حكومة سوريا الجديدة.. التأرجح بين الولاءات والكفاءات يضفي غموضاً على المستقبل

حكومة سوريا الجديدة.. التأرجح بين الولاءات والكفاءات يضفي غموضاً على المستقبل
أحمد الشرع

في خطوة تعد الثالثة منذ تولي أحمد الشرع السلطة وتنصيبه رئيساً انتقالياً في سوريا، أعلن عن تشكيل حكومة جديدة ضمت مقربين منه، وعناصر تكنوقراط، وممثلين عن الأقليات، مثل الكرد والدروز والعلويين، في ظل ترقب واسع لمستقبل البلاد التي شهدت مؤخراً أحداث عنف وُصفت بالطائفية في الساحل السوري.

وتباينت الآراء حول الحكومة الجديدة بين من يراها توازناً بين الولاءات والكفاءات، وبين من يرى أنها تعزز الانقسام السوري وتفتقر إلى تمثيل كافٍ للمرأة ولمحافظات الثورة السورية، مثل درعا، وأكد خبراء في الإدارة والحوكمة وحقوق الإنسان أن نجاح الحكومة يعتمد على قدرتها على تحقيق تطلعات جميع السوريين.

ترأس الشرع الاجتماع الحكومي الأول، وذلك بعد إعلان تشكيل الحكومة مساء السبت، متأخراً نحو شهر عن الموعد المقرر مطلع مارس. جاء هذا الإعلان في أعقاب أعمال عنف طائفية في الساحل السوري بين موالين له وأفراد من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس المعزول بشار الأسد.

وفي كلمته عقب التشكيل، أكد الشرع من قصر الشعب في دمشق، رغبته في "بناء دولة قوية ومستقرة"، وأدى الوزراء الـ 23 اليمين الدستورية أمامه خلال مراسم أقيمت في القصر الرئاسي.

وبحسب رصد "جسور بوست"، ضمت الحكومة 11 وزيراً من الموالين للشرع، حيث احتفظ كل من أسعد الشيباني بمنصب وزير الخارجية، ومرهف أبو قصرة بمنصب وزير الدفاع، كما تم تعيين أنس خطاب، رئيس المخابرات العامة المقرب من الشرع، وزيراً للداخلية، ومظهر الويس وزيراً للعدل، ومحمد البشير وزيراً للطاقة، فضلاً عن محمد عنجراني وزيراً للإدارة المحلية، ومصطفى عبد الرزاق وزيراً للأشغال والإسكان، ومحمد إسكاف وزيراً للتنمية الإدارية.

وضمت الحكومة أيضاً شخصيات مقربة من الشرع، مثل محمد صالح وزيراً للثقافة، وحمزة مصطفى وزيراً للإعلام، والذي كان سابقاً مديراً لتلفزيون سوريا، ومحمد أبو الخير شكري وزيراً للأوقاف.

أما تمثيل الأقليات، فقد شمل أمجد بدر، وهو درزي، وزيراً للزراعة، ومحمد يسر برنية، وهو كردي، وزيراً للمالية، ومحمد تركو، وهو كردي أيضاً، وزيراً للتربية والتعليم، ويعرب بدر، وهو علوي، وزيراً للنقل.

وكان تمثيل المرأة محدوداً للغاية، حيث شغلت هند قبوات، وهي مسيحية ومعارضة لبشار الأسد، منصب وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل. كما تم تعيين رائد الصالح، رئيس منظمة الخوذ البيضاء، وزيراً للطوارئ والكوارث، وهو شخصية مقربة من الغرب.

كما ضمت الحكومة وزيرين من عهد الأسد، هما نضال شعار وزير الاقتصاد، ويعرب بدر وزير النقل، إلى جانب خمسة وزراء مستقلين: مصعب نزال العلي وزير الصحة، عبد السلام هيكل وزير الاتصالات، محمد سامح وزير الرياضة والشباب، مازن صالحاني وزير السياحة، ومروان الحلبي وزير التعليم العالي.

وتعد هذه أول حكومة انتقالية منذ سقوط بشار الأسد في 8 ديسمبر، ومن المقرر أن تستمر المرحلة الانتقالية خمس سنوات وفقاً للمادة 52 من الإعلان الدستوري، تليها انتخابات بناءً على دستور جديد. ويتولى الشرع رئاسة الحكومة وفق المادة 31 من الإعلان الدستوري.

وكان الشرع قد أعلن نفسه رئيساً انتقالياً بعد نحو شهر من صعوده إلى السلطة في سوريا في 8 ديسمبر 2024، مشرفاً على إدارة المرحلة الانتقالية بعد 14 عاماً من الحرب. وفي 15 مارس، وقع إعلاناً دستورياً حول المرحلة الانتقالية، وهو ما أثار انتقادات حقوقية، حيث وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش الإعلان بأنه يمنح الرئيس "صلاحيات واسعة تشمل التعيينات القضائية والتشريعية دون ضوابط أو رقابة"، محذرة من تأثير ذلك في حكم القانون وحماية حقوق الإنسان ما لم تُتخذ تدابير وقائية واضحة.

ترحيب عربي ودولي

وفي خطوة لاقت ترحيباً واسعاً، رحبت عدة دول عربية، من بينها السعودية وقطر والإمارات والكويت، إلى جانب دولٍ دولية مثل تركيا والنرويج، بتشكيل الحكومة السورية الجديدة.

وأصدرت وزارة الخارجية السعودية بياناً أعربت فيه عن ترحيبها بإعلان تشكيل الحكومة السورية الجديدة، مؤكدةً دعمها لتطلعات الشعب السوري الشقيق في تحقيق الاستقرار والازدهار.

كما رحبت دولة الإمارات بالتشكيل الحكومي الجديد، مشيرةً في بيان رسمي إلى دعمها لمسار الاستقرار في سوريا، ومعربةً عن أملها في أن تلبي الحكومة الجديدة متطلبات المرحلة الانتقالية، وأضاف البيان أن الإمارات تتطلع إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين.

من جانبه، أعرب المبعوث الألماني الخاص إلى سوريا، ستيفان شنيك، عن ترحيب بلاده بالحكومة السورية الجديدة. وكتب في تغريدة على منصة (إكس) أن ألمانيا مستعدة لدعم الشعب السوري في إعادة بناء بلده، مشدداً على أهمية الشمولية والعدالة والتعاون مع الشركاء الدوليين لتحقيق تطلعات السوريين.

كما أكد وزير خارجية النرويج، أسبن بارث إيدي، دعم بلاده للحكومة الجديدة، قائلاً: "نأمل أن تنجح الحكومة الجديدة في تلبية تطلعات الشعب السوري، ونتطلع إلى العمل معها"، مشيراً إلى أن "الحوكمة الشاملة ضرورية لمستقبل سوريا وتطورها وازدهارها".

وفي السياق ذاته، رحبت تركيا بتشكيل الحكومة السورية الجديدة، معتبرةً أن هذه الخطوة، التي جاءت بعد مؤتمر الحوار الوطني وإصدار الإعلان الدستوري، تعكس التزام الإدارة السورية بعملية انتقال سياسي بقيادة سورية شاملة.

وأكدت وزارة الخارجية التركية في بيان رسمي عزمها مواصلة دعم العملية السياسية الجامعة في سوريا، والتي تُعدّ ركيزة أساسية لإرساء الأمن والاستقرار فيها.

وجددت أنقرة دعوتها إلى رفع العقوبات المفروضة على سوريا، معتبرةً أن "في هذه المرحلة الحرجة، من الضروري أن يركز المجتمع الدولي جهوده على تحقيق الاستقرار في سوريا، وفي هذا السياق، يجب رفع العقوبات دون شروط مسبقة، والشروع في إعادة إعمار البلاد".

حكومة انقسام

بدوره قال المحامي والناشط السوري أنس جودة، في تصريح لـ"جسور بوست"، يجب النظر إلى تشكيل الحكومة الجديدة من مستويين: الأول سياسي، والثاني تقني. وأوضح أن "على المستوى السياسي، تُعدّ هذه الحكومة تكريسًا للانقسام السوري، في وقت تحتاج فيه دمشق إلى اتفاق إطاري يجمع مختلف الأطراف السورية، سواء كانت مكونات مجتمعية أو أطرافًا سياسية".

وأضاف جودة أن "العديد من المناطق والخلفيات غير ممثلة في الحكومة، ما يجعل التشكيل لا يعكس كفاءة الأفراد بقدر ما يعكس تكريس الانقسام. فبدلاً من أن يكون خطوة نحو لمّ الشمل الوطني، جاء ليعزز الفرقة". وأشار إلى أن "هذا التشكيل يمثل استمرارًا لمسرحية الحوار الوطني والإعلان الدستوري، ويكرّس عدم القدرة على توفير أرضية شاملة للجميع".

وأكد أن "الحكومة الحالية ليست مجرد حكومة ذات لون سياسي واحد، بل هي حكومة ضيقة التمثيل إلى حد كبير. وعلى الرغم من وجود شخصيات ذات خلفيات تكنوقراطية، فإن ذلك لا يكفي لتحقيق إطار سياسي قادر على تحقيق الوحدة الوطنية". وأردف أن "الحكومة لم تأخذ بعين الاعتبار بعض الأمور المركزية، حتى بالنسبة للفريق الداعم لها، حيث كان يجب أن تضع مسارًا واضحًا لا يتهرب من المصالحة الوطنية والمحاسبة، لأن غياب ذلك يعزز التوترات المجتمعية ويمنع تحقيق الاستقرار".

أما على المستوى التقني، فيرى أنس جودة أن "رغم حسن نية بعض الوزراء في طرح رؤى عند إعلان التشكيل، فإن الأمور لا تُدار بالنيات والدراسات النظرية فقط، بل تحتاج إلى خبرات عملية قادرة على مواجهة التحديات، مثل البنية التحتية المنهارة والعقوبات المفروضة، وهذا ما سيفتقده الوزراء في ظل غياب جيش من التكنوقراط وأصحاب الخبرات العملية داخل مؤسسات الحكومة الحالية".

ملاحظات وإيجابيات

من جهته، قال الدكتور زيدون الزعبي، الباحث المختص بالشأن السوري والحاصل على دكتوراه في الإدارة والخبير في مجال الحوكمة، إن "تمثيل المرأة في الحكومة الجديدة ضعيف للغاية، ويُعد من أضعف التمثيلات خلال السنوات الأخيرة".

وأضاف الزعبي في تصريح لـ"جسور بوست" أن "الحكومة الجديدة تجمع بين الولاء والكفاءة، حيث تضم شخصيات معروفة بولائها للسلطة، وأخرى معروفة بكفاءتها"، لكنه استدرك قائلاً: "يجب ألا نطلق مقارنات مطلقة، فمقارنة بالحكومات السابقة، يمكن اعتبار هذه الحكومة من بين الأفضل".

بدوره، قال الدكتور عبد القادر عزوز، أستاذ العلاقات الدولية السوري، إن "الحكومة الجديدة شهدت استمرارية بعض الوزراء، وتغيير البعض الآخر، إضافة إلى دمج بعض الوزارات". وأوضح أن "على المستوى الموضوعي، من الإيجابي أن يقدم كل وزير رؤيته حول طبيعة عمله، ونتمنى أن تتحول تلك الرؤى إلى برامج عمل حقيقية تلبي تطلعات الشعب".

وأكد عزوز أن "الحكومات عادة ما تجمع بين الكفاءات والخبرات والولاء، والمهم في النهاية هو الأداء الحكومي ومدى قدرته على تنفيذ الرؤى المطروحة، خاصة في هذه المرحلة التي تتطلب جهودًا مكثفة لبناء سوريا من جديد".

وجهات نظر

من جانبه، قال العميد عبد الله الأسعد، الخبير العسكري والاستراتيجي ورئيس مركز "رصد" للدراسات الاستراتيجية، إن "الرئيس حاول قدر المستطاع، تنويع أطياف الحكومة وإدخال شخصيات تكنوقراطية، لكن لم نصل بعد إلى حكومة متكاملة"، مشددًا على أن "الأهم الآن هو العمل الدؤوب لتحقيق تطلعات الشعب السوري".

وأشار الأسعد إلى أن "الحكومة الجديدة تضم شخصيات من مختلف الطوائف، مثل العلويين والمسيحيين والدروز والكرد، إضافة إلى بعض الشخصيات التي كانت في مناصب بالنظام السابق، لكنها تفتقد إلى تمثيل مناطق مهمة، مثل درعا، التي كانت أساس الثورة السورية".

واستدرك قائلاً: "لكن لا يمكن أن تضم الحكومة ممثلين عن جميع فئات الشعب بالكامل، وإلا لاحتجنا إلى 70 وزيرًا لتحقيق ذلك"، مضيفا أن "من حق الرئيس أن يعيّن وزراء مقربين يدعمون توجهاته، وهذا أمر طبيعي في جميع الدول".

وفيما يتعلق بردود الفعل الغربية، أوضح الأسعد أن "الغرب غير مهتم بتشكيل الحكومة السورية بحد ذاتها، فهو يركز على تحقيق مصالحه ومصالح إسرائيل، ولا يتحدث عن تمثيل الطوائف والنساء إلا كذريعة، في حين يعمل خلف الكواليس لتحقيق أهدافه دون اتهامه بالتدخل في الشأن السوري".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية