بين حمى الضنك والدفتيريا وماربورغ.. اليمن في مواجهة أمراض قاتلة وانهيار القطاع الصحي

بين حمى الضنك والدفتيريا وماربورغ.. اليمن في مواجهة أمراض قاتلة وانهيار القطاع الصحي
مريضة تتلقى الرعاية الطبية في اليمن

تواجه المحافظات الخاضعة لسلطة الحكومة الشرعية في اليمن وضعاً صحياً بالغ الخطورة بعد تسجيل 183 حالة وفاة نتيجة تفشي حمى الضنك والدفتيريا والحصبة منذ مطلع العام الحالي، وتعكس هذه الأرقام حجم التدهور الذي يضرب البنية الصحية الضعيفة أصلاً، وتراجع برامج التحصين التي كان من شأنها منع انتشار هذه الأمراض التي عرفها اليمن في دورات وبائية متكررة خلال السنوات الماضية، وتؤكد مصادر طبية أن الوضع الميداني ينذر بموجات إضافية يصعب احتواؤها في ظل النقص الحاد في الأدوية وشح الكوادر الطبية وضعف قدرات التشخيص.

حمى ودفتيريا وحصبة

تشير البيانات الأولية إلى تسجيل تسع وخمسين وفاة بحمى الضنك وأكثر من اثنتي عشرة ألف إصابة موزعة على مختلف المحافظات، ويرجح الأطباء بحسب موقع “بوابتي” أن الأعداد الفعلية أعلى بكثير مما هو معلن بسبب ضعف القدرة على إجراء الفحوص المخبرية واعتماد السكان على المعالجة المنزلية في الكثير من الحالات، وتتكاثر البعوضة الناقلة للمرض في بيئات ملوثة وبرك راكدة خلفتها السيول وانهيار شبكات الصرف الصحي في عدد من المدن، ما أسهم في توسيع رقعة الإصابات خصوصاً بين الأطفال والنساء.

إلى جانب انتشار الضنك، سجلت المرافق الصحية 30 وفاة بالدفتيريا ونحو 400 إصابة مؤكدة. وتعد الدفتيريا من الأمراض التي يمكن التحصين ضدها بسهولة، إلا أن تعطّل حملات التطعيم خلال السنوات الأخيرة، ونزوح آلاف الأسر من مناطق الصراع، ترك شرائح واسعة من الأطفال دون تغطية وقائية، ويؤكد العاملون في القطاع الصحي أن معظم الحالات المكتشفة وصلت في مراحل متأخرة نتيجة ضعف الوعي ونقص الإمكانات، ما أدى إلى ارتفاع معدل الوفيات.

يعد تفشي الحصبة أحد أخطر التحديات الراهنة، حيث سجل اليمن أربعاً وتسعين وفاة من بين أكثر من 13 ألف إصابة، وتمثل هذه الأرقام مؤشراً على انهيار منظومة التطعيم التي تعد خط الدفاع الأول في مواجهة الحصبة. ويشير مختصون إلى أن انتشار المرض لا يقتصر على مناطق نائية بل يمتد إلى المدن الكبرى التي تواجه ضغطاً سكانياً هائلاً وتراجعاً في الخدمات الأساسية. ويؤكدون أن معدل انتقال المرض مرشح للارتفاع مع تداخل عوامل النزوح والفقر وسوء التغذية.

وفي الوقت الذي يحاول فيه القطاع الصحي السيطرة على موجات الأمراض الحالية، رفعت وزارة الصحة في عدن مستوى الجاهزية تحسباً لاحتمال وصول فيروس ماربورغ الذي ظهر مؤخراً في دول إفريقية مجاورة، واستعرض اجتماع موسع للوزارة قدرات المنافذ الحدودية والمختبرات الوطنية وخطط العزل وترتيبات الترصد الوبائي. ورغم الجهود المعلنة، يشكك خبراء في قدرة المنظومة الصحية المثقلة بالأعباء على مجابهة أي حالة محتملة نظراً لقصور التجهيزات ونقص مراكز العزل الملائمة.

عبء يتجاوز قدرة المستشفيات

تعاني المرافق الصحية في اليمن من نقص حاد في المستلزمات الطبية، وضعف القدرة على استقبال الحالات الحرجة، وفي عدة مدن، يضطر المرضى للانتظار لساعات طويلة قبل الحصول على الرعاية، في حين تلجأ أسر كثيرة إلى المعالجة في المنازل لعدم قدرتها على تحمل تكاليف النقل والعلاج، ويؤكد أطباء ميدانيون أن بعض المراكز الصحية تعمل حالياً بطاقات تشغيل لا تتجاوز نصف طاقتها الأصلية بسبب نقص الكوادر وهجرة الكثير من الكفاءات.

يشير العاملون في حملات الوقاية إلى أن برامج التحصين الوطنية التي كانت تغطي مختلف المحافظات قبل الحرب تعرضت لتراجع كبير في السنوات الأخيرة، وأدى انقطاع الكهرباء ونقص الوقود إلى تلف كميات كبيرة من اللقاحات، في حين حالت الظروف الأمنية دون وصول الفرق الطبية إلى مناطق نائية. كما أدى غياب التمويل إلى تراجع حملات التوعية التي لعبت دوراً مهماً في السنوات الماضية في رفع إقبال الأهالي على التطعيم.

الفقر وسوء التغذية يفاقمان الأزمة

يؤكد خبراء الصحة أن الفقر المتزايد وسوء التغذية المنتشر بين الأطفال أسهما بشكل مباشر في زيادة الوفيات، فالأطفال الذين يعانون من نقص المناعة يصبحون أكثر عرضة للمضاعفات عند الإصابة بالحصبة والدفتيريا والضنك، ويشير الأطباء إلى أن بعض الأسر أصبحت تعتمد على مساعدات غذائية محدودة غير قادرة على تأمين الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية، ما ينعكس على قدرة الأطفال على مقاومة الأمراض.

يطالب العاملون في القطاع الصحي بتعزيز أنظمة الترصد الوبائي وتكثيف حملات التحصين، باعتبارها الإجراءات الأكثر فاعلية للحد من انتشار الأمراض، كما يدعون إلى توفير دعم عاجل للمختبرات المركزية لتحسين قدرتها على تشخيص الإصابات الجديدة، إضافة إلى توسيع حملات التوعية المجتمعية للحد من انتشار البعوض ومسببات العدوى، ويرى متخصصون أن نجاح هذه الجهود يتطلب تنسيقاً وثيقاً بين الجهات الصحية المحلية والمنظمات الدولية العاملة في البلاد.

تحديات سياسية واقتصادية

تؤثر الأوضاع السياسية المعقدة في قدرة البلاد على مواجهة التحديات الصحية، فالانقسام الإداري بين مناطق السيطرة المختلفة يصعّب تنسيق حملات التطعيم ويشتت جهود الاستجابة، كما أدى ضعف الاستقرار الاقتصادي إلى تقليص ميزانيات الصحة وتراجع قدرة المستشفيات على شراء الأدوية والمستلزمات الضرورية، ويؤكد مراقبون أن أي تحسن حقيقي في الوضع الصحي يتطلب أولاً معالجة الجذور السياسية والاقتصادية للأزمة.

واجه اليمن خلال العقد الأخير واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، فقد أدى الصراع المسلح إلى انهيار قطاع الصحة وتدمير المنشآت الطبية ونزوح ملايين اليمنيين من محافظاتهم، وتضرب البلاد موجات متتالية من الأمراض الوبائية نتيجة تدهور البنى التحتية ونقص المياه النظيفة وانعدام الصرف الصحي في العديد من المناطق.

 كما تعاني منظومة التطعيم من تراجع مستمر منذ عام 2015، ما جعل البلد عرضة لعودة أمراض كان قد نجح في السيطرة عليها خلال العقود الماضية، وتؤكد منظمات دولية أن اليمن بحاجة ماسة إلى دعم طويل الأمد لإعادة بناء نظامه الصحي، لضمان قدرته على مواجهة الأوبئة ومنع انزلاق المزيد من الأسر نحو دائرة المرض والوفاة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية