حنين المبحوح.. أمٌّ فلسطينية فقدت بناتها الأربع وبقيت تبحث عن شفاءٍ مؤجل
حنين المبحوح.. أمٌّ فلسطينية فقدت بناتها الأربع وبقيت تبحث عن شفاءٍ مؤجل
هزّ انفجارٌ عنيف فجر يومٍ أسود حياةَ الأم الفلسطينية حنين المبحوح (34 عاماً)، حين استهدف صاروخ منزلها شمال وادي غزة، فحوّله إلى ركامٍ في لحظة واحدة. فقدت حنين في ذلك القصف بناتها الأربع، وبُترت ساقها، وتحوّل جسدها إلى خريطةٍ للألم، فيما بقي قلبها يتعلّق بذكرياتٍ لا تموت.
تقول حنين بصوتٍ متعبٍ وهي تُحدّق بعيدًا: "لم أكن أظن أن فجر تلك الليلة سيكون آخر ما تراه عيون بناتي، كنت أضم طفلتي ريمي، التي لم يتجاوز عمرها أربعة أشهر، إلى صدري، بينما كانت أخواتها الثلاث نائمات في الغرفة المجاورة، لم أسمع إلا دوياً يشبه نهاية العالم، ثم وجدت نفسي بين الجيران، أبحث عن ريمي.. لكني لم أجدها"، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الخميس.
تؤكد حنين أنّ الصاروخ لم يسرق فقط بناتها الأربع، بل سرق منها قدرتها على الحركة أيضاً، فقدت ساقها اليمنى بالكامل، وتعرضت الأخرى لكسورٍ مركبة استدعت تركيب بلاتين حديدي، فيما أُصيبت يدها اليسرى بعجزٍ دائم.
تقول بحسرةٍ لا تخفى: "أعيش اليوم على كرسيّ متحرك، لكن الوجع الحقيقي ليس في الجسد، بل في القلب.. في الفراغ الذي تركته بناتي".
وتتابع بصوتٍ مبحوحٍ كأنّه يخرج من تحت الركام: "ما زلت أراهن في المنام يركضن نحوي ويضحكن، ثم يبتعدن في الضباب. أستيقظ لأجد الكرسي بجانبي. أكثر ما يؤلمني أنني لم أستطع احتضانهنّ في اللحظة الأخيرة".
طالبت بالعلاج ورفضت الشفقة
تُصرّ حنين المبحوح على التمسّك بما تبقّى من أمل، رغم كلّ ما نالها من العجز.. توضح وهي تنظر إلى ساقها المبتورة: "أريد أن أُعالج فقط.. لا أريد الشفقة، أريد أن أمشي من جديد، أن أذهب إلى قبور بناتي على قدميّ لا على كرسيّ يدفعه الآخرون".
ويؤكد الأطباء أنّ تركيب طرفٍ صناعي لها ممكن، لكن الأمر يحتاج إلى إمكاناتٍ طبية ومعداتٍ غير متوفرة في قطاع غزة المحاصر، الذي يفتقر إلى أبسط مقومات الرعاية الصحية بعد أكثر من عامين من الحرب المدمّرة.
تعيش غزة منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر 2023 واحدة من أكثر الكوارث الإنسانية مأساوية في التاريخ الحديث.
وتشير تقارير وزارة الصحة في غزة ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) إلى أنّ عدد الضحايا تجاوز 90 ألف شهيد، بينهم نحو 17,900 طفل وأكثر من 11 ألف امرأة حتى منتصف يوليو 2025.
هذه الأرقام ليست مجرّد إحصاءات، بل وجوهٌ غابت وأحلامٌ انطفأت، وأمهات مثل حنين المبحوح يواصلن وحدهنّ معركة البقاء في مواجهة الفقد والعجز، في انتظار شفاءٍ لا يأتي.
تمضي بين الوجع والإيمان
تُجسّد حنين المبحوح في مأساتها الحكاية الكبرى لنساء غزة، اللاتي يُربّين الألم كما يُربّين أبناءهنّ، ويعشن على الصبر كأنه قَدَرٌ أبدي.
تقول الأم الفلسطينية بصوتٍ هادئٍ وهي تخاطب الغياب: "لا أكره الحياة رغم كلّ ما أخذت مني، فقط أطلب أن تمنحني وقتاً أستعيد فيه نفسي".
وهكذا، تمضي هذه الأمّ المكلومة في أيامها بين ألم الفقد وأوجاع الجسد، تحمل على كتفيها ذاكرة بيتٍ غاب وصوت طفلاتٍ رحلن قبل أن يتعلمن معنى الحياة، لتصبح رمزاً لصمودٍ لا ينكسر، ووجهاً ناطقاً باسم آلاف الأمهات الفلسطينيات اللواتي فقدن كلّ شيء، إلا إيمانهنّ بأنّ حبّ الأمّ لا يُقهر، وأنّ الوجع، مهما طال، لا يطفئ نور الحياة في قلوبٍ تعلّقت بالسماء.











