للعدالة التاريخية.. كاليفورنيا تؤسس أول مكتب للتعويضات عن العبودية في الولايات المتحدة

للعدالة التاريخية.. كاليفورنيا تؤسس أول مكتب للتعويضات عن العبودية في الولايات المتحدة
حاكم ولاية كاليفورنيا الأمريكية غافين نيوسوم

أعلن حاكم ولاية كاليفورنيا الأمريكية غافين نيوسوم السبت توقيعه قانونًا تاريخيًا ينص على إنشاء أول مكتب رسمي في الولايات المتحدة معني بتقديم تعويضات لأحفاد الأمريكيين من أصول إفريقية الذين تعود جذورهم إلى حقبة العبودية، في خطوة وُصفت بأنها محطة فاصلة في مسار العدالة التاريخية والمساواة العرقية.

وجاء الإعلان، بحسب بيان صادر عن كتلة المشرّعين الأمريكيين من أصول إفريقية في برلمان الولاية، ليجعل من كاليفورنيا أول ولاية تتجاوز حدود الاعتراف الرمزي بالمظالم التاريخية، متجهة نحو إقامة آليات مؤسساتية دائمة لتحقيق المساواة الاقتصادية والاجتماعية بين مواطنيها.

وأضاف البيان أن توقيع الحاكم نيوسوم على هذا القانون "يمثل التزامًا عمليًا بمعالجة جروح الماضي التي خلّفتها قرون من العبودية والتمييز العنصري، ويفتح الباب أمام إصلاح حقيقي في البنية المجتمعية الأمريكية".

مكتب دائم للعدالة

ينص القانون الجديد على تأسيس مكتب شؤون أحفاد الأمريكيين من أصول إفريقية، ليكون أول هيئة حكومية دائمة تُعنى بملف التعويضات في تاريخ الولايات المتحدة.

وسيتولى المكتب إدارة البرامج والسياسات التي تستهدف تقليص الفوارق الاقتصادية والتعليمية والصحية بين الأمريكيين من أصول إفريقية وبقية السكان، إلى جانب اقتراح آليات لتعويض المتضررين وأحفادهم عن الأضرار التاريخية التي لحقت بأسرهم جراء نظام العبودية والتمييز المؤسسي.

وسيعمل المكتب بالتعاون مع جامعات ومراكز بحثية ومؤسسات المجتمع المدني لجمع البيانات وتوثيق الآثار الممتدة للعبودية في مجالات الإسكان والعمل والعدالة الجنائية، تمهيدًا لوضع إطار شامل لتعويض المتضررين ومعالجة إرث العنصرية الهيكلية.

ذاكرة مؤلمة بالتاريخ الأمريكي

يأتي هذا القرار في وقت لا تزال فيه قضية التعويضات للأمريكيين من أصول إفريقية تثير جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية الأمريكية، بين من يرى فيها ضرورة أخلاقية وإنسانية لإنصاف ضحايا الماضي، ومن يعتبرها عبئًا اقتصاديًا وسياسيًا يصعب تنفيذه.

ويرى مراقبون أن مبادرة كاليفورنيا تمثل سابقة تشريعية قد تُلهم ولايات أخرى لاعتماد خطوات مشابهة، خاصة أن الجدل حول العدالة العرقية تصاعد منذ مقتل جورج فلويد عام 2020، وما تبعه من احتجاجات واسعة ضد العنصرية في أنحاء البلاد.

وكانت لجنة حكومية خاصة في كاليفورنيا قد أصدرت عام 2023 تقريرًا شاملاً أوصت فيه بتقديم تعويضات مالية ومعنوية للأمريكيين من أصول إفريقية، معتبرة أن الدولة تتحمل مسؤولية عن السياسات التي أسهمت في استمرار الفوارق الاجتماعية بعد إلغاء العبودية رسميًا في القرن التاسع عشر.

النقاش حول العدالة العرقية 

اعتبر السيناتور ستيفن برادلي، أحد قادة الكتلة التشريعية للأفارقة الأمريكيين في الولاية، أن “ما قامت به كاليفورنيا ليس مجرد قانون، بل اعتراف رسمي بأن العدالة لا تتحقق بالاعتذار فقط، بل بالفعل المستدام”.

وقال برادلي، إن المكتب الجديد “سيكون صوتًا للأجيال التي حُرمت من فرص التعليم والسكن والعمل بسبب سياسات التمييز، وسيسعى إلى ترميم الثقة بين الدولة والمجتمعات التي عانت طويلًا من التهميش”.

في المقابل، أبدى بعض السياسيين المحافظين تحفظاتهم بشأن جدوى المشروع، مشيرين إلى أنه “قد يفتح بابًا واسعًا للمطالبات المالية المعقدة”. لكن المدافعين عن القرار يرون أنه خطوة ضرورية لتصحيح مسار تاريخي طويل من الظلم المنهجي الذي لا تزال تداعياته محسوسة في بنية المجتمع الأمريكي.

خطوة نحو مصالحة تاريخية

تؤكد السلطات في كاليفورنيا أن هذا المكتب لا يهدف فقط إلى تعويض الماضي، بل إلى بناء مستقبل أكثر عدلاً ومساواة. 

وقال الحاكم نيوسوم في تصريحات له عقب توقيع القانون: “إن العدالة لا يمكن أن تكون انتقائية أو آنية، بل يجب أن تكون جذرية وشاملة. ما نفعله اليوم هو تصحيح لمسار تاريخي خطأ استمر لأكثر من أربعة قرون”.

ويرى خبراء في التاريخ والحقوق المدنية أن هذه المبادرة تمثل تحولاً في طريقة تعامل الولايات المتحدة مع ملف العبودية، إذ تنتقل من مرحلة الاعتراف الرمزي إلى مرحلة العمل المؤسسي المنظم.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية