اليمن في مواجهة مرض قاتل.. الدفتيريا تحصد أرواح عشرات الأطفال
اليمن في مواجهة مرض قاتل.. الدفتيريا تحصد أرواح عشرات الأطفال
مع بداية عام 2025، عاد مرض الدفتيريا ليطرق أبواب اليمن مجددًا، حاملاً معه رعبًا قديمًا كان يُظن أنه قد تراجع أو اختفى، لكن ضعف منظومة التحصين، وتراجع حملات التطعيم، والظروف المعيشية المنهكة التي يعيشها اليمنيون خلال سنوات الحرب، سمحت لهذا المرض بأن يستعيد قوته ويصيب مئات الأطفال في محافظات متعددة، مسجلاً عشرات الوفيات في وقت تتآكل فيه قدرات القطاع الصحي ويزداد الضغط عليه.
وأكد المركز الوطني للتثقيف الصحي والإعلام السكاني بوزارة الصحة العامة والسكان وفق ما نشره موقع "بوابتي" الاثنين، أن الأشهر الماضية شهدت ارتفاعًا واضحًا في حالات الدفتيريا، خصوصًا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، وبحسب مدير المركز، الدكتور عارف الحوشبي، فإن السبب الأساسي للانتشار الأخير يتمثل في حرمان الأطفال من التطعيم الروتيني ومقاطعة حملات التحصين التي تعتبر خط الدفاع الأول ضد هذا المرض القاتل.
أرقام تكشف خطورة الموقف
وفق الإحصاءات الرسمية للأسبوع الوبائي الرابع والأربعين للعام 2025، سجلت وزارة الصحة في اليمن نحو 399 حالة اشتباه وإصابة بالدفتيريا، وتمكن 316 مصابًا من الشفاء، فيما فارق 30 طفلًا الحياة، في حصيلة صادمة تعكس حجم الخطر الذي يهدد الأطفال في مختلف المناطق.
وكانت محافظة أبين الأكثر تضررًا، إذ سجلت 108 حالات بينها 6 وفيات، تلتها محافظة لحج بـ61 حالة و8 وفيات، إضافة إلى حالات متفرقة في مأرب وعدد من المحافظات الأخرى، وهذه الأرقام، رغم محدوديتها الظاهرية، تشكل مؤشرًا على إمكانية تفاقم الوباء إذا استمرت الفجوات القائمة في التحصين والرعاية الصحية.
ويشير أطباء محليون إلى أن معظم الأطفال المصابين ينتمون إلى أسر فقيرة تعيش في مناطق نائية، حيث يصعب الوصول إلى مراكز التطعيم أو حيث تنتشر الشائعات التي تشجع على رفض اللقاحات، وهو ما يسهم في اتساع نسب الإصابة.
تحذيرات طبية من تفشي أكبر
يشدد الدكتور عارف الحوشبي على أن الدفتيريا من الحالات التي يمكن الوقاية منها بسهولة عبر اللقاحات، لكن التهاون المتكرر في حملات التحصين جعل أعداد المصابين ترتفع بوتيرة مقلقة، ويؤكد أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى توسع أكبر في الإصابات وربما دخول البلاد في موجة وبائية واسعة تتجاوز قدرات المراكز الصحية على الاستجابة.
ويحذر مختصون من أن المرض لا يهدد الأطفال فقط، بل يمكن أن يصيب البالغين غير الملقحين أو الذين فقدوا المناعة مع مرور الوقت، ومع استمرار التراجع في الخدمات الصحية الأساسية نتيجة تردي الأوضاع الإنسانية جراء الحرب والنزاعات، تصبح الاستجابة لأي انتشار وبائي أكثر صعوبة وتعقيدًا.
معاناة أسر فقدت أبناءها
وراء كل رقم في الإحصاءات حكاية مؤلمة لأسرة فقدت طفلًا أو كادت تفقده، يروي والد إحدى الضحايا من محافظة لحج أن ابنته بدأت بشكوى بسيطة في الحلق ظنوا في البداية أنها نزلة برد، قبل أن تتدهور حالتها خلال ساعات قليلة، وعندما وصلت إلى المستشفى كانت قد اختنقت جزئيًا، ولم يتمكن الأطباء من إنقاذها.
تتشابه هذه القصص في معظم المناطق المتضررة، من حيث ارتفاع الحرارة، وصعوبة التنفس، وغشاء سميك في الحلق، ثم تدهور سريع قد يصل إلى الوفاة إذا لم يتوفر العلاج الفوري، ومع انعدام بعض الأدوية الأساسية وازدحام المستشفيات، تزيد احتمالات الموت خاصة بين الأطفال الأصغر سنًا.
تحديات صحية تعيق مكافحة الدفتيريا
يعاني اليمن منذ سنوات أزمة صحية غير مسبوقة نتيجة الحرب والانهيار الاقتصادي، مما أدى إلى تفشي أمراض كان يمكن السيطرة عليها بسهولة، مثل الكوليرا، والحصبة، والدفتيريا، وتعتمد البلاد بشكل كبير على دعم المنظمات الدولية لتوفير اللقاحات، لكن انقطاع حملات التحصين في بعض المناطق ورفضها في مناطق أخرى يخلق فجوة خطيرة يستغلها المرض للانتشار.
ويؤكد أطباء أن بعض الأسر أصبحت تخشى الذهاب لمراكز التطعيم بسبب ضعف الثقة بالقطاع الصحي، أو نتيجة شائعات خطيرة عن اللقاحات تنتشر على نطاق واسع، ما يجعل الأطفال هم الضحية الأولى لهذه الممارسات.
خطط للسيطرة على المرض
تسعى وزارة الصحة في اليمن وشركاؤها الدوليون إلى تنفيذ حملات طارئة للتوعية والتحصين في المناطق الأكثر تضررًا، ويشدد المسؤولون على ضرورة تلقي الأطفال للقاحات المجانية المتوفرة في العيادات والمرافق الصحية، باعتبارها الوسيلة الأساسية لحمايتهم من المرض.
لكن الاستجابة لهذه الحملات لا تزال متفاوتة، ففي بعض القرى، يتجمع الأهالي بالعشرات للاستفادة من اللقاحات، بينما في مناطق أخرى تُقابل الفرق الطبية بالرفض أو الخوف. ويقول عامل صحي إن الوصول إلى بعض المناطق الريفية قد يستغرق ساعات طويلة، وفي أحيان أخرى يتم منع الفرق من الدخول، مما يجعل مهمة حماية الأطفال عبئًا ثقيلًا.
دعوات لتعزيز الثقة بالتحصين
يؤكد خبراء الصحة أن بناء الثقة بين المجتمع والمنظومة الصحية هو حجر الأساس في مواجهة الدفتيريا، وينصحون بضرورة تفعيل حملات إعلامية توعوية تستهدف الأمهات والآباء، توضح خطورة المرض وفوائد اللقاحات، وتفند الإشاعات التي تتسبب في عزوف الكثيرين عن حماية أبنائهم.
ويشير مختصون إلى أن تحسين ظروف العاملين في المرافق الصحية، وتوفير اللقاحات في أوقاتها، وإعادة تشغيل مراكز الرعاية الأساسية، هي خطوات ضرورية لضمان عدم اتساع موجة الإصابات الحالية في اليمن.
مرض الدفتيريا
الدفتيريا، أو الخنّاق، مرض بكتيري ينتقل عبر الرذاذ ويسبب التهابًا حادًا في الحلق وتكوّن غشاء سميك قد يؤدي إلى اختناق المصاب في حال لم يتلقَ العلاج فورًا، ورغم أن المرض أصبح نادرًا في معظم دول العالم بفضل التحصين الشامل، فإنه عاد للظهور في اليمن خلال السنوات الماضية بسبب تراجع برامج التطعيم وضعف المنظومة الصحية.
بدأ المرض بالانتشار مجددًا منذ عام 2017، مسجلًا مئات الإصابات خلال السنوات اللاحقة، خصوصًا في المناطق التي يصعب الوصول إليها أو حيث تتوقف حملات التحصين، ومع الأزمة المستمرة التي يعيشها اليمن، تزداد المخاوف من توسع انتشار الخنّاق ليصبح أحد أخطر الأوبئة التي تهدد الأطفال، إلى جانب سوء التغذية والكوليرا والأمراض المنقولة بالمياه.
وتشير التقارير الدولية إلى أن أكثر من نصف الأطفال في اليمن معرضون لغياب اللقاحات الأساسية، خصوصًا في مناطق النزاع المتوتر، ومع ظهور موجة جديدة من الدفتيريا في عام 2025 تبدو البلاد مقبلة على تحدٍ صحي يتطلب استجابة محلية ومساعدات دولية عاجلة لمنع كارثة أكبر.








