الحوار الوطني.. مخاوف من إجهاض فرصة إنقاذ السودان
الحوار الوطني.. مخاوف من إجهاض فرصة إنقاذ السودان
بحثا عن وفاق غائب منذ نحو 8 أشهر، انطلقت جلسات الحوار الوطني بين أطراف النزاع في السودان، برعاية الآلية الثلاثية، لمحاولة إيجاد حل للأزمة السياسية المحتدمة في البلاد.
ومنذ 25 أكتوبر 2021، يشهد السودان احتجاجات شعبية تطالب بعودة الحكم المدني، وترفض إجراءات رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان الاستثنائية التي يعتبرها الرافضون "انقلاباً عسكرياً".
ويشارك في الحوار الوطني الحالي المجلس السيادي برئاسة البرهان، وعدد من القوى السياسية، مقابل رفض قوى "الحرية والتغيير" (الائتلاف الحاكم سابقا).
وقالت قوى "الحرية والتغيير" في بيان سابق، إنها "لن تكون جزءًا من حوار غير محدد الأهداف والأجندة، ومغرق بالأطراف السياسية، التي في حقيقتها تدعم انقلاب 25 أكتوبر".
وتسعى الآلية الثلاثية، المكونة من بعثة الأمم المتحدة للسودان "يونيتامس"، والاتحاد الإفريقي، والهيئة الحكومية للتنمية بشرق إفريقيا "إيغاد"، إلى التوفيق بين الأطراف السودانية لإنهاء الأزمة الراهنة في البلاد.

تعهدات وأمنيات
من جهته تعهد البرهان بالتزام المؤسسة العسكرية والأمنية بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني المرتقبة، معتبرا إياه "فرصة تاريخية" لاستكمال المرحلة الانتقالية، حتى تمضي وفق ما يرجوه الشعب السوداني.
والثلاثاء، قال البرهان في خطاب متلفز، إن "المؤسسة العسكرية ملتزمة التزاما تاما بالعمل مع الجميع، حتى انتهاء المرحلة الانتقالية بأسرع ما يمكن بانتخابات حرة وشفافة يختار فيها الشعب من يحكمه".
بدوره، قال المبعوث الأممي للسودان فولكر بيرتس، خلال جلسات الحوار، "نريد أن نحدث تغييرًا حقيقيًا من خلال هذا الحوار، ودورنا هو تسهيل عملية التحاور، والقرار في النهاية بأيدي السودانيين".
وأضاف بيرتس: "نتمنى أن نرى نتائج هذا الحوار خلال الأيام المقبلة، بعدما أجرينا مشاورات مكثفة مع جميع الأطراف خلال الأسابيع الماضية، لأن استمرار الوضع الحالي وارتفاع وتيرة الانتهاكات يهدد بما هو أخطر من عودة النظام السابق".
وتابع: "ينبغي أن يتوقف القتل والتشريد والنزوح والفقر والمعاناة، لقد آن للسودانيين أن ينالوا حظهم من التنمية والديمقراطية والسلام، والأمم المتحدة والمجتمع الدولي على استعداد كامل لتحقيق ذلك".
مخاوف وشكوك
ومن جانبه، قال شهاب الطيب، المتحدث باسم قوى "الحرية والتغيير" لـ"جسور بوست"، إن الحوار الذي انطلق الأربعاء هو إعادة إنتاج للحوار الوطني، الذي أطلق في عهد النظام البائد، لكن هذه المرة برعاية دولية وإقليمية".
وأضاف الطيب: "حتى يكون الحوار ذا مصداقية لا بد أن يكون هدفه واضحا، بحيث يفضي إلى إنهاء الانقلاب وإقامة سلطة مدنية كاملة، عطفا على إبعاد الجيش عن التأثير في العملية السياسية".
وأكد أن الحوار الوطني مغرق بأطراف أغلبها ليست جزءا من حل الأزمة، ومن ثم لن تصل إلى حل سياسي شامل، لا سيما وأن الحوار غير محدد الأهداف، ويعد فرصة للانقلابيين لشراء الوقت وفرض حالة الانقلاب كأمر واقع.
وعن مشاركة قوى التوافق الوطني، التي كانت جزءا من "الحرية والتغيير" في الحوار، قال الطيب إن "قوى التوافق الوطني، جزء مما حدث ووكيل للعسكريين في تنفيذ تحركهم في 25 أكتوبر".
ومضى قائلا: "نحن غير معنيين بنتائج هذا الحوار، هذا إذا انتهى إلى نتائج حقيقية من الأساس، نحن طرحنا من قبل تصورًا سياسيًا لحل الأزمة، يستوجب نقل السلطة كاملة للمدنيين".
وأضاف: "سنقبل نتائج هذا الحوار في حالة واحدة، إذا أنهى العسكريون ما قاموا به وسلموا السلطة لحكومة مدنية، موثوق في تنفيذها لملفات العدالة الانتقالية، نحن لسنا ضد الحوار، لكننا مسؤولون عن تحقيق تطلعات السودانيين".
فيما قال الباحث السياسي السوداني، ياسر عيسى لـ"جسور بوست"، إن هذا الحوار رغم الرعاية الأممية لن ينتج مخرجات تُرضي الشارع السوداني.
وأضاف عيسى "استمرار نزيف الدماء، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، يسيطر على الشعب السوداني الذي طالما حلم ببناء دولة مدنية ديمقراطية إثر الإطاحة بنظام عمر البشير، ولا يزال يكافح من أجل استعادة المسار الديمقراطي".
وأكد أنه بدون تحقيق مطالب الشارع بإنهاء تولي العسكريين السلطة، وتقديم المسؤولين عن قتل المتظاهرين لمحاكمات عادلة، لن يقبل السودانيون بنتائج أي حوار وطني، موضحًا أن المجلس العسكري لن يُسلم السلطة للمدنيين، ولن يقدم قتلة المتظاهرين للمحاكمة.
وأشار إلى أن الآلية الثلاثية، تحاول الوصول إلى طاولة المفاوضات لإنهاء نزيف الدم في الشارع، لكن ما تقدمه من تنازلات للوصول إلى هذا الهدف سيفسد أي حوار، ولن يصل إلى تهدئة الشارع.
وأوضح عيسى أن السودان دخل في دوامة لن تنتهي إلا بإبعاد المجلس العسكري، بصفته جزءا من نظام البشير عن الحكم، تمهيدًا لبناء دولة مدنية ديمقراطية.
ودخل السودان مرحلة انتقالية طويلة نسبيًا مدتها 53 شهرًا، بعد الإطاحة بنظام عمر البشير، وفق وثيقة تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين، لكن في 25 أكتوبر الماضي، ألغى العسكريون تنفيذ الاتفاق، ما أدخل البلاد في احتجاجات ونزاع سياسي لم يتوقف حتى الآن.