من السكر إلى الذهب والسكك الحديدية.. تصعيد عمالي يكشف عمق الأزمة المعيشية في إيران

من السكر إلى الذهب والسكك الحديدية.. تصعيد عمالي يكشف عمق الأزمة المعيشية في إيران
جانب من احتجاجات العمال في إيران

تشهد عدة محافظات إيرانية تصاعدا لافتا في التحركات العمالية، مع استمرار الإضرابات والتجمعات الاحتجاجية في قطاعات حيوية تمتد من الزراعة والصناعة إلى التعدين والنقل والطاقة، هذه التحركات التي يقودها عمال يواجهون ظروفا معيشية صعبة وتدهورا في الأجور والمزايا، تعكس حالة احتقان اجتماعي متنامية في ظل غياب استجابة السلطات الإيرانية لمطالب وُصفت بأنها قانونية ومشروعة.

في محافظة خوزستان جنوب غربي إيران، يواصل عمال شركة كشت وصنعت قند خاورميانه في مدينة شوش إضرابهم المفتوح لليوم الرابع على التوالي، بحسب ما أفاد به الاتحاد الحر لعمال إيران، الإضراب الذي تزامن مع يوم 25 ديسمبر جاء نتيجة تراكم طويل للمشكلات المهنية، وسط تجاهل كامل من إدارة الشركة ودائرة العمل في شوش والجهات المعنية الأخرى، وفق ما يؤكده العمال المحتجون، وفق شبكة "إيران إنترناشيونال".

احتجاجات السكر في شوش

يمثل إضراب عمال شركة كشت وصنعت قند خاورميانه حلقة جديدة في سلسلة من التحركات التي شهدتها الشركة خلال الأشهر الماضية، ففي منتصف نوفمبر، سبق أن نظم العمال إضرابا مماثلا، أسفر حينها عن تدخل مجلس تأمين مدينة شوش، الذي ألزم صاحب العمل بتنفيذ عدد من المطالب، غير أن هذه التعهدات بقيت حبرا على ورق، إذ لم يلتزم رب العمل بأي منها، بل أقدم في 22 ديسمبر على فصل 3 عمال، ما فجّر موجة غضب جديدة داخل صفوف العمال.

ويؤكد العمال أنهم ماضون في الإضراب والاحتجاج حتى تحقيق مطالبهم كاملة، مشددين على أن التراجع لم يعد خيارا في ظل الأوضاع المعيشية الراهنة في إيران، وتشمل مطالبهم صرف بدل الطعام، واحتساب ساعات العمل الإضافي والعمل أيام الجمعة بشكل عادل، وتشكيل مجلس عمالي مستقل، وإجراء إصلاح شامل على نظام تصنيف الوظائف، ومعالجة مشكلة نوبات العمل الشاقة، إضافة إلى إعادة العمال المفصولين إلى وظائفهم، وتوظيف عمال موسميين من أبناء المنطقة بدلا من الاعتماد على عمالة غير محلية.

إضراب الذهب في تكاب

في شمال غربي إيران، تتواصل احتجاجات عمال منجم الذهب زرشوران في مدينة تكاب بمحافظة أذربيجان الغربية، حيث دخل الإضراب يومه العاشر، وفقا لما أوردته وكالة إيلنا العمالية، ويعد منجم زرشوران أكبر منجم ذهب في إيران، وتديره شركة توسعة معادن وصناعات زرشوران المعدنية.

العمال المحتجون يشكون من تدني الأجور والمزايا المالية مقارنة بزملائهم العاملين في المصنع، رغم طبيعة العمل الشاقة والخطرة داخل المنجم، ويطالبون بزيادة الرواتب، والاستفادة من المزايا المالية ومخصصات المناسبات، التي يقولون إنهم محرومون منها بشكل كامل.

أحد العمال المضربين أوضح أن متوسط الأجور لا يتجاوز نحو 20 مليون تومان، في وقت تشير فيه تقارير إعلامية إلى أن كلفة المعيشة الشهرية في إيران تبلغ نحو 58 مليون تومان، وأضاف أن العمال يعملون بعقود مقاولة، ولا يحصلون على نصيب عادل من مشقة العمل، مؤكدا أن هذا الوضع غير منصف ويستوجب تصحيحا فوريا.

الاتحاد الحر لعمال إيران أشار بدوره إلى أن مطالب عمال منجم زرشوران لا تزال دون استجابة، محذرا من أن صاحب العمل والمسؤولين المحليين يحاولون استنزاف نضال العمال ودفعهم إلى إنهاء الإضراب دون تحقيق أي مكاسب حقيقية.

احتجاجات السكك الحديدية

في قطاع النقل، يستمر إضراب عمال وموظفي صيانة الخطوط والمنشآت الفنية للسكك الحديدية في مناطق لرستان وزاغروس وأنديمشك، لليوم الخامس على التوالي، وبحسب بيان صادر عن القناة الرسمية لهؤلاء العمال على تطبيق تلغرام، فإن الإضراب بدأ منذ يوم 21 ديسمبر، احتجاجا على تدني الأجور وعدم الالتزام بالقوانين الناظمة لحقوق العاملين.

ويطالب العمال بتنفيذ القانون القاضي بإعادة شركة تراورس إلى ملكية الدولة، معتبرين أن خصخصة الشركة أسهمت في تدهور أوضاعهم الوظيفية والمعيشية، وحرمتهم من الاستقرار والأمان الوظيفي.

قطاع الطاقة

وفي قطاع الطاقة، واصل موظفو شركة نفط فلات قاره في جزيرة خارك تجمعاتهم الاحتجاجية، حيث امتنعوا يوم 24 ديسمبر عن التوجه إلى أماكن عملهم، وتجمعوا منذ الساعة 6 صباحا وحتى 12 ظهرا في المجمع الثقافي بالمنطقة، وفقا لما أفادت به قناة أفكار نفت.

وأكد المحتجون عزمهم الاستمرار في التحركات حتى تحقيق جميع مطالبهم المهنية والقانونية، والتي تشمل تعديل الحد الأدنى للأجور، وصرف كامل العلاوات والمزايا التشغيلية، ومزايا العمل بنظام الإقامة الدورية، ودفع مستحقات نهاية الخدمة كاملة، إضافة إلى الشفافية في احتساب ضرائب المناطق التشغيلية وإعادة الضرائب الزائدة المحصلة.

كما يطالب الموظفون بالتنفيذ الكامل للمادة 10 من القوانين الناظمة لعملهم، مع دفع المستحقات المتأخرة، وإلغاء التمييز بين الوظائف التشغيلية، وضمان الاستقلال الكامل لصندوق تقاعد قطاع النفط.

تبريز والاعتراض على الخصخصة

وفي مدينة تبريز، أعلن عمال ومتقاعدو مجموعة ماشين سازي تبريز رفضهم لإجراءات نقل ملكية شركات الآلات والمسابك التابعة للمجموعة بنظام الإيجار المنتهي بالتمليك، وفي بيان احتجاجي صدر يوم 25 ديسمبر، طالب العمال بنقل 100 في المئة من أسهم هذه الشركات إلى العاملين عبر شركة تعاونية إنتاجية تنموية، وفقا للقانون ولمبدأ المادة 44 من الدستور الإيراني.

وبحسب وكالة إيلنا، حمّل البيان سياسات الخصخصة التي نُفذت بأمر من المرشد الإيراني علي خامنئي مسؤولية إفلاس العديد من المصانع والشركات، وتأخر دفع الأجور لأشهر طويلة، وتسريح أعداد كبيرة من العمال.

وأكد البيان أن أي عملية نقل ملكية تتم بعقود سرية وتتجاهل حقوق العمال وأسهمهم تعد غير قانونية وقابلة للملاحقة القضائية والإعلامية، مشددا على أن العمال والمتقاعدين سيواصلون تحركاتهم حتى استعادة حقوقهم كاملة، وتنفيذ عملية نقل ملكية شفافة وشعبية.

صورة عامة للأزمة العمالية

تكشف هذه التحركات المتزامنة في قطاعات مختلفة عن عمق الأزمة العمالية في إيران، حيث تتقاطع مطالب تحسين الأجور مع غياب الأمن الوظيفي، وتداعيات الخصخصة، وارتفاع كلفة المعيشة، واتساع الفجوة بين الدخول ومستويات الأسعار، كما تعكس حالة من فقدان الثقة بين العمال وأرباب العمل والجهات الرسمية، في ظل تكرار الوعود غير المنفذة.

تأتي موجة الإضرابات الحالية في سياق اقتصادي صعب تمر به إيران، نتيجة العقوبات الدولية المستمرة، وتراجع قيمة العملة المحلية، وارتفاع معدلات التضخم، ما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية للعمال والموظفين، وتشير تقارير مستقلة إلى أن الحد الأدنى للأجور لا يغطي سوى جزء محدود من تكاليف المعيشة، بينما تواجه النقابات المستقلة قيودا قانونية وأمنية تحد من قدرتها على التفاوض الفعال، وفي ظل هذا الواقع، باتت الإضرابات والتجمعات العمالية إحدى الأدوات القليلة المتاحة أمام العمال للضغط من أجل انتزاع حقوقهم، رغم ما يرافقها من مخاطر وتحديات.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية