قراءة حقوقية وإنسانية.. فيلم "الركض الصامت" يكشف جراح المهاجرين

قراءة حقوقية وإنسانية.. فيلم "الركض الصامت" يكشف جراح المهاجرين
فيلم "الركض الصامت"

تبدأ المخرجة البلجيكية مارتا بيرغمان حديثها بتأكيد أن فيلمها الجديد "الركض الصامت" انطلق من رغبة حقيقية في إعادة الضوء إلى الأصوات التي تعيش في الظل؛ هؤلاء البشر الذين تمرّ مصائرهم أمام العالم بلا أثر تقريباً، رغم أن توترهم الإنساني لا يقل قوة ولا عمقاً عن الحكايات الكبرى التي تجذب ضجيج الإعلام والسياسة.

وتوضح بيرغمان أنها بدأت التفكير في مشروع الفيلم انطلاقاً من سؤال ظلّ يلاحقها لسنوات.. كيف يبدو الإنسان حين يجد نفسه بلا جذور، وبلا يقين، وبلا طريق واضح؟ وتؤكد أن هذه الأسئلة لا يُجاب عنها بالكلمات أو الحوار التقليدي، بل تُكتب في ملامح الأشخاص وصمتهم، وفي الإيقاع الداخلي للبشر الذين يعيشون حياتهم تحت وطأة الخوف، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الألمانية، السبت.

وتشير المخرجة في حديثها إلى أن الفيلم لا يتعامل مع الهجرة غير النظامية بوصفها كتلة سياسية أو اجتماعية جامدة، بل بوصفها عالماً مليئاً بالتفاصيل الفردية؛ تفاصيل تحمل خلفها معاناة وأسئلة معلّقة، وأحلاماً تُحاصرها الحدود والإجراءات والعنف.

الحكاية الإنسانية للهجرة

تكشف بيرغمان أن رهانها الأساسي كان تقديم الهجرة بوصفها حكاية بشرية قبل أن تكون قضية سياسية. فالشخصيات في الفيلم، كما توضح، ليست نماذج جاهزة أو “أرقاماً” في إحصاءات الهجرة، بل أرواحٌ تقف على حافة العالم، يقودها مزيج من الأمل والخوف والإصرار على النجاة مهما كانت الطريق معتمة أو محفوفة بالمخاطر.

وتشرح أن اللغة المختارة في الفيلم، بمزيجها بين العربية والفرنسية، لا تعكس فقط خلفيات الشخصيات، بل تكشف كذلك طبقات المشاعر المختبئة تحت جلد الكلمات. فالجملة القصيرة أو الصمت الطويل قد يفضحان ما لا تستطيع الكاميرا وحدها كشفه.

تسرد أحداث الفيلم رحلة سارة وآدم، الزوجين اللذين يعبران الحدود مع طفلتهما الصغيرة إلى بلجيكا بطريقة غير قانونية، في محاولة لبلوغ إنجلترا بحثاً عن بداية جديدة. لكن الرحلة تنكسر حين يجد الثلاثة أنفسهم محشورين داخل صندوق شاحنة مع مهاجرين آخرين، في واحدة من أكثر لحظات الفيلم توتراً وقسوة.

20 عاماً في مطاردة المهرّبين

تنسج المخرجة خطاً درامياً موازياً من خلال شخصية ردوّان، الشرطي البلجيكي الذي أمضى 20 عاماً في مطاردة المهرّبين على الطرق السريعة. 

لكن تلك الليلة تغيّرت نظرته للعالم ولعمله ولذاته، إذ يجد نفسه في مواجهة واقع لم يختبره من قبل.

وتؤكد بيرغمان أن توازي الخطين لم يكن لصناعة التناقض، بل لإظهار هشاشة الإنسان على الجهتين: حيث مهاجرون يركضون هرباً من مصائر قاسية، ورجال شرطة يركضون مطارِدين، في حين يركض آخرون بحثاً عن معنى داخل هذا العالم المضطرب.

تستعير صدق الوثائقي

تستعيد بيرغمان سنوات عملها في السينما الوثائقية لتؤكد أنها كانت حجر الأساس في بناء هذا العمل الروائي. فقد علّمتها تلك التجارب الاقتراب من البشر الهشّين بعين ترى التفاصيل الصغيرة وقلب قادر على الإصغاء الطويل.

وتقول إن كثيراً من اللحظات المؤثرة في الفيلم لم تُكتب مسبقاً، بل وُلدت مباشرة من تفاعل الممثلين مع الموقف ومع بعضهم بعضاً؛ وهو ما منح الفيلم “خشونة” واقعية جعلته أقرب إلى الحياة منه إلى الخيال.

وتوضح أن العمل مع ممثلين من خلفيات ثقافية مختلفة، ولغات مختلفة، وتجارب شخصية قاسية، خلق طاقة مشحونة داخل مواقع التصوير، حيث اعتمدت معظم المشاهد على الانفعالات الداخلية المكبوتة أكثر من اعتمادها على الحوار المباشر.

قصة بامتداد إنساني

تختتم بيرغمان حديثها بتأكيد أن الاهتمام الدولي المبكر بالفيلم يكشف أن الحكايات التي تمسّ جوهر الإنسان، خاصة في لحظات ضعفه، قادرة على عبور الحدود. 

وتشير إلى أن الفيلم، رغم ارتباطه بجغرافيا محددة، يحمل امتداداً إنسانياً واسعاً؛ لأن جوهره لا يتعلق فقط بالهجرة، بل بالبحث عن معنى في عالم يزداد قسوة، وبالسعي للاحتفاظ بما تبقى من الذات في لحظات الانكسار.

وترى أن التوتر النفسي الذي يعيشه أبطال الفيلم، سواء كانوا مهاجرين أو رجال شرطة، يعكس صورة أكثر تعقيداً للواقع؛ واقع يكشف أن الجميع محاصرون بشكل أو بآخر داخل حدود لم يختاروها.

وتختم بالقول إن "الركض الصامت" ليس فيلماً عن الهجرة كما يراه البعض، بل عن الركض الداخلي الذي يعيشه الإنسان حين يجد نفسه واقفاً بين ماضٍ لا يستطيع العودة إليه، ومستقبل لا يعرف الطريق إليه.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية