قمع غير مسبوق.. تقرير أممي يؤكد تدهور أوضاع حقوق الإنسان في إيران
قمع غير مسبوق.. تقرير أممي يؤكد تدهور أوضاع حقوق الإنسان في إيران
تشهد إيران تدهوراً متسارعاً في أوضاع حقوق الإنسان، مع تصاعد القمع السياسي والانتهاكات الممنهجة التي طالت مختلف فئات المجتمع، فقد اعتمدت السلطات، بحسب تقرير الأمم المتحدة، على أدوات قمعية متزايدة تشمل الاعتقالات التعسفية والتعذيب والمحاكمات غير العادلة، في ظل انغلاق المجال السياسي والاجتماعي بشكل غير مسبوق.
وخلال اجتماع اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، قدمت ماي ساتو، المقررة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في إيران، تقريراً شاملاً وصفت فيه الوضع في البلاد بأنه "الأسوأ منذ عقود"، بحسب ما ذكرت شبكة "إيران إنترناشيونال"، اليوم الجمعة.
وأشارت إلى أن السلطات الإيرانية استغلت الهجمات العسكرية الإسرائيلية والأمريكية على أراضيها في يونيو حزيران الماضي كذريعة لتشديد القمع الداخلي، وشنّ حملة واسعة من الاعتقالات والإعدامات الجماعية.
وأكدت ساتو أن ما يحدث في إيران “يمثل مساراً محتملاً نحو الجرائم ضد الإنسانية”، إذ أصبح الشعب الإيراني ضحية لجبهتين في آن واحد: العدوان الخارجي من جهة، والقمع الداخلي من جهة أخرى، محذّرة من أن السلطات “تستخدم الحرب ذريعة لتمزيق ما تبقى من الحريات العامة”.
قوانين قمعية وإعدامات
انتقد التقرير إقرار قانون جديد في إيران تحت مسمى “قانون التجسس”، يوسّع تعريف الجريمة ليشمل حتى التواصل مع وسائل الإعلام الأجنبية أو نشر معلومات عامة عبر الإنترنت، ما يجعل عقوبة الإعدام تهديداً يومياً لأي ناشط أو صحفي.
وكشف التقرير أن إيران نفذت أكثر من 1200 حكم إعدام خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري، بمعدل أربعة أشخاص يومياً، في حين لا يُعلن رسمياً سوى عن 8% فقط من هذه الحالات، وهو ما يشير إلى وجود أعداد أكبر بكثير من الضحايا. واعتبرت ساتو أن هذه الإعدامات “ليست أداة للردع، بل وسيلة لبث الخوف والسيطرة على المجتمع”.
كما رصد التقرير 21 ألف حالة اعتقال خلال الأشهر الأخيرة، شملت صحفيين وناشطين ومدافعين عن حقوق الإنسان ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي وأفراداً من الأقليات العرقية، مؤكداً أن السلطات استخدمت ذريعة “الأمن القومي” لتبرير القمع الممنهج ضد المدنيين.
انتهاكات وتعذيب ممنهج
فضحت المقررة الأممية استمرار ممارسات التعذيب في السجون الإيرانية، بما في ذلك انتزاع الاعترافات تحت الإكراه وتطبيق العقوبات الجسدية القاسية.
وأشارت إلى أن الانتهاكات الموثقة شملت الجلد وبتر الأصابع بالمقصلة والضرب المبرح، بينما حذرت من ارتفاع أعداد الوفيات “المشبوهة” داخل مراكز الاحتجاز، بسبب الحرمان المتعمد من العلاج الطبي.
وقالت ساتو إن أسر الضحايا تُجبر على قبول روايات رسمية غير واقعية حول أسباب الوفاة، خشية الانتقام، مشيرة إلى أن التعذيب والاعتقال التعسفي أصبحا “ركيزتين في منظومة السيطرة السياسية داخل إيران”.
كما انتقد التقرير الانسحاب الرسمي لمشروع قانون مكافحة العنف ضد المرأة في يونيو الماضي، معتبراً ذلك “انتكاسة كبيرة” في مجال حماية النساء، موضحة أن قانون الحجاب الإلزامي لا يزال قائماً، وأن النساء اللاتي لا يلتزمن به يتعرضن للاعتقال أو الغرامة أو السجن بموجب المادة 638 من قانون العقوبات الإسلامي.
معاناة إنسانية ومساءلة
أكد التقرير أن الحرب الأخيرة خلّفت أوضاعاً إنسانية مأساوية، حيث نزح ملايين الإيرانيين داخلياً، وافتقرت النساء الحوامل والمرضى إلى الخدمات الطبية والإغاثية.
واستهدفت الغارات الإسرائيلية والأمريكية في يونيو الماضي منشآت مدنية، بينها مستشفيات ومدارس وسجن “إيفين”، ما أدى إلى مقتل أكثر من 1100 شخص، بينهم نساء وأطفال.
وفي السياق ذاته، قدمت سارة حسين، رئيسة بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق في إيران، تقريراً منفصلاً في الاجتماع ذاته، أشارت فيه إلى أن الغارة الجوية على سجن “إيفين” التي أودت بحياة 80 شخصاً على الأقل “ربما تم تنفيذها بشكل متعمد”.
وأضافت أن السلطات أبقت عائلات السجناء في حالة من الجهل والخوف لأسابيع، فيما توفيت امرأة في سجن قرتشك نتيجة نقص الرعاية الطبية.
دعوات للتحقيق والمحاسبة
طالبت ماي ساتو السلطات الإيرانية بالسماح لبعثات الأمم المتحدة بالدخول إلى البلاد للتحقيق في الانتهاكات دون قيود، داعيةً إلى وقف فوري لعمليات الإعدام وإلغاء القوانين التمييزية ضد المرأة وضمان حرية التعبير والتجمع السلمي.
وأكدت أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران “ليست السبب في القمع الداخلي، بل نتيجة قرارات متعمدة من السلطات”، مشددة على أن “الشعب الإيراني يستحق السلام والكرامة والعدالة، وعلى المجتمع الدولي أن يقف إلى جانبه”.
واختتمت المقررة تقريرها بتحذير واضح: “إذا استمرت السلطات في هذا المسار من الإعدامات والقمع، فإن إيران تقترب بخطى سريعة من عتبة الجرائم ضد الإنسانية”.











