سابقة قضائية.. القضاء الفرنسي يفتح باب اللجوء أمام فلسطينيي الضفة الغربية
سابقة قضائية.. القضاء الفرنسي يفتح باب اللجوء أمام فلسطينيي الضفة الغربية
أصدرت المحكمة الوطنية الفرنسية للجوء قراراً حقوقياً لافتاً يقضي بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية، المشمولين أصلاً بحماية وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، في التقدم بطلبات لجوء إلى فرنسا.
ويستند هذا القرار إلى قناعة قضائية مفادها أن الحماية التي يفترض أن توفرها الوكالة الأممية لم تعد مضمونة أو فعالة في الوقت الراهن، في ظل تطورات سياسية وأمنية غير مسبوقة تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة، بحسب ما ذكرت وكالة فرانس برس، الجمعة.
ويمثل هذا الحكم تحولاً مهماً في مقاربة القضاء الفرنسي لمفهوم الحماية الدولية، إذ يكسر القاعدة التقليدية التي كانت تعتبر أن وجود حماية أممية، ولو شكلية، يمنع تلقائياً قبول طلبات اللجوء الفردية.
تدهور أمني وحظر
استندت المحكمة في قرارها إلى معطيين أساسيين اعتبرتهما حاسمين في تقويض قدرة الأونروا على أداء دورها في الضفة الغربية.. الأول يتمثل في التدهور الأمني الحاد الناتج عن تكثيف العمليات العسكرية الإسرائيلية، وما يرافقها من اقتحامات واعتقالات وعنف متصاعد ضد المدنيين.
أما الثاني فيتعلق بدخول قانونين إسرائيليين حيز التنفيذ مع نهاية يناير 2025، يقضيان بحظر أنشطة الأونروا، ما أدى عملياً إلى شلل جزء كبير من قدرتها التشغيلية والإغاثية.
ورأت المحكمة أن هذا الواقع يجعل من غير الممكن افتراض وجود حماية فعلية للاجئين الفلسطينيين، وهو شرط جوهري يمنع عادة منح صفة اللجوء وفق القانون الدولي.
تطبيق لاتفاقية جنيف
منحت المحكمة صفة لاجئ لطالب لجوء فلسطيني من الضفة الغربية استناداً إلى الفقرة الثانية من المادة الأولى (د) من اتفاقية جنيف لعام 1951، والتي تتيح للاجئين المشمولين بحماية أممية أخرى الحصول على حماية بديلة عندما تصبح تلك الحماية غير متاحة أو غير فعالة.
وأكدت المحكمة أنها تحققت من عدم تورط مقدم الطلب في أي جرائم تستوجب استبعاده من الحماية الدولية، ومنها جرائم الحرب أو الجرائم الخطرة.
ويؤكد هذا التطبيق القضائي أن القانون الدولي للاجئين لا يُفسَّر بشكل جامد، بل يخضع لتقييم واقعي لمدى توفر الحماية الفعلية على الأرض.
امتداد لقرارات سابقة
لم يأتِ القرار بمعزل عن سياق قضائي أوسع، إذ سبق للمحكمة نفسها أن خلصت في سبتمبر 2024 إلى أن حماية الأونروا في قطاع غزة غير فعالة، في ظل الحرب الواسعة والدمار الشامل.
كما كانت المحكمة قد منحت، في يوليو من العام نفسه، صفة لاجئ لامرأة فلسطينية من غزة وابنها القاصر، معتبرة أن الفلسطينيين هناك معرضون للاضطهاد بسبب جنسيتهم، وأن الأساليب العسكرية الإسرائيلية ترقى إلى ممارسات خطرة بحق المدنيين.
ويشير هذا المسار إلى توجّه قضائي متنامٍ يعترف بأن الواقع الميداني في الأراضي الفلسطينية المحتلة تجاوز الأطر التقليدية للحماية الإنسانية.
السياق الحقوقي في الضفة
يتزامن القرار مع تصاعد غير مسبوق في انتهاكات حقوق الإنسان في الضفة الغربية، ولا سيما الاعتداءات التي ينفذها المستوطنون بحق المدنيين الفلسطينيين، وسط غياب المساءلة.
وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى تسجيل مئات الهجمات خلال أشهر قليلة، مع وصول شهر أكتوبر إلى أعلى معدل اعتداءات شهرية منذ بدء الرصد الأممي عام 2006، كما تواصل المؤسسات الدولية اعتبار الاستيطان غير قانوني بموجب القانون الدولي.
وترى منظمات حقوقية أن هذا المناخ من العنف المنهجي، إلى جانب القيود المفروضة على العمل الإنساني، يضع الفلسطينيين في وضع يرقى إلى الاضطهاد المستمر.
دلالات إنسانية وقانونية
يحمل قرار المحكمة الوطنية الفرنسية للجوء دلالات إنسانية وقانونية عميقة، إذ يفتح الباب أمام آلاف الفلسطينيين لإعادة النظر في حقهم بالحماية الدولية خارج الأراضي المحتلة، كما يشكل رسالة واضحة بأن فشل المجتمع الدولي في ضمان الحد الأدنى من الحماية داخل مناطق النزاع لا يعفي الدول من مسؤولياتها تجاه طالبي اللجوء.
ويؤسس هذا الحكم لسابقة أوروبية قد تشجع محاكم أخرى على تبني مقاربة أكثر واقعية وإنسانية تجاه ملف اللجوء الفلسطيني، في لحظة تاريخية تتآكل فيها منظومة الحماية الدولية تحت وطأة الصراعات والسياسات القسرية.











