حقوق الإنسان بين الحقيقة والسياسة

حقوق الإنسان بين الحقيقة والسياسة

لا شك أن ملف حقوق الإنسان بعد ثورات الربيع العربي يُعد أحد أهم القوى الناعمة التي استخدمها الغرب، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، لحماية مصالحه السياسية والاقتصادية. وهي آلية استخدمت على نطاق واسع في منطقة الشرق الأوسط، مستخدمين فيها الأدوات الحقوقية المتاحة، وعلى رأسها المنظمات الدولية التي تملك التمويل المفتوح ولها صبغة سياسية، مثل منظمة Human Rights Watch، وأيضًا بعض المنظمات المحلية التي خرجت بعد ثورات الربيع العربي وتعاونت بشكل مكثف مع الدول الغربية التي لها مصالح سياسية واقتصادية في هذه الدول.

وفي قراءة لملف حقوق الإنسان في مصر، نجد أنها تعرضت لهجوم كبير بعد ثورة يناير ٢٠١١، وارتفعت وتيرة هذا الهجوم بعد ثورة يونيو بهدف تشويه سمعة مصر أمام المجتمع الدولي. تعاون في هذا الهجوم وسائل الإعلام الغربية والإقليمية مع بعض المنظمات الحقوقية الدولية التي لها أجندة سياسية، بالتعاون مع أكثر من ٢٠ منظمة حقوقية تنتمي لجماعة الإخوان تم تأسيسها بعد ثورة يونيو في أوروبا كسويسرا وألمانيا وإنجلترا وأيضًا الولايات المتحدة الأمريكية لتكون قريبة من صانعي القرار السياسي. والهدف واضح: تشويه صورة الدولة المصرية أمام المجتمع الدولي، وأيضًا تحسين صورة جماعة الإخوان الإرهابية وتصويرها على أنها جماعة سياسية مسالمة تم التنكيل بها.

لا أستطيع أن أنكر في بداية الأمر أن هذا الهجوم حقق نجاحًا نسبيًا في تشويه سمعة مصر، خاصة في المجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والذي يتابع أوضاع حقوق الإنسان في الدول أعضاء الجمعية العامة الـ١٩٣. وهذا النجاح تحقق لعدة عوامل، أهمها غياب الدولة وانشغالها بإعادة ترتيب البيت من الداخل، وأيضًا غياب المنظمات المحلية والدولية المحترمة عن المشهد في ظل هجوم شرس من الأطراف التي سبق وذكرتها. واستمر هذا الهجوم بعض الوقت إلى أن عادت الدولة المصرية مرة أخرى للمشاركة في المشهد الحقيقي وصححت الصورة المغلوطة وقدمت للمجتمع الدولي حقيقة ما حدث في مصر. ومع تحرك منظمات المجتمع المدني واستخدام الآليات الدولية المتاحة، تغير المشهد تمامًا بعد وضوح الصورة، وتحول الهجوم مع الوقت تدريجيًا إلى إشادة واستحسان.

لم تكتفِ الدولة المصرية عند ذلك الحد، فقررت أن تبادر بتحسين أوضاع حقوق الإنسان تلقائيًا دون أن تنتظر توصيات من المجلس الدولي لحقوق الإنسان من خلال آلية العرض الدوري الشامل، وذلك بإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في ٢٠٢١. واستندت فيها على ٦ محاور، الهدف منها هو تعزيز وحماية ونشر ثقافة حقوق الإنسان من خلال حماية الحقوق المدنية والاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية لجميع فئات المجتمع.

على صعيد حماية الأمن القومي الإقليمي، ساهمت مصر في حل مشكلتين تشكلان تهديدًا كبيرًا للأمن القومي لدول الاتحاد الأوروبي: استضافة اللاجئين، وخاصة من دول الصراع المسلح (اليمن، السودان، وقبلها سوريا)، ومشكلة الهجرة غير الشرعية. ورغم خلاف دول الاتحاد الأوروبي واعتراضها على أوضاع حقوق الإنسان في مصر، فإنها تقدر جدًا ما تقدمه مصر في الملفين. وهذا يُحسب لمصر ويُعتبر ترسيخًا حقيقيًا لحقوق الإنسان على الأرض.

وحقيقة الأمر الآن، بعد مرور أكثر من ١٠ سنوات على ثورة يونيو، لم يعد يُذكر اسم مصر كثيرًا في دورات المجلس الدولي لحقوق الإنسان إلا بشكل قليل، وجزء منه يكون بالإشادة والاستحسان لما تقدمه مصر من تحسينات في ملف حقوق الإنسان داخليًا وإقليميًا ودوليًا. ولكن مع قرب خضوع ملف حقوق الإنسان في مصر لآلية العرض الدوري الشامل في يناير ٢٠٢٥، يُتوقع أن يتم تصعيد الهجوم من جديد على مصر من جانب المنظمات الحقوقية الدولية المشبوهة والمنظمات الإخوانية التي تنتهز المناسبات الحقوقية الدولية الكبرى لإعادة الهجوم مرة أخرى على مصر بهدف استغلال هذه الفرصة لتشويه سمعة مصر. 

ولكن من المتوقع ألا يلحق هذا الهجوم أي ضرر بسمعة مصر الدولية نتيجة لتحسن علاقاتها بشكل كبير مع المجتمع الدولي ودول الجوار، ونتيجة لتحسن العلاقات السياسية مع القوى الإقليمية. اختفى تمامًا الهجوم على مصر في بعض وسائل الإعلام الإقليمية، وهو الأمر الذي يؤكد أن المصالح السياسية والأمنية والاقتصادية هي من تحكم العلاقات بين الدول، وأن ملف حقوق الإنسان للأسف ما هو إلا وسيلة للهجوم وتشويه الصورة في ظل فقدان كبريات المؤسسات الحقوقية الدولية لقدرتها على مواجهة التجاوزات والانتهاكات التي تحدث في العالم، خاصة في قطاع غزة، بعد أن رفعت إسرائيل سقف التجاوزات والانتهاكات إلى مستوى عالٍ جدًا، ما يجعل من الصعب محاسبة أحد بشكل عادل.


نقلاً عن صحيفة الدستور


 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية