«العودة الطوعية».. سلاح ذو حدين لتحجيم الهجرة غير الشرعية في ألمانيا
خبراء: تعتبر «مسكنات مؤقتة»
بمخاوف تتعلق بكونها بابًا خلفيًا للعودة القسرية، تحاصر برامج عودة المهاجرين في ألمانيا إلى أوطانهم العديد من الشكوك والاتهامات، لا سيما أنها لم تعالج الجذور الأساسية التي تدفع لزيادة أعداد المهاجرين والتي تغذيها الدول الأوروبية بشكل غير مباشر من خلال السياسات الاستعمارية أو تأجيج الصراعات دون إيجاد مسارات اقتصادية عادلة للبلدان الفقيرة.
ومنذ سنوات، تسعى السلطات الألمانية إلى تقديم دعم العودة لأكبر عدد ممكن من الأشخاص الملزمين بالمغادرة أو طالبي اللجوء من دول ذات فرص قبول منخفضة، إلا أن بعض المؤشرات اعتبرت أن دعم العودة الطوعية للمهاجرين قد يعتبر حافزا لبعض الأتراك أو مواطني دول أوروبا الشرقية على أن دعم القدوم إلى ألمانيا في المقام الأول.
ووفق استطلاع للرأي أجرته منصة Statista في أكتوبر الماضي، فإن نحو 35 بالمئة من المواطنين الألمان يعتبرون أن الهجرة واللجوء والأجانب هي المشكلة الاجتماعية الأهم في ألمانيا، متجاوزين بذلك أولئك الذين يهتمون بالوضع الاقتصادي وقضايا المناخ.
وفي الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، غادر 7 آلاف و500 أجنبي طوعًا عبر برنامج العودة الطوعية للمهاجرين في ألمانيا، بينهم 3 آلاف و323 شخصا كانوا ملزمين بالمغادرة، نصفهم تقريبا بدون تصريح إقامة مؤقت، بحسب تقديرات المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF).
وتزيد هذه الإحصائية على تقديرات عام 2023، بعدما حصل نحو 5 آلاف و796 شخصًا ملزمين بالمغادرة على دعم المقدم من الحكومة الألمانية لبرامج العودة الطوعية للمهاجرين، إذ يواصل البلد الأوروبي تشجيع المهاجرين على العودة لبلادهم.
دعم مشروط
وبحسب الموقع الرسمي لبرنامج العودة الطوعية، فإن البرنامج يقدم دعمًا ماليًا وتنظيميًا عند العودة الطوعية إلى البلد الأم، أو عند الهجرة إلى بلدٍ آخر، ويدعم تنظيم الرحلات الجوية ويتحمل تكلفة تذكرة السفر، كما يمكن الحصول على دعم إضافي آخر لإعادة الإدماج للعديد من البلدان من خلال برنامج StarthilfePlus.
والدعم المقدم يشمل "تذكرة طيران أو حافلة، وتكاليف السفر من محل السكن إلى المطار أو محطة القطار، وإعانة مالية لتكاليف الرحلة تقدر بـ200 يورو لكل شخص بالغ و100 يورو لكل طفل (أقل من 18 عاما)، كما يشمل أيضا الدعم الطبي أثناء الرحلة (مثلا توفير كرسي متحرك أو مُرافق طبي) وإعانة مالية في بلد الوجهة بحد أقصى 2000 يورو لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر بعد الوصول، إلى جانب إعانة تمويل تصرف لمرة واحدة بقيمة 1000 يورو لكل شخص و500 يورو لكل طفل بحد أقصى 4000 يورو لكل أسرة.
وبحسب البرنامج فإن "الأشخاص من بلدان معينة ممن تمكنوا من دخول ألمانيا دون تأشيرة سيحصلون على نقود أقل (إعانة سفر مخفضة) للرحلة، وهذه البلدان هي: جمهورية ألبانيا، البوسنة والهرسك، جورجيا، كوسوفو، جمهورية مقدونيا الشمالية، مونتينيغرو، جمهورية مولدوفا، صربيا، أوكرانيا، وفي حال الرغبة في مغادرة ألمانيا مرة أخرى بعد فترة زمنية قصيرة، فإن الحصول على دعم مالي بقيمة 500 يورو يكون بموجب شروط معينة حتى شهرين بعد إصدار قرار بشأن رفض طلب اللجوء.
ويحق الانضمام لهذا البرنامج أشخاص من خارج بلدان الاتحاد الأوروبي، الذين عبروا عن رغبتهم في اللجوء ولكنهم لم يقدموا بعد طلب لجوء ساري المفعول قانونيًا، والذين هم في مسار إجراءات اللجوء، والذين رُفضت طلباتهم للجوء ويُفترض أنهم ملزمون بمغادرة البلاد، والذين يحق لهم الحصول على اللجوء أو لديهم تصريح إقامة مؤقت، ويمكن للأشخاص المتضررين من الاتجار بالبشر أو الدعارة القسرية التقدم بطلب للحصول على الدعم.
أرقام وإحصاءات
ووفق بيانات رسمية، ارتفع عدد سكان ألمانيا بمقدار 30 ألف شخص خلال عام 2023 ليسجل إجمالي عدد السكان رقما قياسيا بلغ 84.7 مليون نسمة، جراء الزيادة في عدد المهاجرين، حيث عوض صافي عدد المهاجرين انخفاض معدلات المواليد التي تراجعت بنسبة 7 بالمئة.
وكانت الزيادة متماشية مع المعدلات التي شهدتها ألمانيا بين عامي 2012 و2021 لكنها أقل بكثير من عام 2022 عندما وصل مئات الآلاف من اللاجئين الأوكرانيين إلى البلاد بحثا عن ملاذ آمن.
وقدر مكتب الإحصاء الألماني صافي عدد المهاجرين بما يتراوح بين 680 ألفا و710 آلاف شخص في عام 2023، إذ كان هذا العدد أقل من المستويات التي شهدتها البلاد في عام 2015، عندما وصل إلى 1.14 مليون لاجئ بسبب الحرب في منطقة الشرق الأوسط، وفي عام 2022 عندما وصل إلى 1.46 نتيجة للحرب بين روسيا وأوكرانيا.
ومؤخرا، بدأت ألمانيا خطة إصلاح نظام اللجوء في الاتحاد الأوروبي، لكن التنفيذ سيقتصر في البداية على إجراءات اللجوء في المطارات، والتي يصل عبرها عدد قليل من اللاجئين.
ويبدأ تطبيق ذلك على الإجراءات في المطارات بشكل أساسي في ألمانيا، ويتعلق الأمر هنا بشكل محدد بفحص طالبي اللجوء القادمين من دول ذات معدل اعتراف أقل من 20 بالمئة على مستوى أوروبا، عند الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، بهدف معرفة ما إذا كان لديهم الحق في الحصول على الحماية من عدمه.
وفقًا لإحصائيات المكتب الاتحادي للهجرة، لم تكن هناك سوى حالات قليلة لدخول طالبي اللجوء عبر الطريق الجوي في العالم الماضي، وهو ما يجعل دخول طالبي الحماية عبر الطريق الجوي ثانويا في إحصاءات اللجوء الألمانية، حيث بلغ 402 في عام 2023، مقارنة بـ347 إجراء في عام 2022.
ويهدف إصلاح اللجوء في الاتحاد الأوروبي، الحد من المهاجرين، حيث كان يجب على دول الاتحاد الأوروبي تنفيذ النظام الأوروبي المشترك للجوء (GEAS) الذي تم الاتفاق عليه هذا العام بحلول منتصف عام 2026، غير أنه مع القواعد الجديدة لإجراءات المطار، تسعى الحكومة الاتحادية لتسريع تطبيق هذا النظام في ألمانيا.
وقالت وزيرة الداخلية والأمن الوطني الألمانية نانسي فيزر: "نبعث أيضًا برسالة مهمة إلى أوروبا بأن ألمانيا تنفذ القانون الجديد بسرعة وشمولية"، فيما أوضح المتحدث باسم الحكومة شتيفن هيبسترايت أن ألمانيا هي أول دولة في الاتحاد الأوروبي تنفذ قواعد GEAS، فيما تدعو الحكومة الألمانية الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي إلى اتباع هذا النهج.
مسكنات مؤقتة
قالت الخبيرة في العلاقات الأوروبية والدولية المقيمة في فرنسا، جيهان جادو، إن ألمانيا تعد من أول الدول الأوروبية التي فتحت باب العودة الطوعية للأشخاص الذين هاجروا إليها ولكن لا يريدون البقاء فيها ويرغبون في العودة لبلادهم.
وأوضحت جادو في تصريح لـ"جسور بوست"، أن تلك الميزة أيضا يمكن الحصول على الدعم من خلال برامج العودة التي تديرها الحكومة الاتحادية والولايات الاتحادية، وتسمح هذه البرامج لمقدمي الطلبات اللجوء بالعودة الدائمة إلى وطنهم أو الهجرة إلى بلد ثالث وافق على إعادة توطينهم من أجل مغادرة ألمانيا ولذلك كان لا بد لهم الحصول إلى وثيقة سفر صالحة وتأشيرة دخول للبلد الذي يرغبون في السفر إليه إلا إذا قرروا العودة إلى بلدهم الأصلي.
وأضافت: "بهذا البرنامج يتم تقليص عدد المهاجرين غير الشرعيين أو حتى من لهم إقامات دائمة على أن تقوم ألمانيا بالتكفل بمصاريف العودة وأيضا من خلال معونات تقدم لهؤلاء الراغبون في العودة لبلادهم أو للهجرة لبلد آخر، لكن هذه الحلول تعد بمثابة مسكنات تقوم بها ألمانيا في محاولة لاحتواء أزمة المهاجرين وتلقي المسؤولية على بلد أخرى يقوم المهاجرون للهجرة إليها".
وتابعت: "رغم أنه حل مؤقت بكل تأكيد فالعديد من الدول الأوروبية الأخرى ستتوسع في هذا الحل علما بأن فرنسا أيضا بدأت في التطبيق الفعلي لهذا الحل من خلال الدعم المالي المقدم للمهاجرين الراغبين في العودة لبلادهم، لكن لم يطبق بشكل واسع النطاق كما هي الحال بألمانيا التي تقدم لهم الدعم المالي والاقتصادي".
وقالت جادو: "في الأغلب ستصطدم العديد من الدول الأوروبية الأخرى بعراقيل أهمها الدعم المادي والميزانية المقررة لهذا الملف سواء بالترحيل طوعية أو إيجاد الدول الأخرى التي تستقبل هؤلاء المهاجرين لديها وتقبل أن تكون البديل".
مأزق ديموغرافي
ومن جانبه يرى الدكتور أيمن زهري، خبير السكان ودراسات الهجرة وشؤون اللاجئين، أن البرامج العودة الطوعية للمهاجرين انتشرت بشكل كبير لا سيما منذ نحو عقدين، وفي الحقيقة هي تدار بشكل محترف لكن ليس ملموس النتائج، بما أنها تعد بابا خلفيا للإعادة القسرية للمهاجرين، ومن بينهم المستحقون للجوء لكن أوراقهم غير مكتملة.
وأوضح زهري، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن المأزق الذي تعيشه أوروبا يتمثل في تصاعد أعداد المهاجرين بشكل لافت، جراء السياسات الاستعمارية القديمة أو تأجيج الصراعات والحروب بالوكالة وزرع إسرائيل في الجسد العربي وصناعة إيران وغيرها.
وأضاف: "ما تفعله أوروبا في ملف الهجرة أفعالا قصيرة النظر تؤدي لمكاسب آنية ضعيفة باعتبار أن ذلك الملف في أيدي سياسيين مدة ولايتهم لا تتجاوز 4 سنوات دون أي نظرة اقتصادية وعادلة لهذا الملف".
وحذر زهري من العجز السكاني الذي تشهده دول أوروبا والذي سوف يزداد بالمستقبل، الأمر الذي سيشكل مأزقا ديمغرافيا كبيرا، لافتا إلى أن ألمانيا فيها معدلات وفيات أكثر من المواليد وبدون فتح باب الهجرة سينخفض أعداد السكان تدريجيا.
ويتسبب الخوف من الترحيل في معاناة كبيرة للعديد من المهاجرين في جميع أنحاء ألمانيا، وقد تزايدت مخاوفهم بعد النقاشات الأخيرة حول قوانين الهجرة واللجوء في ألمانيا.