في اليوم الدولي للسلام.. «حقوق الإنسان» حجر الأساس لمستقبل خالٍ من العنف
21 سبتمبر من كل عام
يحتفل العالم في الحادي والعشرين من سبتمبر كل عام، باليوم الدولي للسلام، ويصادف هذا العام الذكرى الـ25 لاعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان وبرنامج عمل بشأن ثقافة السلام.
ويؤكد هذا الإعلان أن السلام لا يعني غياب الصراعات فحسب، وإنما يتطلب أيضاً عملية تشاركية ديناميكية إيجابية يُشجع فيها الحوار وتُحل النزاعات بروح التفاهم المتبادل والتعاون.
وفي عام 1999، رسمت الجمعية العامة للأمم المتحدة القيم اللازمة لثقافة السلام، والتي تشمل احترام الحياة وحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتعزيز اللاعنف من خلال التعليم والحوار والتعاون، والالتزام بالتسوية السلمية للصراعات، والتمسك بالحرية والعدالة والديمقراطية والتسامح والتضامن والتعاون والتعددية والتنوع الثقافي والحوار والتفاهم على جميع مستويات المجتمع وبين الأمم.
أقرت الجمعية العامة في القرارات اللاحقة، بأهمية اختيار المفاوضات بدلاً من المواجهة، والعمل معاً وليس ضد بعضنا البعض.
ويبدأ دستور منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو بأن "الحروب تبدأ في عقول الرجال، لذا ففي عقول الرجال يجب بناء دفاعات السلام"، وهذه الفكرة هي التي شكلت موضوع وشعار الاحتفال باليوم الدولي للسلام لهذا العام.
نشر ثقافة السلام
يجب أن تُزرع أفكار السلام وثقافة السلام في عقول الأطفال والمجتمعات من خلال التعليم الرسمي وغير الرسمي، عبر البلدان والأجيال.
لقد كان اليوم العالمي للسلام دائمًا وقتًا لإلقاء السلاح والالتزام بوقف إطلاق النار. ولكن الآن يجب أن يكون أيضًا وقتًا ليرى الناس إنسانية بعضهم البعض لأن بقاء المجتمع العالمي يعتمد على ذلك.
نشأة اليوم
أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم الدولي للسلام في عام 1981 من أجل الاحتفال بمثل السلام وتعزيزها بين جميع الأمم والشعوب، وبعد مرور عقدين من الزمن، حددت الجمعية العامة 21 سبتمبر تاريخا للاحتفال بالمناسبة سنويا، كيوم لوقف إطلاق النار عالميا وعدم العنف من خلال التعليم والتوعية الجماهيرية وللتعاون على التوصل إلى وقف إطلاق النار في العالم كله.
وفي بيان نشره الموقع الرسمي لمنظمة "اليونسكو" أكدت المنظمة الاحتفال باليوم الدولي للسلام هذا العام بقدرة التضامن العالمي على بناء عالم مستدام يعمه السلام
تحديات غير مسبوقة
وأشارت المنظمة إلى أننا أصبحنا نواجه تحديات غير مسبوقة، فقد نشأت قوى تسعى إلى نشر الانقسام والكراهية والتعصب، ويأخذ الإرهاب في تأجيج نار العنف، والتطرف العنيف، ماضيا في تسميم عقول الفئات المستضعفة خاصة من الشباب، فضلاً عن ذلك، تُفاقم الكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ الهشاشة القائمة في بقاع الأرض الأشد فقر.
وفي كلمتها بهذه المناسبة، أكدت المديرة العامة للمنظمة أودري أزولاي، أن إنشاء ثقافة سلام وتحقيق تنمية مستدامة في صُلب مهام "اليونسكو"، وذلك من خلال التدريب والبحوث في مجال التنمية المستدامة، إلى جانب التثقيف في مجال حقوق الإنسان، واكتساب المهارات اللازمة لإقامة علاقات سلمية، والحكم الرشيد، ودرء النزاع.
وشدد أزولاي، على أنه يجب على كل فرد أن يشارك من موقعه وعلى قدر طاقته ووسعه، في تحمّل المسؤولية الجماعية عن السلام عن طريق السعي إلى إزالة الفوارق والمظالم التي ما زالت تحول دون تمكننا من بناء عالم تسوده المساواة، فلا يمكن لعالم ممزق تسوده الفوارق والمظالم أن ينعم بالسلام.
ماذا يعني السلام؟
يعرف الموقع الرسمي لـ"اليوم الدولي للسلام" مصطلح "السلام" بأنه غياب الاضطرابات وأعمال العُنف، والحروب، مثل: الإرهاب، أو النزاعات الدينية، أو الطائفية، أو المناطقية، وذلك لاعتبارات سياسية، أو اقتصادية، أو عرقية.
كما يأتي تعريف السلام بمعنى الأمان والاستقرار والانسجام، وبناء على هذا التعريف فإن السلام يكون حالة إيجابية مرغوبة، تسعى إليه الجماعات البشرية أو الدول، في عقد اتفاق فيما بينهم للوصول إلى حالة من الهدوء والاستقرار، فالسلام في هذا التعريف لا يعني عدم وجود الاضطرابات بكافة أشكالها، وإنما يعني السعي في الوصول إلى المظاهر الإيجابية.
الحوار والتسامح
لا شك أن ثقافة السلام هي ثقافة الحوار والتسامح والوقاية، أما مفهوم ثقافة السلام كمصطلح حسب منظمة “عالم ما بعد الحرب”، وهي حركة عالمية لإنهاء الحرب وإقامة سلام عادل ومستدام، فهي تعني "مجموعة الأنماط السلوكية الحياتية، والمواقف المختلفة التي تدفع الإنسان إلى احترام إخوانه من بني البشر، ورفض الإساءة إليهم والاعتداء عليهم، وممارسة العنف ضدهم، وقبول الاختلاف بين الناس".
دور الأمم المتحدة
لم يبلغ دور الأمم المتحدة قط في هذا السياق ما بلغه من الأهمية في الوقت الراهن، وتؤكد خطة التنمية المستدامة لعام 2030 أن "لا سبيل إلى تحقيق التنمية المستدامة دون سلام، ولا إلى إرساء السلام دون تنمية مستدامة"، وانطلاقا من هذه الروح ذاتها، اتخذ مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة قراراتهما في عام 2016 بشأن "الحفاظ على السلام".
وفي هذا المسار ينبغي اعتماد نهج جديد شامل لمعالجة الأسباب الجذرية للمشكلات، ولتوطيد سيادة القانون، وتعزيز التنمية المستدامة، بالارتكاز على الحوار والاحترام.
وتسترشد منظمة "اليونسكو" بهذا النهج في جميع جوانب عملها الرامي إلى بناء السلام من خلال دعم التربية والتعليم، والنهوض بحرية التعبير، وترسيخ الحوار بين الثقافات، واحترام حقوق الإنسان والتنوع الثقافي، وتعزيز التعاون العلمي.
مؤشر السلام العالمي
ووفقا لتقرير مؤشر السلام العالمي والذي أصدره معهد الاقتصاد والسلام (IEP)، يونيو الماضي، تدهور مستوى السلام حول العالم مع نشوب 56 صراعا، وهو ما اعتبره أكبر عدد للصراعات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ويخلص مؤشر السلام العالمي لعام 2024 إلى أن العالم أصبح أقل سلامًا للمرة الـ12 خلال السنوات الـ16 الماضية، مع تدهور متوسط مستوى السلام في البلاد بنسبة 0.56% مقارنة بالعام السابق، وفي المجمل، تحسنت حالة الهدوء في 65 دولة وتدهورت في 97 دولة.
وقال التقرير، إن العقد الماضي شهد ارتفاعا في عدد الصراعات وعدد الوفيات المرتبطة بالصراع، وكان عام 2022 هو العام الأول الذي يتم فيه تسجيل أكثر من 200 ألف حالة وفاة في المعارك في عام واحد منذ الإبادة الجماعية في رواندا في عام 1994، كما ارتفع عدد الصراعات بشكل حاد في العقد الماضي، وفي عام 2022، كان هناك 56 صراعًا تشمل دولة واحدة على الأقل.
وهناك تصور متزايد بأن عدداً من هذه الصراعات ليست مدمرة بشكل غير مقبول فحسب، بل إنها أيضاً لا يمكن الانتصار فيها، وأبرز الأمثلة الحالية هي الحروب في أوكرانيا وغزة.
أدى الصراع بين روسيا وأوكرانيا إلى مقتل أكثر من 2000 شخص شهريًا تقريبًا منذ فبراير 2022، ويدخل الصراع الآن عامه الثالث دون أن يحقق أي من الطرفين مكاسب كبيرة.
كارثة إنسانية
ووفقا لبيانات المؤشر، حتى مايو 2024 أدى الصراع في غزة إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص منذ أكتوبر 2023، وتشير بعض التقديرات إلى إصابة أو مقتل أكثر من 100 ألف شخص، ولا يزال مستقبل الصراع غير مؤكد، حيث أدى الهجوم البري الإسرائيلي إلى كارثة إنسانية، بما في ذلك نقص الغذاء والماء، فيما يقترب الوضع من المجاعة.
وهناك أيضا احتمال انتشار الحرب، فقد هاجمت إسرائيل وإيران بعضهما البعض بشكل مباشر، وتم تهجير أكثر من 100 ألف إسرائيلي بسبب المناوشات مع حزب الله، وهاجم الحوثيون في اليمن السفن في البحر الأحمر، مما أدى إلى تعطيل سلاسل التوريد، وهناك مخاطر من زيادة الأعمال العدائية بين إسرائيل ودول أخرى في المنطقة.
وعلى الرغم من انخفاض إجمالي عدد الوفيات بسبب الانخفاض الكبير في وفيات الصراع في إثيوبيا، فإن عدد وفيات الصراع ارتفع في عام 2023 في 57 دولة.
صراعات داخلية
وكان هناك 15 دولة شهدت أكثر من 1000 حالة وفاة بسبب الصراع الداخلي في عام 2023، و19 دولة أخرى سجلت أكثر من 100 حالة وفاة في العام الماضي.
وخلص التقرير إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تزال المنطقة الأقل سلمية للسنة التاسعة على التوالي. وقد سجلت تدهوراً طفيفاً في الهدوء خلال العام الماضي بعد عدة سنوات من التحسينات، مع تدهور متوسط درجة مؤشر التقدم العالمي بنسبة 0.25%، أربعة من البلدان العشرة الأقل سلمية في مؤشر السلام العالمي لعام 2024 تقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وحدث أكبر انخفاض في السلمية في مجال الصراع المستمر، والذي تدهور بنسبة 1.6%، وحدث تدهور في الوفيات الناجمة عن الصراع الداخلي، والوفيات الناجمة عن الصراع الخارجي، ومؤشرات العلاقات مع الدول المجاورة، مدفوعا بالصراعات في غزة والسودان وما يرتبط بها من زيادة في الاضطرابات الإقليمية، لا تزال التوترات في المنطقة مرتفعة للغاية اعتبارًا من أوائل عام 2024.
وخلص التقرير إلى أن الكويت هي الدولة الأكثر سلمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بينما تعد اليمن الدولة الأقل سلمية في المنطقة والدولة الأقل سلمية بشكل عام في مؤشر السلام العالمي لعام 2024.
ورغم أن قدراً كبيراً من الاهتمام في المنطقة كان منصباً على الصراع في غزة، فقد حدث أيضاً تدهور كبير في السلام في السودان، واندلع الصراع في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية والقوات شبه العسكرية، قوات الدعم السريع
وأصبحت الصراعات أكثر تدويلاً، حيث انخرطت 92 دولة الآن في صراع خارج حدودها، وهو أكبر عدد منذ بداية مبادرة السلام العالمية في عام 2008، مما أدى إلى تعقيد عمليات التفاوض من أجل سلام دائم وإطالة أمد الصراعات.
ولا تزال أيسلندا هي الدولة الأكثر سلمية في العالم، وهي المكانة التي احتلتها منذ عام 2008.