سلسلة من القيود.. طالبان تغلق أبواب الحريات أمام النساء والإعلام

سلسلة من القيود.. طالبان تغلق أبواب الحريات أمام النساء والإعلام
عناصر حركة طالبان في شوارع أفغانستان - أرشيف

فرضت حركة طالبان، منذ سيطرتها على الحكم في أغسطس 2021، سلسلة من القيود التي طالت مختلف جوانب الحياة العامة في أفغانستان، كان أبرزها حرمان النساء من التعليم والعمل، وتقييد مشاركتهن في الحياة الاجتماعية، في ظل تصاعد الانتهاكات الحقوقية الموثقة وتزايد القلق الدولي بشأن مستقبل الحريات الأساسية في البلاد.

وفي تقريرها الربع سنوي الصادر، كشفت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان (يوناما) عن استمرار الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان، وتدهور أوضاع المرأة، وتراجع حرية التعبير والإعلام، معتبرة أن أفغانستان تعيش تحت "نظام قمعي مغلق على ذاته"، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، الأربعاء.

وثّق التقرير انتهاكات جسيمة شملت حرمان النساء من العمل والتعليم والرعاية الصحية، وفرض قيود مشددة على حركتهن، إلى جانب تهديد وسائل الإعلام والعاملين فيها. 

وأشارت البعثة إلى أن سلطات طالبان منعت الموظفات الأفغانيات العاملات لدى الأمم المتحدة من دخول مكاتبهن في سبتمبر الماضي، ما أجبرهن على العمل من المنازل دون أفق واضح للعودة إلى أماكن عملهن.

ولفت التقرير إلى أن الفتيات فوق الصف السادس الابتدائي ما زلن ممنوعات من دخول المدارس والجامعات في أنحاء البلاد، في حين أُغلقت مدارس دينية خاصة بهن في بعض المدن، ما عمّق حالة العزلة التعليمية المفروضة على نصف المجتمع الأفغاني.

انتهاكات ومجازر موثقة

تناول التقرير بالتفصيل المجازر والانتهاكات الموثقة التي ارتكبتها طالبان خلال الفترة ما بين يوليو وسبتمبر، مشيراً إلى تسجيل 14 مذبحة و21 حالة اعتقال تعسفي وتعذيب وسوء معاملة، طالت جنوداً سابقين ومهاجرين رُحّلوا قسراً من إيران وباكستان.

وأكدت يوناما أن هذه الانتهاكات تأتي ضمن سياسة منظمة تسعى من خلالها طالبان إلى السيطرة الكاملة على المجتمع، عبر فرض تفسيرها الصارم للشريعة الإسلامية، والتضييق على الأقليات العرقية والدينية، وحظر الكتب والمحتوى الثقافي الذي لا يتماشى مع توجهاتها الفكرية.

وبيّنت بعثة الأمم المتحدة أن أكثر من 60 امرأة في كابول تعرضن للاعتقال التعسفي خلال الأشهر الماضية بسبب مخالفتهن قواعد الحجاب التي تفرضها الحركة، إذ أُجبرن على توقيع تعهدات قبل الإفراج عنهن بكفالة أحد أقاربهن الذكور.

منع النساء من وسائل النقل

منعت طالبان النساء من استخدام وسائل النقل العام دون "وليّ أمر"، وتم توثيق هذه الممارسات في مقاطعات فاره، أورجينك، وقندهار.

وفي قطاع الصحة، أصدرت الحركة تعليمات إلى الطواقم الطبية في ولايتي أورجينتش وقندهار بعدم تقديم أي خدمة طبية للنساء دون مرافقة رجل من أقاربهن، في حين يُمنع دخول المستشفيات نهائياً دون مرافق ذكر.

وأشارت البعثة إلى أن النساء مُنعن من الالتحاق بالكليات الطبية منذ ديسمبر 2022، وهو ما يُنذر بانهيار تدريجي في قطاع الرعاية الصحية النسائية.

عودة الجلد العلني

أوضح التقرير أن ممارسات الجلد العلني عادت لتُنفذ أسبوعياً في الساحات العامة، حيث تم توثيق 242 حالة عقوبة بدنية خلال الفترة التي شملها التقرير، منها 193 رجلاً و49 امرأة، ما يعكس استمرار النهج العقابي العلني الذي تتبعه طالبان لترهيب المجتمع وإظهار سلطتها المطلقة.

رصدت يوناما استمرار الضغوط على وسائل الإعلام، حيث اعتقلت أجهزة استخبارات طالبان ثلاثة موظفين من مؤسسة إعلامية كانت تنظم ورشة عمل للصحفيات في كابول، ووجهت إليهم تهم "نشر الفجور" و"التجسس" و"الترويج لتعليم الإناث".

وأشار التقرير إلى أن الصحفيات الأفغانيات يواجهن قيوداً أشد قسوة من ذي قبل، إذ لم تتمكن سوى قلة منهن من مواصلة العمل الإعلامي، وتعرضن لمضايقات خلال المؤتمرات الصحفية الرسمية، كما حدث حين قُطع ميكروفون إحدى الصحفيات عمداً عندما حاولت توجيه سؤال لأحد مسؤولي طالبان.

سيطرة كاملة على المجتمع

أكدت بعثة الأمم المتحدة أن طالبان تسعى لفرض سيطرة شاملة على الحياة العامة، من خلال التحكم في التعليم، واللباس، والإعلام، والمجتمع المدني، واستخدام الدين أداة لشرعنة القمع.

وقالت البعثة إن هذه السياسات تؤدي إلى تآكل الحريات الأساسية، وتحرم البلاد من الكفاءات النسائية، وتدفع الشباب إلى الهجرة أو الانعزال، محذّرةً من أن استمرار هذه الممارسات سيُعمّق عزلة أفغانستان الدولية ويزيد من معاناة الشعب.

وتظهر التقارير الأخيرة أن أفغانستان تحت حكم طالبان تعيش عزلة مزدوجة: عزلة داخلية مفروضة بالقوة على نسائها ومثقفيها، وعزلة خارجية ناتجة عن تدهور علاقاتها مع المجتمع الدولي.

وفي ظل تراجع اهتمام العالم بالملف الأفغاني بعد مرور أكثر من أربع سنوات على سيطرة طالبان، تبدو البلاد غارقة في نظام منغلق يكمم الأفواه ويُقصي النساء، في حين تواصل الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية نداءاتها لإنقاذ ما تبقى من الحريات في بلدٍ كان يحلم يوماً بالانفتاح والديمقراطية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية