هل أصبحنا نكره الجمال؟
هل أصبحنا نكره الجمال؟
كلمات الغل والسواد وأحاسيس العدوانية التى صدرت من البعض ضد بنت متوسطة الحال، طالبة فى كلية آداب المنصورة، ذبحت أمام الجمهور وعلى الملأ فى الشارع وعلى باب الجامعة، ماهى دلالتها وهل فكرنا فى أسبابها وطرق علاجها؟
ومن قبلها طالبة تعرضت لتنمر مرعب وضغوط نفسية مدمرة فى جامعة طنطا لمجرد أنها ارتدت فستاناً، والصيدلانية التى تم التعدى عليها فى الوحدة الصحية بسبب شعرها المكشوف، والسيدة التى صفعها الصيدلى رغبة فى هدايتها، والطالبتان اللتان تعدت عليهما سيدة فى مترو الأنفاق بسبب ارتدائهما الجينز والتيشيرت..الخ، الخيط الذى يجمع كل هؤلاء، هو بالإضافة الى الشعر المكشوف، هو ملامح الجمال الذى للأسف صار يخاصم السائد من ارتباط التدين عند الكثيرين بإهمال الشكل والرشاقة، رغم أننا كنا دائماً نردد ان الله جميل يحب الجمال، وللأسف كثير من الشباب خاصة فى الريف يفسر اهتمام المرأة بشكلها وجمالها على أنه انحراف وفساد أخلاق ورغبة فى اصطياد الرجال…
الى آخر تلك المعانى المنحطة التى لاعلاقة لها على الإطلاق بمقصدها حين تتجمل وتتزين، فالمرأة حين تهتم بشكلها وبرشاقتها وزينتها..الخ هى تفعل ذلك لنفسها أولاً، وهى تفعل ذلك ليس رغبة فى تحرش الناس بها ولكنها تلبية لغريزة الاستحسان الاجتماعى التى تحكمك أنت كرجل حين تصفف شعرك أمام المرآة وترتدى البراند وتشكل وتنحت رشاقتك فى الجيم، ففى المجتمعات الطبيعية حين يقال للمرأة كلمة استحسان أنت جميلة أو الملابس رائعة أو الرشاقة موجودة،
فهذا استحسان اجتماعى ينتشر كالعطر فى المجتمع الصحى لا المجتمع الزومبي، المشكلة أن كثيراً من الرجال عندنا صار يستفز من جمال المرأة، وقد زرع فى أذهان النساء بالإجبار وبالخطأ أنها لكى تكون متدينة تديناً صحيحاً عليها أن تترك نفسها لتترهل بالشحوم ويساعدها فى ذلك الزى الذى يجعلها تراكم الدهون وتزيد فى الوزن دون أن تدرى أو تحاسب نفسها، حتى العطر فى عز الحر يزجرونها ممنوع ولتترك رائحة العرق تملأ المكان، وبالإضافة الى فوبيا الشعر هناك فوبيا الحواجب والرموش والكعب والصوت..الخ، وللأسف ليس الرجال فقط هم أفراد كتيبة المهاجمين لهؤلاء البنات ولكن انضم الى الكتيبة نساء يتحدثن بفجاجة وقسوة وجلافة عن تلك البنات، لاحظوا السيدات اللاتى تهاجمن نيرة طالبة المنصورة فى الفيديوهات، دونوا ملاحظاتكم من حيث اللغة والشكل ورنة الحقد فى ثنايا كلمات تلك المهاجمات، لاحظوا المهاجمات لحبيبة طالبة الفستان وأيضاً الصيدلانية وبنات المترو وغيرهن، والصادم أننا تجاوزنا مرحلة انتقاد رجال غرباء وسيدات غريبات لاصلة بينهم وبين من تتعرض للهجوم بسبب جمالها أو كشفها شعرها أو ارتدائها لفستان أو بنطلون جينز،
ولكن المصيبة والكارثة أننا قد بدأنا نسمع عن أمهات تعاقبن بناتهن فلذات أكبادهن بمنتهى العنف بسبب عدم دفن جمالهن!! ولتتذكروا الأم الممرضة التى دهست بنتها بالسيارة فى الاسماعيلية لأنها نزلت الى الشارع بدون غطاء رأس!!! كادت البنت تموت بسبب أنها قد كشفت شعرها، والأهم أنها كانت على شفا تهشيم عظامها لأن ملامحها جميلة، ونحن قوم صرنا نعادى الجمال!!!
هل من الطبيعى والعادى أن يتحمس مواطنون مصريون لتجميع الدية وإجبار أهل المذبوحة على العفو عن القاتل، ويتصاعد الأمر لنهش عرضها وتلويث سمعتها وشرفها دفاعاً عن القاتل الذى تردد أنه كان دائم الضرب لأمه وشقيقتيه لنفس السبب وهو فوبيا الجمال والعدوانية تجاه أى سلوك تتحقق من خلاله البنت، ثم بعد أن اقتنعنا بأن كل ماسبق مجرد صدف عابرة ومظاهر على السطح لا فى العمق، استيقظنا على نفس الزومبى الذين لم تعجبهم بطلة الجرى بسنت حميده التى شرفت مصر ورفعت علمها فى دورة البحر الأبيض، هاجموها بسبب ملابسها الرياضية وارتدائها الشورت، وكأنها كانت ولابد أن ترتدى النقاب وتدخل المسابقة وتجرى وتتعثر وتنكفئ على وجهها لكى تعجب أذواقنا وتصبح على مقاس كتالوجنا الأخلاقي!!! يعنى نكره نصرة الجمال وأيضاً نكره انتصار الوطن، عندما أقلب فى أغلفة المجلات القديمة فى الخمسينيات والستينيات، كنت أجد صوراً لفلاحات فى غاية الجمال والرشاقة، يبتسمن ببهجة وفرح أمام الكاميرات، معتزات بجمالهن، فخورات بانسانيتهن، ولم تعبر أى فلاحة منهن أنها رخيصة أو متبرجة أو مغرية للرجال…الخ، أرجوكم بدلاً من الإفراط فى الحديث عن ضرورة تغطية الحلوى المكشوفة، فلترتقوا بأخلاق الذباب.
نقلًا عن “الأهرام"
كاتب المقال: دكتور خالد منتصر مقدم ومعد برنامج خارج النص على قناة أون المصرية