موريتانيا تعزز التواصل بين المكونّات العرقيّة في البلاد بتدريس اللغات الوطنية

موريتانيا تعزز التواصل بين المكونّات العرقيّة في البلاد بتدريس اللغات الوطنية

بدأت موريتانيا خلال شهر يناير الجاري تدريس اللغات الوطنية في مدارس تكوين المعلّمين، في خُطوة تأتي ضمن سياسة جديدة اعتمدتها وزارة التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي بهدف توطيد اللُّحمة الوطنية وتوحيد الهويّة اللغوية وتعزيز التواصل بين المكونّات العرقيّة في البلاد.

وتقتضي المقاربة، التي اعتمدتها وزارة التهذيب تنفيذا للقانون التوجيهي للتعليم وبدأ تطبيقها في العاصمة نواكشوط والداخل، تدريس اللغة البولارية في ولايات الحوضين ولعصابه وكوركل ولبراكنه وتكانت، بوصفها أكثر استعمالا هناك، في حين ستُدرّس اللغة السوننكية في غيدي ماغه، واللغة الولفيّة في ولاية اترارزه، وفق وكالة أنباء العالم العربي.

ويُشكّل تدريس اللغات الوطنية في مدارس تكوين المعلمين المرحلة الأولى من تنفيذ هذا القانون؛ ومن المتوقع أن يُعمّم تدريسها في المدارس العمومية في السنة الدراسية المقبلة (2024-2025).

ويأتي قرار تدريس اللغات الوطنية استجابة لأصوات كثيرة تُطالب باعتمادها في المناهج التعليمية لتعزيز الهويّة الوطنية والتواصل الثقافي لمجتمع يتألف من أربعة مكونات عرقية، أولها العرب الذين يتحدثون الحسانية المنحدرة من اللغة العربية، والبولار والسونونكي والولوف، وهي مكونات إفريقية تُمثّل أقليّات في موريتانيا.

 سد الفجوة اللغوية والمجتمعية

وقال وزير التهذيب الوطني الموريتاني المختار ولد داهي إن تدريس اللغات الوطنية سيُمكّن من التعايش الأخوي والتواصل بين مكوّنات الشعب الواحد ومن "توطيد اللُّحمة الوطنية".

وينص القانون التوجيهي، الذي صدّقت عليه الحكومة عام 2022، على تدريس إحدى اللغات الوطنية الثلاث للطلاب الناطقين بالعربية كلغة أم، فيما ستُدرّس اللغة العربية لمن هم ليسوا كذلك، إلى جانب تدريس اللغة الفرنسية من السنة الثانية، والإنجليزية من السنة الأولى في مرحلة التعليم الثانوي.

واعتبر العضو السابق في مجلس إدارة المعهد التربوي الوطني عثمان ولد الشيخ، أن خطوة تدريس اللغات الوطنية في مدارس تكوين المعلمين في موريتانيا تتيح فرصة مهمّة لتعزيز التواصل الثقافي وتحقيق التوحيد اللغوي في المجتمع.

وقال ولد الشيخ إن تدريس اللغات الوطنية يتطلّب نهجا متكاملا يشمل عدة جوانب لضمان فاعلية العملية التعليمية وتحقيق الأهداف المرجوة. وكان الرجل قد شارك في الأيام التشاورية لإصلاح التعليم التي نظمتها الحكومة الموريتانية عام 2021.

وقوبل قرار تدريس اللغات الوطنية بالترحيب والتأييد من قبل كل ألوان الطيف السياسي وهيئات المجتمع المدني في موريتانيا، باعتباره خطوة مهمة لسد الفجوة بين مكونات المجتمع الموريتاني المتميز بتنوّعه العرقي.

ويرى أستاذ اللغة البولارية في مدرسة تكوين المعلمين جبريل با، أن تدريس اللغات الوطنية خطوة في غاية الأهمية لسد ما وصفها بالهوة بين أبناء المجتمع الموريتاني، الذين تظل اللغة هي العائق أمام التواصل فيما بينهم.

وقال إن "تدريس اللغات الوطنية خطوة مهمة نحو بناء مجتمع موريتاني متماسك ومتفهم، يسد هذا التوجه الفجوة بين أفراد المجتمع ويعزز التلاحم الوطني، ما يجعله أساسا لتحقيق تقدم مستدام وتعايش فعّال".

وأضاف جبريل أن تدريس اللغات الوطنية سيُمكّن من سد الفجوات اللغوية بين الطلاب من خلال توفير فرص للتعلُّم بلغات متعددة وأن من شأنه كفالة التواصل بشكل أفضل بين الطلاب وتحسين فهمهم المتبادل.

ويشير إلى أن تنفيذ هذا القرار يتطلّب تصميم مناهج فعّالة وتوفير الموارد التعليمية الكافية، وهو أمر يتطلب تحديث المناهج الدراسية.

 تحديات النجاح

ويرى الخبير التعليمي عثمان ولد الشيخ أن أحد التحديات الرئيسية أمام التنفيذ الناجح للقرار يتعلق بتكامل المناهج، إذ يتطلب تدريس اللغات الوطنية تناغما فعّالا مع المناهج الحالية، وهو أمر يحتاج إلى جهد إضافي لتحديث المناهج وتطويرها بما يعكس تطلعات المجتمع ويحقق أهداف التعليم.

وقال إن نقص المعلمين المؤهلين لتدريس اللغات الوطنية هو من بين التحديّات الرئيسية التي تواجه هذا القرار، إذ إن تدريسها يتطلب معلمين مؤهلين أكاديميا ومهنيا ولديهم القدرة على التدريس بطريقة فعّالة.

وأشار ولد الشيخ إلى أن "تدريس اللغات يعتبر تحوّلا إيجابيا نحو بناء مجتمع موحد يتمتع بالتنوّع الثقافي واللغوي ويعكس التزام الحكومة بتعزيز اللُّحمة الاجتماعية وتعزيز التفاهم بين أبناء الوطن".

كانت الحكومة الموريتانية قد صادقت نهاية عام 2022 على مشروع مرسوم ينص على إنشاء مؤسسة عمومية ذات طابع إداري تُسمى معهد ترقية وتدريس اللغات الوطنية، ويحدد قواعد تنظيمها وسير عملها.

وسيتولى المعهد تدريب الأشخاص المكلفين بتدريس هذه اللغات في المؤسسات التربوية وضمان إعداد الأدوات التربوية.

وفي نوفمبر الماضي، تم تنصيب أعضاء المجلس العلمي لمعهد ترقية وتدريس اللغات الوطنية المكون من 14 عضوا، يمثلون الخبراء في مجال التربية والتعليم وهيئات المجتمع المدني.

وبحسب وزارة التهذيب، فإن المعهد سيبدأ في القريب العاجل في "تكوين المكونين والمدرسين وإعداد الوسائل التربوية والبرامج الدراسية"، ضمانا لتوفير كل الشروط اللازمة لبدء الدراسة في وقتها المقرر.

وأكد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني بمناسبة افتتاح السنة الدراسية عام 2022 "أهمية المدرسة الجمهورية في صيانة اللُّحمة الوطنية وإعطاء كل أبناء الشعب الفرصة في الدراسة دون تمييز وبعدالة ومساواة".

ويندرج تدريس اللغات الوطنية وإطلاق المدرسة الجمهورية في إطار إصلاح نظام التعليم في موريتانيا، والذي يهدف إلى محو الفروق بين الطلاب وتعزيز قيم الجمهورية والوحدة الوطنية، وهو أحد الوعود التي قطعها الغزواني على نفسه في الانتخابات الرئاسية لعام 2019.

واعتُمد هذا النموذج تنفيذا لتعهد الرئيس الموريتاني خلال حملته الانتخابية في عام 2019 بإقامة المدرسة الجمهورية بهدف إعادة الاعتبار للتعليم العمومي بعد أن هجره كثير من الموريتانيين في العقود الأخيرة.

ويلفت مختصون في قطاع التعليم إلى أن عدم الاهتمام بالمدارس الحكومية في العقود الماضية أدى إلى تدهور التعليم العمومي في موريتانيا وانتشار انطباع سيئ عن هذه المدارس لدى أولياء الأمور.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية