وسط تحذيرات حقوقية.. إضراب “فلسطين أكشن” يثير تساؤلات حول العدالة البريطانية

وسط تحذيرات حقوقية.. إضراب “فلسطين أكشن” يثير تساؤلات حول العدالة البريطانية
مطالب بإقاف تسليح إسرائيل

أعرب عدد من خبراء الأمم المتحدة عن "قلقهم البالغ" إزاء معاملة السجناء المرتبطين بحركة "فلسطين أكشن" داخل السجون البريطانية، في ظل دخولهم إضرابًا مفتوحًا عن الطعام، محذّرين من أن أوضاعهم الصحية المتدهورة تثير تساؤلات خطيرة حول مدى التزام المملكة المتحدة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، ولا سيما ما يتعلق بالحق في الحياة، وحظر المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

وفي بيان أممي حديث، شدّد المقررون الخاصون على أن الإضراب عن الطعام غالبًا ما يكون الملاذ الأخير لمن يشعرون بأن جميع سبل الاحتجاج والانتصاف القانوني قد أُغلقت أمامهم، مؤكدين أن واجب الدولة في رعاية المضربين عن الطعام لا يتراجع مع الإضراب، بل "يزداد ولا ينقص".

وطالب الخبراء السلطات البريطانية باتخاذ إجراءات عاجلة تضمن الوصول الفوري إلى الرعاية الطبية الطارئة والاستشفائية عند الضرورة، والامتناع عن أي ممارسات قد تُفسَّر بوصفها ضغطاً أو عقاباً أو انتقاماً.

جاءت هذه التحذيرات التي نقلها موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، في وقت حرج، مع وصول بعض المضربين إلى ما يقارب خمسين يومًا دون تناول الطعام، ودخول آخرين المستشفى في حالات وُصفت بالحرجة، ما أعاد تسليط الضوء على أزمة تتجاوز حدود السجون إلى اختبار علني لالتزامات بريطانيا الحقوقية.

بدأ إضراب السجناء المرتبطين بحركة "فلسطين أكشن" بوصفه خطوة احتجاجية فردية على ظروف الاحتجاز، لكنه سرعان ما تحوّل إلى قضية رأي عام، مع تصاعد المخاوف الصحية، وتزايد التضامن الحقوقي، وتوسّع التغطية الإعلامية.

يحتج السجناء على ما يصفونه بحرمانهم من محاكمات عادلة، وإخضاعهم للحبس الاحتياطي المطوّل، إلى جانب إجراءات داخل السجون يعدونها عقابية ومسيّسة، تستهدفهم بسبب مواقفهم الداعمة للقضية الفلسطينية، ونشاطهم الاحتجاجي ضد مصانع السلاح المرتبطة بتزويد إسرائيل بالأسلحة.

شهادات من خلف القضبان

في مقال مؤثر نشرته "الغارديان"، كتب السجين المضرب عن الطعام أمو جب شهادة شخصية من داخل زنزانته، قدّم فيها رواية تفصيلية عن التهم الموجهة إليه وإلى رفاقه، وأسباب الإضراب، وما وصفه بحملة تضييق ممنهجة داخل السجون البريطانية.

تحدّث جب عن فرض أوامر عدم تواصل وصفها بـ"الكاذبة"، والتلاعب بمواعيد الزيارات العائلية، ومنع السجناء من الالتحاق ببرامج تعليمية أو المشاركة في أنشطة ترفيهية، معتبرًا أن هذه الإجراءات تهدف إلى العزل النفسي والاجتماعي، وليس إلى حفظ الأمن أو النظام.

وأكد أن هذه المعاملة المشددة لا يمكن فصلها عن موقفهم السياسي، مشيرًا إلى أن دعمهم العلني لفلسطين وتحركاتهم ضد صناعة السلاح كانا العامل الحاسم في تشديد الإجراءات بحقهم، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات أوسع حول حدود حرية التعبير والعمل الاحتجاجي في بريطانيا.

مطالب حقوقية

لم يطرح المضربون عن الطعام مطالب تتعلق فقط بتحسين ظروف احتجازهم، بل رفعوا سقف مطالبهم لتشمل قضايا سياسية وحقوقية أوسع، وفي مقدمة هذه المطالب: إغلاق مصانع السلاح التي تزود إسرائيل، رفع الحظر المفروض على حركة "فلسطين أكشن"، وقف ما يصفونه بسوء المعاملة داخل السجون، الإفراج عنهم بكفالة إلى حين محاكمتهم، وضمان محاكمات عادلة وشفافة ضمن آجال معقولة.

ويرى السجناء ومؤيدوهم أن استمرار توقيفهم لفترات طويلة قبل المحاكمة يمثل عقوبة مسبقة تنتهك مبدأ قرينة البراءة، خاصة في ظل تراكم القضايا داخل النظام القضائي البريطاني، وتأخر البت فيها، وهو ما حذرت منه مرارًا منظمات حقوقية.

مع استمرار الإضراب بدأت الأوضاع الصحية للمشاركين فيه تتدهور بشكل مقلق، فقد نُقلت قيسرة زهرة البالغة من العمر 20 عامًا إلى المستشفى بعد انهيارها داخل السجن، في حين تجاوز بعض المضربين الأربعين يومًا دون طعام، ويعاني أحد السجناء من مرض السكري، ما يضاعف المخاطر الصحية التي يواجهها، إذ يكتفي بتناول الطعام يومًا بعد يوم فقط.

كما أنهى اثنان من السجناء إضرابهما بعد نقلهما إلى المستشفى، في مؤشر واضح على خطورة الوضع، ويحذر أطباء وحقوقيون من أن الإضراب المطوّل قد يؤدي إلى مضاعفات دائمة، تشمل تلف الأعضاء الحيوية أو الوفاة، إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لتفادي الأسوأ.

المعايير الدولية

في بيانهم شدد خبراء الأمم المتحدة على أن الوفيات التي يمكن تجنبها في أماكن الاحتجاز غير مقبولة على الإطلاق، مؤكدين أن الدولة تتحمل المسؤولية الكاملة عن حياة وسلامة من تحتجزهم. 

وأضافوا أن أي تأخير في توفير الرعاية الطبية، أو أي إجراءات قد تُعد وسيلة ضغط على المضربين، تشكل انتهاكًا واضحًا للمعايير الدولية.

وأثار الخبراء قلقهم إزاء تقارير تحدثت عن رفض إدخال سيارات إسعاف إلى أحد السجون في وقت كانت فيه إحدى السجينات عاجزة عن الوقوف من شدة الألم، ما استدعى تدخل متظاهرين خارج السجن للضغط من أجل نقلها إلى المستشفى.

في موازاة التحذيرات الأممية، نشرت "الغارديان" افتتاحية قوية دعت فيها الحكومة البريطانية إلى التراجع عن قرار حظر حركة "فلسطين أكشن"، وتحسين ظروف الاحتجاز، وضمان إجراءات قضائية عادلة، وإعادة النظر في فترات التوقيف السابقة للمحاكمة.

واستحضرت الصحيفة تجربة إضرابات الجوع في أيرلندا الشمالية عام 1981 التي انتهت بوفاة عشرة سجناء، بينهم بوبي ساندز، محذّرة من أن تجاهل الدروس التاريخية قد يقود إلى مأساة مماثلة، ويضع بريطانيا أمام أزمة أخلاقية وقانونية عميقة.

انتقادات رسمية

تواجه الحكومة البريطانية انتقادات متزايدة بسبب بطء استجابتها للأزمة، ووصف رئيس مجلس العموم ليندسي هويل عدم رد وزير العدل ديفيد لامي على استفسارات النواب بشأن أوضاع المضربين بأنه "غير مقبول على الإطلاق"، في حين ناشدت عائلات السجناء ومحاموهم الحكومة لعقد لقاء عاجل لمناقشة الأزمة.

في المقابل تقول الحكومة إنها تتعامل سنويًا مع مئات حالات الإضراب عن الطعام، ولديها خبرة في إدارتها، وهو ما اعتبره منتقدون تقليلًا من خصوصية وخطورة الوضع الحالي، وتجاهلًا لأبعاده السياسية والحقوقية.

وسلطت التغطيات الإعلامية، الضوء على ما اعتبرته ازدواجية معايير في تعامل الحكومة البريطانية، بين تشددها مع نشطاء داعمين لفلسطين داخل البلاد، وبين خطابها المعلن حول الدفاع عن حقوق الإنسان في الخارج، خصوصًا في سياق الحرب على غزة.

ومع مرور كل يوم، يضيق هامش الوقت أمام السلطات البريطانية لتفادي الأسوأ، فالإضراب عن الطعام، بوصفه وسيلة احتجاج سلمية، يتحول مع إطالته إلى خطر وجودي على حياة المشاركين فيه، وتداعيات أي وفاة محتملة لن تكون إنسانية فحسب، بل سياسية وقانونية وأخلاقية، وقد تضع بريطانيا أمام واحد من أكثر اختبارات حقوق الإنسان حساسية في تاريخها الحديث.



 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية