مأساة إنسانية متفاقمة.. تسجيل 319 جريمة جنائية في سوريا بينها 50 امرأة

مأساة إنسانية متفاقمة.. تسجيل 319 جريمة جنائية في سوريا بينها 50 امرأة
إسعاف في سوريا - أرشيف

تفاقمت في الآونة الأخيرة موجة الجرائم الجنائية في مختلف المدن والمناطق السورية، في مؤشر خطر على هشاشة الأوضاع الأمنية والاجتماعية، وانهيار منظومة العدالة، وتآكل مؤسسات الحماية المدنية التي يفترض أن تصون أرواح المواطنين وحقوقهم.

وأظهر تقرير صدر عن المرصد السوري لحقوق الإنسان، الاثنين، تصاعداً مقلقاً في معدلات الجرائم خلال العام الجاري، ما يعكس حالة من الفوضى والعنف المستشري الذي يهدد حياة المدنيين في بلد أنهكته الحرب منذ أكثر من 13 عاماً.

وكشف التقرير أن سوريا شهدت منذ مطلع العام الجاري 319 جريمة جنائية أدت إلى مقتل 359 شخصاً، من بينهم 281 رجلاً و50 امرأة و28 طفلاً، وهي حصيلة تضع المجتمع السوري أمام مأساة إنسانية وأمنية عميقة.

وتشير الأرقام إلى أن شهر يونيو الماضي كان الأكثر دموية بـ 39 جريمة، تلاه شهرا مارس وأبريل بـ 38 جريمة لكل منهما، في حين سُجل أدنى معدل في مايو بـ15 جريمة فقط.

هذه الإحصاءات، بحسب المرصد، لا تمثل مجرد أرقام في تقرير، بل هي قصص مأساوية لأسر فقدت أبناءها أو عائليها في جرائم اتسمت بالعنف الوحشي، وتنوعت بين القتل بدافع السرقة، والخلافات العائلية، والابتزاز، والعنف ضد النساء والأطفال.

تآكل العدالة وتفكك المجتمع

أشار المرصد في تقريره إلى أن هذا التصاعد الكبير في معدلات الجريمة يعكس انهيار منظومة الأمن والعدالة في البلاد، حيث تعاني الأجهزة الأمنية والقضائية من ضعف واضح، إلى جانب انتشار السلاح وغياب المحاسبة، مما خلق بيئة خصبة لتفشي العنف والجريمة.

وأكد التقرير أن المدنيين يعيشون حالة فقدان ثقة كاملة بالقانون، إذ يشعر كثيرون أن العدالة غائبة وأن الجناة يفلتون من العقاب في مختلف المحافظات السورية، الأمر الذي يعمّق الانقسام ويقوض السلم المجتمعي.

ويضيف ناشطون حقوقيون أن غياب المساءلة القضائية أدى إلى ما يشبه “دوامة عنف مجتمعي”، حيث بات البعض يسعى إلى الانتقام الشخصي بدلاً من اللجوء إلى القانون، ما فاقم الانفلات الأمني وحوّل بعض المناطق إلى بؤر للجريمة المنظمة.

تحديات إنسانية متفاقمة

تتزامن هذه التطورات مع أوضاع إنسانية متدهورة يعيشها السوريون، نتيجة تراجع الاقتصاد وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، الأمر الذي يدفع بعض الأفراد إلى ارتكاب جرائم بدافع الحاجة أو الإحباط.

كما تسجّل منظمات المجتمع المدني تزايداً في العنف الأسري، واستغلال النساء والأطفال، وتنامي ظواهر كالخطف والاتجار بالبشر، في ظل غياب حماية قانونية فعالة.

وتقول الناشطة الحقوقية ندى خليل إن “الواقع الأمني والاجتماعي في سوريا اليوم يهدد النسيج الإنساني ذاته، إذ أصبح المواطن السوري يعيش الخوف في بيته وشارعه ومدينته”. 

وتضيف أن “هذه الجرائم ليست مجرد أفعال فردية، بل نتيجة مباشرة لانهيار البنية الأخلاقية والمؤسسية للمجتمع بعد سنوات الحرب الطويلة”.

دعوات إلى تحرك عاجل

دعا المرصد السوري لحقوق الإنسان والمجتمع الحقوقي المحلي والدولي إلى تحرك عاجل لتعزيز الحماية المجتمعية، وتفعيل آليات المساءلة القانونية، ومواجهة أسباب انتشار العنف والجريمة.

وطالب التقرير بإطلاق برامج دعم نفسي واجتماعي تستهدف الفئات الأكثر هشاشة، خصوصاً النساء والأطفال، إلى جانب إصلاح النظام القضائي والأمني بما يضمن تطبيق القانون بشكل عادل على الجميع.

وأكدت منظمات حقوقية أن استمرار الوضع الحالي ينذر بـ تفكك اجتماعي واسع في حال لم تُتخذ إجراءات سريعة وحاسمة، مشيرة إلى أن استعادة الأمن والعدالة هي الخطوة الأولى نحو إعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطنين.

الحاجة إلى العدالة

تجسد الجرائم المتصاعدة في سوريا صورة بلد ما زال يدفع ثمن الحرب، ليس فقط في ركام المدن، بل في الانهيار الأخلاقي والاجتماعي الذي ترك بصماته في حياة كل أسرة سورية.

ويبدو أن الطريق نحو الاستقرار لا يمر فقط عبر وقف إطلاق النار، بل عبر إحياء مفهوم العدالة، وضمان أمن الإنسان وكرامته، ليبدأ السوريون رحلة الشفاء من جراح الحرب التي طالت أجسادهم وأرواحهم على حد سواء.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية