بسبب عوامل سياسية واقتصادية.. تفاقم ظاهرة تسرب ملايين الطلاب من التعليم يحاصر العراق

بسبب عوامل سياسية واقتصادية.. تفاقم ظاهرة تسرب ملايين الطلاب من التعليم يحاصر العراق

مع العام الدراسي الجديد في العراق، تتكشف أزمة غياب ملايين الطلاب الذين تسربوا عن ركب التعليم، بسبب تدني الظروف المعيشية وتفشي الفساد الذي تضع معدلاته البلاد في المرتبة الـ154 من بين 180 دولة، وسط مخاوف من زيادة وتيرة التسريب المدرسي والدخول في نفق مظلم مستقبلا. 

وتعد ظاهرة التسرب من المدارس من أبرز التحديات التي تواجه النظام التعليمي في العراق، حيث تشير التقارير إلى تزايد مقلق في هذه الظاهرة مع تقديرات بأن نحو 3 ملايين طفل عراقي خارج مقاعد الدراسة.

دمج المتسربين في المدارس الحكومية

وفي محاولة للتصدي لهذه الظاهرة، أطلقت الحكومة العراقية حملة واسعة لدمج الأطفال المتسربين في المدارس الحكومية، تزامنًا مع العام الدراسي الجديد الذي من المتوقع أن يضم حوالي 11 مليون طالب.

وأواخر سبتمبر الماضي، بدأ العام الدراسي الجديد في العراق، ليعود الحديث عن أزمة التسرب من التعليم، خاصة مع توافد نحو 12 مليون طالب على المدارس في مختلف المحافظات العراقية، وسط عجز في المباني المدرسية بنحو 8 آلاف مدرسة، مع عدم كفاية نحو 28 ألف مدرسة في المحافظات، وفق تقارير محلية.

وكشف تقرير لمنظمة اليونيسف لعام 2023، أن نحو 30 بالمئة من أطفال العراق لا يكملون تعليمهم الابتدائي، ويزداد الوضع خطورة في المرحلة الثانوية، إذ تقترب معدلات التسرّب المدرسي إلى 45 بالمئة، وقد تصل إلى 50 بالمئة في بعض المناطق.

وأوضح التقرير الأممي أن معدل الوصول إلى التعليم الابتدائي مرتفع، إذ يبلغ معدل الالتحاق الصافي 91.6 بالمئة، ولكن معدل إكمال التعليم الابتدائي منخفض إذ يبلغ 76 بالمئة، ويبلغ معدل الالتحاق بالتعليم الثانوي الإعدادي 57.5 بالمئة، بينما يبلغ 33 بالمئة في التعليم الثانوي العالي، مع وجود تفاوت كبير بين الجنسين.

أعلى معدلات التسرب بين الإناث

ووفق اليونسكو واليونيسف والبنك الدولي، فإن أعلى معدلات التسرب هي بين الإناث 11.4% و5.4% من الذكور، وفق تقرير لوحدة الدراسات العراقية بمركز الروابط للدراسات الاستراتيجية والسياسية.

وفي عام 2016، بلغ عدد الأطفال النازحين الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدارس 355 ألف طفل، معظمهم من الفتيات، وضمن الفئة العمرية من 10 إلى 14 عاما لم يذهب 1 من كل 5 أطفال إلى المدرسة، وبالتالي لحق العراق من بين أعلى نسبة من البالغين الذين لا يجيدون القراءة ولا الكتابة، مقارنةً بدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفق التقرير ذاته. 

تداعيات الحروب والصراعات

وتاريخيا صنفت "يونسكو" النظام التعليمي في العراق منتصف سبعينيات القرن الماضي، كأحد أفضل النظم التعليمية على مستوى العالم، واحتل العراق حينها المركز الأول عربيًا، وبعد أكثر من 4 عقود أظهر مؤشر جودة التعليم الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في "دافوس" خروج العراق من معايير جودة التعليم العالمي مع الحروب والصراعات.

وتقول "اليونيسف" إن عقودا من الصراعات وغياب الاستثمارات في العراق دمرت النظام التعليمي الذي كان يعد في ما مضى أفضل نظام تعليمي في المنطقة، وأعاقت بشدة وصول الأطفال إلى التعليم الجيد، حيث إن هناك اليوم ما يقرب من 3.2 مليون طفل عراقي في سن الدراسة خارج المدرسة. 

في مسح أجرته اليونيسف مؤخرا وُجد أن 54 بالمئة من الأطفال من الخلفيات الاجتماعية الفقيرة لا يكملون تعليمهم الثانوي، وينتهي بهم المطاف في سوق العمل غير الرسمي، فيصبحون عرضة للإساءة والاستغلال.

ورصد التقرير ذاته أسبابا عديدة لأزمة التعليم منها المناهج القديمة، وضعف التطوير المهني للمعلمين الأكفاء، لأن بين أكثر من 394 ألف معلم في العراق، هناك حوالي 292 ألفا فقط مؤهلون أكاديمياً، في حين أن حوالي 100 ألف معلم لديهم معرفة قديمة ويحتاجون إلى إعادة تدريب وإعادة تأهيل. 

وكان التسرب المدرسي والرسوب الدراسي من أبرز أسباب ضعف النظام التعليمي كنتيجة الحروب وغياب الأمن والتي أدت إلى الهجرة القسرية، وازدياد نسب الأطفال اليتامى وفقدان الرعاية الأبوية.

وفي عام 2016 خصص العراق 5.7 مليار دولار للتعليم، لكن 91 بالمئة من ميزانية التعليم تذهب لتغطية الرواتب، في حين أن الاستثمار في التعليم كان ضئيلاً نسبيا، حيث بلغ قرابة 600 مليون دولار، وقد تم نهب معظمه، بحسب التقارير الرسمية المحلية آنذاك.

ويعد الفساد العامل الرئيسي المساهم الذي أثر بعمق على نظام التعليم في العراق، لا سيما في ظل ضعف آليات الرقابة والمساءلة على سبل إنفاق المال العام، ما أدى إلى شيوع الفساد الإداري والمالي وتدني الأجور في قطاع التعليم.

استشراء الفساد 

بدوره قال الباحث العراقي، حسين صالح السبعاوي، إن البنك الدولي  أصدر تقريرا في عام 2021 ذكر فيه أن أطفال العراق مهددون بخطر مؤكد بسبب تدني مستوى التربية والتعليم إلى الحد الأدنى، حيث تراجع العراق إلى أدنى المستويات مقارنة بدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وأضاف السبعاوي في تصريح لـ"جسور بوست": "قضية التعليم كبيرة ولا تتوقف عند أسباب مالية فقط، فهناك فساد داخل المؤسسات التربوية، حيث جاء بعض المعلمين بوساطة حزبية وسياسية طائفية، وهذا فساد سياسي ينضم للفساد الإداري والمجتمعي الذي يفاقم تسرب الطلاب من التعليم.

ويقدر البنك الدولي في تقريره لعام 2023 أن الفساد يكلّف العراق ما يقرب من 89 مليار دولار سنوياً حسب مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2023، حيث احتل العراق المرتبة 154 من أصل 180 دولة في عام 2022، ما يشير إلى مستويات حادة من الفساد في القطاع العام.

وأكد الباحث العراقي أن قضية الفساد في العراق معلومة داخليا وقطريا وإقليميا، لافتا أن الفساد في مجال التعليم يتضمن محورين رئيسيين وهما البنية التحتية للتعليم، كالبنايات المدرسية والإدارات التعليمية إضافة إلى الهيئات التدريسية.

وفي محور البنية التحتية للتعليم، أوضح السبعاوي أن العراق بحاجة إلى 10 آلاف مدرسة، وأن عدد المدارس الطينية بلغ 200 مدرسة، وأن عدد الأميين في العراق قد بلغ 8 ملايين مواطن، بحسب إحصاءات رسمية في عام 2021.

وتابع: "لم يتطرق المسؤولون إلى حجم النقص في المختبرات والمنشآت العلمية ومستلزماتها الرافدة للعملية التربوية، رغم الميزانيات العراقية سواء للتربية التي بلغت ٢2 مليار دولار بما يساوي 3 ترليونات دينار عراقي أو عموم ميزانية الدولة التي تجاوزت 100 مليار دولار، فإن العراق يعاني من كل هذا النقص في المدارس والجامعات".

ولفت الباحث العراقي إلى أن الهيئات التدريسية تحمل وجها آخر من هذا الفساد، موضحا: "هناك تراجع كبير في مستوى أداء الهيئات التدريسية بسبب قلة الكفاءة والفساد والشهادات المزورة التي ملأت العراق، خاصة في ما يخص الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه)، حيث تنتشر الجامعات التي تبيع شهادات الماجستير والدكتوراه للعراقيين، بينهم مسؤولون كبار في الدولة وأعضاء في البرلمان بمقابل يتراوح بين 5 و10 آلاف دولار.

وأضاف: "لجميع هذه الأسباب فإن مستوى التعليم بالعراق في أدنى المستويات، إضافة إلى عدم وجود مخططات استراتيجية لتطوير التعليم".

تقليص أعداد المتسربين 

وبحسب وسائل إعلام محلية في أغسطس الماضي، كشف مسؤول برامج التعليم في منظمة اليونيسف في العراق عمر وهاب، أن برنامج العودة إلى التعليم قلص أعداد المتسربين من المدارس.

ولفت وهاب إلى أن "البرنامج التجريبي للعودة إلى التعليم بدأ عام 2023 في محافظات ميسان ونينوى، حيث تم تشخيص نحو 19 ألف حالة تسرب من التعليم الأساسي، وجرى إعادة أكبر عدد منهم إلى مقاعد الدراسة من التعليم النظامي وغير النظامي.

وأضاف: “نأمل بالوصول في مرحلة أولى إلى 150 ألف طفل متسرب ومنقطع عن مقاعد الدراسة، من خلال التعاون بين وزارات التربية والصحة والداخلية، للوصول إلى أفضل النتائج في برنامج العودة إلى التعليم بالعراق”.

وبعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، استمر قطاع التعليم في الانهيار، وظل العراق ضمن نطاق الدول النامية في إجمالي الإنفاق على التعليم، حيث لم يتجاوز 8 بالمئة، بينما كانت الزيادة السكانية في ارتفاع سريع، وسط اتساع الفجوة الاقتصادية بين الطبقات الاجتماعية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية