ارتفاع حصيلة الدماء والدمار.. لماذا لم تؤثر «المهلة الأمريكية» على سياسات إسرائيل في غزة؟

ارتفاع حصيلة الدماء والدمار.. لماذا لم تؤثر «المهلة الأمريكية» على سياسات إسرائيل في غزة؟
آثار الدمار في غزة

دخل قطاع غزة في دائرة دمويّة تتصاعد حدتها يومًا بعد يوم منذ الهجوم الذي شنته حركة حماس في السابع من أكتوبر 2023، حيث أدى القصف الإسرائيلي المتواصل الذي يستهدف المدنيين والمناطق السكنية في غزة إلى استشهاد أكثر من 43 ألف فلسطيني أغلبهم من النساء والأطفال، بينما توقعت وكالات الإغاثة أن يتفاقم الوضع بشكل غير مسبوق. 

في منتصف نوفمبر الجاري، انتهت المهلة الأمريكية البالغة 30 يومًا لإسرائيل لتحسين الوضع الإنساني في القطاع، ولكن الوضع في غزة ظلّ كارثيًا دون تحسن يُذكر.

في وقتٍ حساس كهذا، تجد غزة نفسها في مواجهة تحديات متزايدة، إذ تشهد المدينة حملات قصف جوي ومدفعي مكثفة، إضافة إلى إطلاق صواريخ متواصل، لكن العامل الأكثر تأثيرًا يبقى الهجمات على البنية التحتية الحيوية، من المستشفيات إلى المدارس إلى خطوط المياه والكهرباء، ما يجعل من الصعب إعادة بناء الوضع في القطاع بعد انتهاء هذه الحروب.

العديد من التقارير الإخبارية حول الوضع في غزة تفيد بأن الوضع الإنساني على الأرض يتفاقم في ظل غياب تنسيق حقيقي بين أطراف النزاع ويُضيف بعض المحللين أن ما يحدث في غزة يمكن أن يُنظر إليه كأزمة إنسانية طارئة لم تشهد المنطقة مثلها من قبل، بينما يؤكد البعض الآخر أنَّ الخروج من هذا المأزق يحتاج إلى تغيرات جذرية في السياسة الدولية تجاه القضية الفلسطينية.

حصيلة الشهداء والجرحى

بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، بلغ عدد الشهداء في قطاع غزة حتى منتصف نوفمبر 2024 "43,700 شهيد"، بينما تجاوز عدد الجرحى "103 آلاف جريح"، وتمثل هذه الحصيلة المأساوية نتيجة مباشرة للعمليات العسكرية الإسرائيلية، بما في ذلك الغارات الجوية والضربات المدفعية التي استهدفت بشكل خاص المناطق السكنية، والمرافق الصحية، والمدارس، ما أدى إلى تدمير واسع في البنية التحتية للقطاع.

وتشير التقارير الواردة من الميدان إلى أن العديد من الضحايا كانوا من النساء والأطفال، حيث تم استهداف المدارس والمستشفيات التي كانت تُستخدم كملاذات آمنة للسكان المحاصرين، وفي 13 نوفمبر الجاري، أفادت وزارة الصحة الفلسطينية باستشهاد 47 شخصًا وإصابة 182 آخرين في غارات إسرائيلية على القطاع، ما يسلط الضوء على استمرار التصعيد العسكري.

وأفاد تقرير حديث للأمم المتحدة بأن غزة أصبحت واحدة من أكثر الأماكن دموية في العالم، مشيرًا إلى أن التفجير اليومي للمنازل والملاجئ يجعل من الصعب للغاية احتساب الخسائر بدقة. من ناحية أخرى، هناك دعوات من المجتمع الدولي لوقف الهجمات التي تستهدف المدنيين مباشرة، والامتثال للقوانين الدولية التي تضمن حماية السكان في أوقات النزاعات المسلحة.

على الرغم من الارتفاع المروع في أعداد الشهداء والمصابين، فإن العديد من المنظمات الدولية، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية، أكدت أن الوضع الصحي في غزة قد وصل إلى مستوى غير مسبوق من الانهيار، ما يعني أن هناك حاجة عاجلة لعلاج الجرحى وتأمين الرعاية الصحية اللازمة.

موقف الإدارة الأمريكية

في 13 نوفمبر، أكد أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، أن الولايات المتحدة تعمل على وقف حقيقي ودائم للقتال في غزة، حيث صرح بأن الحكومة الأمريكية تبذل جهدًا مضاعفًا لإيصال المساعدات الإنسانية إلى الشعب الفلسطيني. 

وجاء هذا التصريح في وقت بالغ الحساسية، حيث يزداد الوضع الإنساني سوءًا في القطاع مع استمرار الحصار وتواصل الغارات العسكرية.

وعلى الرغم من الضغوط الدولية لم يتحقق التوقف الكامل للقتال، فكما قالت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، في تصريحات لها في 12 نوفمبر، إن الولايات المتحدة تُحذر من "التجويع" و"التهجير القسري" الذي تمارسه إسرائيل في غزة، مؤكدة أن هذه السياسات تشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، والتي بدورها تُفاقم الأزمة الإنسانية بشكل أكبر.

ومارست الإدارة الأمريكية سلسلة من الضغوط على الحكومة الإسرائيلية لتحسين الظروف الإنسانية في غزة، إلا أن هذه الدعوات لم تلقَ تجاوبًا كافيًا من إسرائيل على الأرض، وفي الوقت نفسه لا يزال الرئيس الأمريكي جو بايدن يواجه تحديات داخلية وخارجية في كيفية التعامل مع الأزمة في غزة، في ضوء ضغوط المستشارين والجماعات الحقوقية وكذلك من داخل حزبه.

على الصعيد الدولي، تأثرت صورة الإدارة الأمريكية في المنطقة بشكل كبير بسبب دعمه المستمر لإسرائيل، مما أسهم في تصاعد الانتقادات الدولية لسياسات واشنطن. 

ويؤكد المحللون السياسيون أن استمرار الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل يعزز من فكرة ازدواجية المعايير، خاصة في ما يتعلق بمواقفها من الحروب في الشرق الأوسط.

التدابير الإسرائيلية والمساعدات

تحت ضغط الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، أعلنت الحكومة الإسرائيلية في 12 نوفمبر عن فتح معبر كيسوفيم لنقل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، هذه الخطوة كانت بمثابة استجابة جزئية للنداءات الدولية لتحسين الوضع الإنساني، لكنها قوبلت بانتقادات حادة من منظمات الإغاثة الدولية مثل أوكسفام وإنقاذ الطفل، التي اعتبرت أن هذه الإجراءات غير كافية مقارنة بالحاجة الفعلية على الأرض.

في حديثها عن الوضع في غزة، أكدت أوكسفام أن المساعدات التي تم إدخالها عبر معبر كيسوفيم كانت محدودة للغاية مقارنة مع احتياجات السكان المحاصرين، وتشير التقارير إلى أن القطاع بحاجة إلى ما بين 350 إلى 500 طن من المساعدات الإنسانية يوميًا، بينما المساعدات التي تم إدخالها في الفترة الماضية كانت لا تتجاوز عُشر الاحتياجات.

ونقلت وزارة الخارجية الأمريكية عن إسرائيل فتح المعابر لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، لكن مع ذلك، أشارت إلى أن الوضع لم يشهد تحسنًا كبيرًا على مستوى الوضع الميداني، في وقت تعاني فيه أكثر من 90% من المنشآت الطبية في القطاع من أعطال.

وفي ما يتعلق بالمعابر، هناك حاجة ملحة لتوسيع نطاق المساعدات من أجل تلبية الاحتياجات الإنسانية الطارئة، مثل الوقود والماء والأدوية. 

وتؤكد المنظمات الإنسانية أن أي خطوات إسرائيلية تعتبر متأخرة بشكل غير مقبول بالنظر إلى حجم الكارثة الإنسانية في غزة.

انتهاكات إسرائيلية متواصلة

واحدة من أخطر الانتهاكات التي أُشير إليها خلال العمليات العسكرية في غزة هي استخدام "الأسلحة المحرمة دوليًا" مثل القنابل العنقودية والفوسفورية؛ فمنظمة "هيومن رايتس ووتش" وثقت عدة حالات لاستخدام القنابل العنقودية في مناطق سكنية مكتظة في غزة، وهو ما أسفر عن سقوط ضحايا من المدنيين في الغالب، والقنابل العنقودية تعد من الأسلحة المحرمة لأنها تتسبب في انفجارات صغيرة تشكل تهديدًا مستمرًا للسكان بعد انتهاء العمليات العسكرية، حيث تبقى الألغام غير المتفجرة تشكل خطورة على المدنيين.

ووثقت منظمات حقوقية مثل "أمنستي إنترناشونال" و"هيومن رايتس ووتش" استخدام القنابل الفوسفورية في المناطق المدنية.. هذه الأسلحة تسبب حروقًا شديدة وتلوثًا للبيئة، ويعد استخدامها في المناطق السكنية انتهاكًا فادحًا للقانون الدولي الإنساني الذي يمنع استخدام الأسلحة التي تسبب معاناة مفرطة للسكان المدنيين. 

ومن خلال تحليل صور الأقمار الصناعية والتقارير الطبية، يمكن رصد تأثيرات هذه الأسلحة على سكان غزة.

جهود محورية في ظل الحصار

تبذل الأمم المتحدة ومنظمات الصليب الأحمر الدولي جهودًا مضنية لإيصال المساعدات إلى غزة، وأكدت الأمم المتحدة في تقاريرها أنه من بداية الحملة العسكرية، كان هناك تدخلات لتقديم مساعدات طبية وغذائية، لكن هذه الجهود كانت تصطدم دائمًا بالعوائق الميدانية، في 13 نوفمبر 2024، أعلنت الأونروا عن إدخال 500 شاحنة مساعدات عبر معبر رفح، لكن هذا الرقم لا يُغطّي إلا جزءًا ضئيلًا من الاحتياجات.

ويعاني الصليب الأحمر من صعوبة في الوصول إلى بعض المناطق في غزة بسبب القصف المستمر، على الرغم من جهود التفاوض مع السلطات الإسرائيلية لتوفير ممرات آمنة للفرق الطبية، ومع ذلك تشير التقارير إلى أن 60% فقط من المساعدات المطلوبة تم إدخالها، مما يفاقم من الوضع الإنساني.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية