وفاته بأسابيع، قال الشاب الغيني بصوتٍ متهدج: “عائلتي لا تملك شيئاً في الوطن... أعرف جيداً معاناة البقاء هناك".

رحلة نحو المجهول

غادر الشاب مدينة روان في يونيو الماضي متجهاً إلى شمال فرنسا، على أمل العبور إلى المملكة المتحدة حيث حلم بحياة جديدة. 

وخلال الصيف، طمأن أصدقاءه عبر الهاتف بأنه وصل إلى إنكلترا، لكن الحقيقة كانت عكس ذلك؛ إذ كان يعيش في مخيمٍ بدائي قرب مدينة لون بلاج شمال البلاد، منتظراً فرصة الهروب التي لم تأتِ قط.

وفي فجر السابع عشر من سبتمبر، عُثر عليه جثة هامدة قرب الطريق السريع، يُرجّح أنه دهسته شاحنة أثناء محاولته التسلل ليلاً.

صدمة وغضب في روان

أشعلت وفاة ديالو موجة غضب وتعاطف في منطقته السابقة. وقال آلان هافيل “نحمل المسؤولية للنظام الإداري الفرنسي الذي أرهق الشاب بالقرارات التعسفية حتى دفعه للموت". 

وأضاف “ثمة نزعة قمعية متزايدة تجاه المهاجرين، خصوصاً أولئك الذين أثبتوا اندماجهم ويعملون بجد ويدفعون الضرائب”.

ووصف عمدة روان نيكولا ماير روسينول الحادثة بأنها “مأساة مُخزية”، قائلاً: "إنها نتيجة مباشرة لسياسات غير إنسانية تضع البيروقراطية فوق الإنسان".

نداء ضد الترحيل

ذكّرت هذه المأساة الفرنسيين بقضية الشاب الغيني الآخر “لاي فودي تراوريني”، الذي كاد أن يُرحّل رغم عمله في أحد المخابز عام 2020، قبل أن تنقذه حملة تضامن واسعة قادها صاحب عمله. 

وأدت تلك القضية إلى تأسيس جمعية “رعاة التضامن” التي تضم أصحاب عمل فرنسيين يدافعون عن العمال الأجانب المهددين بالترحيل.

اليوم، يطالب أعضاء الجمعية ذاتها بفتح تحقيق شامل في وفاة ديالو، مؤكدين أن “الموت لم يكن قدراً، بل نتيجة مباشرة لسياسة تفتقر إلى الرحمة”.

الإنسانية ضحية القوانين

تكشف قصة مامادو ديالو عن خللٍ عميق في تعامل المؤسسات الفرنسية مع الشباب المهاجرين الذين نشؤوا داخل المجتمع ذاته، فبدلاً من مكافأتهم على نجاحهم في الاندماج، يُعامَلون معاملة الغرباء عند بلوغهم سن الرشد، ما يدفع بعضهم إلى الهروب أو الانتحار.

وترى منظمات حقوقية أن هذه السياسة “تقتل الأمل في النفوس الشابة”، وتحوّل فرنسا من “وطنٍ للحرية والمساواة” إلى مكانٍ يخذل أكثر من آمنوا به.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية