اليوم العالمي لمناهضة العنف الجنسي ضد الأطفال.. مسؤولية جماعية لوقف الانتهاكات وكسر الصمت
يحتفل به 18 نوفمبر من كل عام
يبرز اليوم العالمي لمنع ممارسات الاستغلال والانتهاك والعنف الجنسي ضد الأطفال والتعافي منها، بوصفه، محطة دولية سنوية تهدف إلى تسليط الضوء على واحدة من أخطر القضايا التي تهدد الطفولة حول العالم، ويأتي تخصيص يوم 18 نوفمبر من كل عام لهذه المناسبة بموجب قرار اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في السابع من نوفمبر عام 2022، حيث تم إقرار هذا اليوم بوصفه إطاراً عالمي لتعزيز الجهود الهادفة إلى القضاء على جميع أشكال الاستغلال الجنسي للأطفال والاعتداء والعنف ضدهم، ودعم الناجين في رحلة الشفاء، وحماية كرامة الأطفال وحقوقهم.
وتسعى الأمم المتحدة عبر تخصيص هذا اليوم إلى تعزيز التوعية، وضمان المساءلة، وتمكين المجتمعات من تبني آليات حماية فعالة، إلى جانب دعوة الحكومات والمؤسسات والأفراد للقيام بدور مباشر في الوقاية، والدعم، والتشافي.
وتدعو المنظمة الدولية كافة الدول الأعضاء والجهات ذات الصلة في منظومة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والدينية والمجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية والقطاع الخاص إلى إحياء هذا اليوم، ما يعزز الوعي والمساءلة ويضمن توفير بيئة آمنة للأطفال في كل مكان.
جذور اليوم العالمي
جاء اعتماد هذا اليوم في سياق عالمي تزايدت فيه التحديات التي تعوق حماية الأطفال، خاصة في أعقاب جائحة كورونا، وما صاحبها من أزمات اقتصادية واجتماعية أثرت في الأسر والمجتمعات، كما أدى تصاعد الصراعات، وتنامي آثار تغير المناخ، وحدوث الكوارث الطبيعية، إلى خلق بيئات هشة تزيد من مخاطر تعرض الأطفال للاستغلال والإيذاء والعنف الجنسي.
وأوضحت الأمم المتحدة عند إعلان هذا اليوم أن حماية الأطفال من العنف والاستغلال تمثل ركيزة أساسية في خطة التنمية المستدامة لعام 2030 التي وضعت حق الأطفال في العيش بكرامة بعيدًا عن العنف ضمن أهم أولوياتها.
وتشير أهداف التنمية المستدامة إلى ضرورة إنهاء الاستغلال والإيذاء والاتجار والتعذيب وجميع أشكال العنف ضد الأطفال، وإلى القضاء على الممارسات الضارة المتجذرة في بعض المجتمعات، مثل زواج الأطفال والزواج المبكر والقسري وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث.
ويهدف هذا اليوم إلى تعزيز التزام الدول والمجتمعات بتبني سياسات فعالة لحماية الأطفال، وضمان حصول الناجين على العدالة وسبل الإنصاف والدعم، مع تأكيد أهمية مكافحة الوصمة التي تمنع الأطفال من طلب المساعدة، وتعرقلهم عن البدء في رحلة الشفاء.
الواقع العالمي للانتهاكات
تؤكد البيانات الدولية أن الاستغلال والإيذاء والعنف الجنسي ضد الأطفال يمثلون أزمة عالمية تطول ملايين الأطفال، ويقع عدد لا يحصى من الشباب سنويًا ضحية لسوء السلوك والاستغلال الجنسي، حيث تنتشر هذه الانتهاكات في مختلف البيئات والدول والطبقات الاجتماعية، دون استثناء.
ويتعرض الأطفال، وبخاصة الفتيات، لمخاطر متزايدة تتمثل في الجنس القسري، والاستغلال الجنسي، والعنف داخل شبكة الإنترنت وخارجها، وفي سياقات النزاعات المسلحة، ترتفع هذه المخاطر بشكل كبير، حيث تصبح حماية الأطفال أكثر هشاشة نتيجة للتهجير، وفقدان الأسرة، وانهيار الخدمات الأساسية.
وتشير التقديرات إلى أن نحو 120 مليون فتاة تحت سن العشرين تعرضن لأشكال مختلفة من الاتصال الجنسي القسري، وعلى الرغم من غياب تقديرات عالمية موحدة لانتشار العنف الجنسي ضد الأولاد، فإن البيانات الواردة من 24 دولة ذات دخل متوسط وعالٍ تشير إلى أن انتشار هذه الممارسات يتراوح بين 8% إلى 31% بين الفتيات، وبين 3% إلى 17% بين الأولاد دون سن 18 عامًا.
كما يعيش طفل واحد من كل أربعة أطفال دون سن الخامسة مع أم تعرضت للعنف من قبل الشريك، وتشير الدراسات المتعلقة بتجارب الطفولة السلبية إلى أن البالغين الذين تعرضوا لأربع تجارب سلبية أو أكثر في طفولتهم، ومنها الاعتداءات الجنسية أو الجسدية أو العاطفية، يكونون أكثر عرضة بسبع مرات للتورط في العنف بين الأشخاص، سواء بوصفهم ضحايا أو جناة، وأكثر عرضة بنسبة ثلاثين مرة لمحاولة الانتحار.
وإلى جانب ذلك، أقرّ واحد من كل 20 رجلاً بممارسة سلوك جنسي عبر الإنترنت يستهدف أطفالًا دون الثانية عشرة.
وتؤثر هذه الانتهاكات تأثيرًا عميقًا في صحة الأطفال الجسدية والعقلية والجنسانية، سواء على المدى القصير أو الطويل، حيث قد ترافقهم تبعات هذه التجارب طوال حياتهم، وتصل في بعض الحالات إلى حد التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
الوصمة والصمت
تظل الوصمة الاجتماعية من أكبر المعوقات التي تمنع الضحايا من طلب الدعم أو التقدم لطلب العدالة، فكثير من الأطفال الناجين لا يسعون إلى الحصول على المساندة اللازمة خوفًا من التمييز أو العقاب أو عدم التصديق، وتؤكد الأمم المتحدة أن معالجة وصمة العار تمثل جزءًا جوهريًا من دعوة هذا اليوم العالمي، إذ يساعد كسر الصمت المجتمعي في تمكين الضحايا وخلق مساحات آمنة لهم للتعبير.
وإلى جانب الوصمة، يُعَدُّ غياب التشريعات القوية أو ضعف تطبيقها عاملاً مؤثرًا في استمرار هذه الانتهاكات في كثير من الدول، ما يجعل الحاجة إلى تطوير السياسات الوطنية وتفعيل آليات الحماية أكثر إلحاحًا.
أهداف اليوم العالمي
يركز اليوم العالمي لمنع الاستغلال والانتهاك والعنف الجنسي ضد الأطفال والتعافي منها على عدة أهداف أساسية تعكس أولويات المجتمع الدولي في حماية الطفولة.
أولًا: الوقاية ومنع الانتهاكات
يحدد هذا اليوم دعوة مفتوحة لتعزيز وعي المجتمعات بمخاطر العنف الجنسي ضد الأطفال، وبخاصة عبر الإنترنت، والعمل على تطوير برامج وقائية داخل المدارس والمجتمعات والأسر، كما يدعو الدول إلى تبني سياسات وتشريعات صارمة تضمن الحماية وتحد من الإفلات من العقاب.
ثانيًا: الحماية ودعم الناجين
تؤكد الأمم المتحدة في هذا اليوم ضرورة ضمان حماية فعالة للأطفال من خلال توفير خدمات تعليمية وصحية ونفسية واجتماعية، وتطوير نظم حماية متكاملة تستجيب لاحتياجات الأطفال في مختلف البيئات، ومنها الأزمات الإنسانية والنزاعات.
ثالثًا: التشافي وإعادة التأهيل
يبرز هذا اليوم أهمية توفير خدمات شاملة للشفاء والدعم النفسي والطبي للأطفال الذين تعرضوا للعنف الجنسي، ويُشدد على الدور المهم لمقدمي الرعاية الصحية الذين يتمتعون بقدرة فريدة على تقديم استجابة متعاطفة تسهم في تمكين الناجين من تجاوز الصدمة، وبناء الثقة، واستعادة التوازن النفسي.
رابعًا: العدالة والمساءلة
يؤدي هذا اليوم دورًا مهمًا في تأكيد محاسبة الجناة، وضمان حصول الضحايا على العدالة وسبل الإنصاف والتعويض، ويشجع على تعزيز نظم العدالة الوطنية، ورفع كفاءة العاملين فيها للتعامل مع قضايا الاعتداء الجنسي على الأطفال بحساسية ومهنية.
خامسًا: التعاون متعدد الأطراف
يدعو اليوم العالمي إلى مشاركة الحكومات والمؤسسات الدولية والمجتمع المدني والقطاع الخاص والجهات الدينية إلى العمل جنبًا إلى جنب لمواجهة هذه الأزمة، عبر مزيج من التوعية، والسياسات، وبرامج الدعم المباشر، وبناء القدرات المجتمعية والمؤسسية.
يأتي اليوم العالمي لمنع الاستغلال والانتهاك والعنف الجنسي ضد الأطفال والتعافي منها ليعيد تذكير العالم بأن حماية الطفولة ليست مسؤولية فرد واحد أو جهة واحدة، بل هي مسؤولية جماعية تستلزم تضافر الجهود الدولية والوطنية والمجتمعية، ومع ارتفاع أعداد الضحايا وانتشار الانتهاكات عبر الحدود والفضاءات الرقمية، تتضاعف أهمية جعل هذا اليوم منصة لتجديد الالتزام العالمي بالوقاية والحماية والتشافي والعدالة.
ولا تعني حماية الأطفال من العنف الجنسي فقط حماية حاضرهم، بل حماية مستقبل المجتمعات بأكملها، ويظل يوم 18 نوفمبر مناسبة دولية تدعو العالم إلى مواجهة الحقيقة، وكسر الصمت، وتبني سياسات وبرامج تستند إلى الأدلة، وتمكين الناجين والناجيات من استعادة كرامتهم وحقوقهم.











