‎الحقوقي محمود البدوي لـ«جسور بوست»: مشروع قانون الإجراءات الجنائية يتناقض مع الدستور المصري

مصر في حاجة لمفوضية لمكافحة التمييز وأخرى لمناهضة التعذيب

‎الحقوقي محمود البدوي لـ«جسور بوست»: مشروع قانون الإجراءات الجنائية يتناقض مع الدستور المصري
محمود البدوي

شهدت مصر تحولات كبيرة وهزات أمنية رافقت مرحلة الحرب على الإرهاب خلال السنوات الماضية، خرجت منها الدولة وأجهزتها الأمنية منتصرة على هذا العدو الذي حصد أرواح مئات المواطنين من المدنيين والعسكريين والعناصر الشرطية، وتسبب في فرض حالة استثنائية شهدت التضييق على بعض حقوق الإنسان وفرض حالة الطوارئ التي انتهت قبل سنوات.

وبعد القضاء على آخر معاقل الإرهاب، انطلقت الحكومة المصرية في مجالات مختلفة لتعزيز حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعلى رأسها الحق في السكن الكريم، عبر التوسع في إنشاء المدن الجديدة بنظام الإسكان الاجتماعي منخفض الثمن بالنسبة للمواطنين المستفيدين منه.

وتبرز خلال الفترة الحالية، مطالب حقوقية متجددة بإنجاز الاستحقاقات التي نص عليها الدستور المصري، خصوصا إنشاء مفوضية لمناهضة التعذيب، وأخرى لمكافحة التمييز، فضلا عن تحديث التشريعات المصرية بما يتناسب مع الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وكذلك التزامات مصر الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان والحريات.

المحامي والخبير الحقوقي المصري محمود البدوي، تحدث إلى "جسور بوست" حول حديث الساعة في مصر، وهو مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وأبرز النقاط الخلافية حوله، وما يحتويه من نصوص لم تضف جديدا، بل أبقت على عيوب القانون القائم، من إطلاق يد سلطات التحقيق والاتهام والإحالة، وحماية مأموري الضبط القضائي من المحاسبة على الانتهاكات الخاصة بالاعتداء على حرمة الجسد أو الانتهاكات المتعارضة مع مفاهيم ومبادئ حقوق الإنسان، وغيرها من المسائل الحقوقية .. وإلى الحوار:

كيف تصف مشروع قانون الإجراءات الجنائية المعروض على البرلمان؟

مشروع القانون يتعارض في بعض مواده مع مفاهيم الحق في محاكمة عادلة ومنصفة، وكذا عدم وجود ضمانات عادلة للحق في الدفاع، مثل حظر قيام المحامي بالكلام أثناء التحقيق، وكذا حظر إبداء الدفوع والطلبات إلا بإذن من عضو النيابة، وحق عضو النيابة في منع اطلاع محامي المتهم على التحقيق وجميع ما سبق هي حقوق دستورية وقانونية تتعلق بالحق في الدفاع وتكفل محاكمة عادلة ومنصفة للمتهم، وانتزاعها من مشروع القانون تهديد مباشر لتلك الحقوق والضمانات التي كفلها الدستور المصري وما جاء به من ضمانات في هذا السياق. 

وعلى الرغم من أن ظاهر هذا المشروع هو تحسين كفاءة النظام القضائي وتسريع وتيرة العدالة، فإن باطنه يخفي بين طياته مخاطر جسيمة تهدد حقوق وضمانات كفلها الدستور والمواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان للمتهم، وكذا لدفاعه حال مرحلتي التحقيق والمحاكمة، ذلك أن التعديلات المقترحة تمنح النيابة العامة ومأموري الضبط القضائي سلطات غير مسبوقة على حساب حقوق المتهم أو المحتجز وحقوق الدفاع، ومنها مثلا منح النيابة العامة سلطة واسعة في إصدار الأمر بإجراء تسجيلات للأحاديث التي تجري في مكان خاص، ومنح مأمور الضبط القضائي سلطة جوازية بالتحقيق مع المتهم وهو ما يتعارض مع سلطات التحقيق الخاصة بالنيابة العامة، وهو ما يعزز من هيمنة السلطة التنفيذية ويضعف من دور سلطة التحقيق والقضاء كضامنين لحقوق المواطنين في نزاع مع القانون.

هل تتعارض بعض مواد مشروع القانون مع ‎الدستور؟

نعم، هذه التعديلات تقلص من دور القاضي وتزيد من صلاحيات النيابة، وقد تُحدث نوعا من التعارض بين السلطات، والتي حرص الدستور المصري على تأكيد الفصل بينهما، وهو ما يُعرف بمبدأ الفصل بين السلطات، وهو واحد من أهم ركائز الدستور المصري.

لكن البعض ينظر لمشروع القانون بإيجابية لتقليصه مدة الحبس الاحتياطي التي شكلت صداعا حقوقيا خلال السنوات الماضية.

التعديلات المتعلقة بالحبس الاحتياطي على الرغم من تقليص مدته، فإنها لا تزال تسمح للنيابة العامة بتمديد احتجاز الأفراد لفترات طويلة دون محاكمة، ويمكن أن تؤدي إلى تنامي ظاهرة تدوير المتهمين التي تسمح بالتحايل على مدد الحبس الاحتياطي المنصوص عليها قانونا، وعلى الرغم من النص على تقليص مُدد الحبس الاحتياطي في بعض الحالات، فإن الاستثناءات الواسعة التي يتضمنها مشروع القانون الجديد قد تؤدي إلى استمرار هذه الممارسات دون رادع حقيقي، والمشروع بصورته الحالية قد يضع الدولة المصرية في موقف مُحرج على المستوى الدولي لكونه يتعارض مع التزاماتها الدولية.

ولماذا تبرز نقابتا المحامين والصحفيين كأبرز معارضي المشروع؟

نقابتا الصحفيين والمحامين أهم القلاع المدافعة عن الحقوق والحريات في مصر، وبالمناسبة هذه المؤسسات لا تدافع فقط عن مصالح أعضائها، لكنها كانت دائما في طليعة المدافعين عن كل الفئات، والتاريخ شاهد على انتصار نقابتي الصحفيين والمحامين لكل صاحب قضية وحق، وتتصدران المشهد في قضايا الرأي العام وقضايا الدفاع عن الحقوق والحريات. وكما تتلاحم النقابتان وتتجاوران في مكان واحد وفي شارع واحد، فإن النشاط النقابي لهما ينصب دائما على الدفاع عن حقوق المصريين. ولم يكن أمام النقابتين الوقوف دون تحرك أمام هذا القانون الذي يتغول على الحقوق العامة للصحفيين والمحامين والمواطنين دون تمييز.

في تقديرك.. من وضع هذا المشروع؟

الذي وضع مشروع القانون ليست لديه خلفية حقوقية، وليس مطلعا على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان التي صادقت عليها مصر، وغير مدرك لأهمية دور نقابة المحامين في الدفاع عن الحقوق والحريات. وغير مدرك أن فكرة الفصل بين السلطات تخدم العدالة، وهامة للتوازن بين سلطة التحقيق وسلطة التقاضي، وكذلك حق الدفاع.

وفي تقديري الأمر يحتاج إلى نوع من المواءمة بين كل هذه الأمور، مع الوضع في الاعتبار أن الدستور المصري تصل مواد الحقوق والحريات فيه إلى 25% من المواد الأساسية. 

وهل تعتقد أن مجلس النواب   برئاسة المستشار حنفي الجبالي وهو رئيس المحكمة الدستورية السابق سوف يمرر القانون بشكله الحالي؟

أعتقد أنه لن يمر هذا المشروع من البرلمان برئاسة المستشار الجبالي لأن الرجل تاريخه مشرف وناصع البياض، وفيه كثير من المواقف التي انتصر فيها للحقوق والحريات في مصر، وأنا كمحامٍ مشتغل بهذا المجال وأحد أبناء الحركة الحقوقية المصرية لدي ثقة كبيرة جدا أن مجلس النواب بتشكيلته التي تضم حقوقيين وصحفيين ومحامين سيكون لديهم نظرة مختلفة تجاه هذا المشروع، وأن القانون سيصدر بصورة ترضي جميع الأطراف، لكن بشرط الاستماع إلى كل الآراء ووضعها في الحسبان.

وما الوقت الذي تحتاجون إليه لصياغة قانون يتماشى مع معايير حقوق الإنسان؟ 

مشروع القانون الحالي بما فيه من مساوئ كثيرة أوضحنا بعضها يحتاج من 6 أشهر إلى سنة فقط للاستماع إلى آراء الجهات والمؤسسات والخبراء باستفاضة، ولجمع رؤى كثيرة حول هذا الأمر، ولا يوجد ما يدعو للعجلة، فالقانون القائم صدر منذ أكثر من 70 عاما، ولا أعتقد أن الانتظار عاما آخر سيكون مشكلة، ولكن المشكلة الحقيقية أن يصدر القانون بهذه الإشكاليات التي تتعارض مع نصوص الدستور وحقوق الإنسان.

بالإشارة إلى حقوق الإنسان.. كيف تصف الوضع الحقوقي في مصر؟ 

شهدت مصر في آخر 10 سنوات تركيبة جديدة في ما يخص التعاطي مع فكرة الحقوق والحريات، والتوأمة بين الحقوق المدنية والسياسية من ناحية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة أخرى، فضلا عن عدم إغفال مسألة التنمية وارتباطها بحقوق الإنسان الأساسية، ورأينا خلال السنوات الماضية طفرة في حزمة من الحقوق، مثل الحق في السكن والتوسع في إنشاء المدن الجديدة والإسكان الاجتماعي وكذلك المشروع القومي "حياة كريمة" لتحسين حياة سكان الريف والفئات الهشة في مصر.

وما أبرز الملفات التي تحتاج إلى معالجة فورية؟ 

أعتقد أن هناك عددا من الملفات في حاجة للتعاطي معها ولا يوجد ما يعيقها، مثل الإسراع في إنجاز الاستحقاقات التي نص عليها الدستور المصري، ومنها على سبيل المثال إنشاء مفوضية لمكافحة التمييز كآلية وطنية في هذا المجال المهم جدا، وكذلك إنشاء مفوضية خاصة بمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة المهينة أو اللاإنسانية، ووضع الالتزامات الدولية بموجب المعاهدات والصكوك الدولية التي انضمت إليها مصر أو صادقت عليها في الاعتبار خلال أي تعديلات تشريعية أو استحداث تشريعات جديدة.

وما تقييمك لأداء المجلس القومي لحقوق الإنسان في الاشتباك والتعاطي مع قضايا المجتمع المصري؟ 

المجلس القومي لحقوق الإنسان لا ينظم كثيرا من الفعاليات التي اعتدنا عليها خلال السنوات الماضية، ولا نرى له دورا بارزا في هذه المرحلة المهمة رغم أنه يضم في عضويته نخبة مميزة جدا من الزملاء الحقوقيين أصحاب التاريخ الطويل في الحركة الحقوقية المصرية بمختلف أطيافها وتنوعاتها. وفي تقديري أن المجلس بتكوينه الحالي قادر على النهوض بملفات الحقوق والحريات في مصر، لكنه ربما بحاجة إلى استراتيجية واضحة تتماشى مع استراتيجية الدولة الوطنية لحقوق الإنسان.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية