تعزيز للوعي وآلية للتواصل.. كيف يؤثر التحالف النسوي العالمي في مواجهة أزمة تغيّر المناخ؟
تعزيز للوعي وآلية للتواصل.. كيف يؤثر التحالف النسوي العالمي في مواجهة أزمة تغيّر المناخ؟
بهدف تعزيز دور النساء في العمل المناخي من خلال إشراك تحالفات عمل من ديانات وجغرافيات متنوعة، دشنت 50 قيادة نسائية من 15 دولة بالعالم تحالفا باسم "النساء.. الأديان.. المناخ"، لدمج القيم الأخلاقية والدينية في الممارسات الرامية لمواجهة تغير المناخ.
وشهد جناح الأديان الذي ينظمه مجلس حكماء المسلمين، ضمن فعاليات مؤتمر المناخ (COP29)، المنعقد في باكو بأذربيجان، قبل أيام، إطلاق التحالف العالمي للقيادات النسائية الدينية لمكافحة التغير المناخي، بمشاركة العديد من النساء أبرزهن ماري روبنسون، الرئيسة السابقة لجمهورية أيرلندا وعضو مؤسس لمجموعة "الحكماء".
ويسعى التحالف الجديد إلى تسليط الضوء على الدور الفاعل للنساء في مواجهة التغير المناخي على الصعيدين الوطني والدولي، ونشر أفضل الممارسات في الاستدامة البيئية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين التحالفات النسائية من مختلف الأديان.
ويتضمن التحالف خططًا مستقبلية لزيادة الوعي العالمي بالجهود المناخية بقيادة النساء عبر حملات إعلامية وقصص نجاح ملهمة، وكذلك توسيع نطاق التعاون لتنفيذ مشروعات تشجير دور العبادة وزراعة الأشجار واستخدام الطاقة المتجددة.
ويُركز أيضا على تعزيز الوعي بأهمية تبني سياسات مناخية فعالة خلال الفعاليات العالمية المقبلة مثل مؤتمر الأطراف COP30، مع إنشاء آلية تنسيقية لدعم التواصل بين الأعضاء وتبادل الخبرات، بما يساهم في توحيد الجهود لمواجهة التحديات المناخية.
أفعال ملموسة
وقالت ماري روبنسون، في كلمتها خلال فعالية تدشين التحالف، إن القيادات النسائية الدينية تمثل قوة هائلة قادرة على تحفيز أكثر من 5.8 مليار شخص حول العالم، على تحويل القيم الأخلاقية والدينية إلى أفعال ملموسة في مواجهة أزمة المناخ.
وأضافت روبنسون: "دور القيادات النسائية في الأديان يمكن أن يكون محوريًا في تحقيق أهداف المناخ العالمية، ومن المتوقع أن يستفيد أكثر من 73 مليون شخص حول العالم من التعاون بين المنظمات الكبرى التي تشارك في هذا التحالف".
وتعد تحالفات النساء لمواجهة أزمة المناخ من أهم المبادرات التي تُعنى بالتغيير البيئي والاجتماعي في الوقت نفسه، لأن النساء هن الأكثر تأثراً بتبعات التغير المناخي، خاصة في المجتمعات النامية، حيث يتأثرن بشكل مباشر بقضايا مثل ندرة المياه، وتدهور الأراضي الزراعية، والكوارث الطبيعية، ومع ذلك، فإن النساء أيضاً يمثلن قوة محركة في إيجاد حلول مستدامة لأزمة المناخ.
متضررات في صمت
وأزمة تغير المناخ لا تؤثر على الجميع بالتساوي، إذ تواجه النساء والفتيات تأثيرات غير متناسبة لتغير المناخ، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أنهن يشكلن غالبية فقراء العالم، الذين يعتمدون بشكل كبير على الموارد الطبيعية المحلية في معيشتهم.
وفي المناطق الريفية على وجه الخصوص، غالبًا ما تتولى النساء والفتيات مسؤولية تأمين الغذاء والماء والحطب لأسرهن، وفي أوقات الجفاف وعدم انتظام هطول الأمطار، تعمل المرأة الريفية بجهد أكبر، وتمشي مسافات أبعد، وتقضي المزيد من الوقت في تأمين الدخل والموارد لأسرتها، الأمر الذي يعرضهن أيضًا للعنف القائم على النوع الاجتماعي، حيث يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم النزاعات وعدم المساواة ومواطن الضعف القائمة.
وبحسب التقديرات الأممية، فإن الكوارث المناخية القاسية، تزيد احتمالات وفاة النساء والأطفال بمقدار 14 مرة أكثر من الرجال، ويرجع ذلك في الغالب إلى محدودية الوصول إلى المعلومات ومحدودية الحركة واتخاذ القرار والموارد.
وتشير التقديرات إلى أن 4 من كل 5 أشخاص نزحوا بسبب تأثيرات تغير المناخ هم من النساء والفتيات، كما يمكن للكوارث الحادة أيضًا أن تعطل الخدمات الأساسية، بما في ذلك رعاية الصحة الجنسية والإنجابية، ما يؤدي إلى تفاقم الآثار السلبية على النساء والفتيات.
وعادة ما تتحمل النساء المسؤولية الأساسية عن رعاية المنزل والأشخاص الموجودين فيه، فغالبًا ما تكون النساء أول المتدخلين في حالات الكوارث، حيث ينقذن الأطفال وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم من أفراد المجتمع، ويبلغون السلطات المحلية وفرق الطوارئ.
وبعد وقوع الكارثة، من المرجح أن تكون المرأة مسؤولة عن رعاية المرضى والجرحى، وتقديم الدعم لأسرهم ومساعدة المجتمعات على التعافي وإعادة البناء، ومع ذلك، على الرغم من أن النساء يتأثرن بشكل غير متناسب بالكوارث ويتولين قيادة التعافي بعد الكارثة، فإنهن مستبعدات إلى حد كبير من صياغة السياسات والاستراتيجيات والبرامج اللازمة لمعالجة مخاطر الكوارث والقدرة على الصمود.
وتلعب النساء دورًا حيويًا ومتنوعًا في مواجهة التغير المناخي، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، بسبب قربهن من الموارد الطبيعية في كثير من المجتمعات الريفية ودورهن التقليدي في إدارة الأسرة، ما يمثل حلقة وصل أساسية بين الإنسان والبيئة.
ونظرًا لوجود النساء على الخطوط الأمامية لأزمة المناخ، فإنهن في وضع فريد يؤهلهن ليكنَّ عوامل تغيير للمساعدة في إيجاد طرق للتخفيف من أسباب ظاهرة الاحتباس الحراري والتكيف مع آثارها على أرض الواقع.
ومن أبرز التحديات التي تواجه النساء في مكافحة التغير المناخي، صعوبة الوصول إلى الموارد مثل التمويل والأراضي، ما يحد من مساهمتهن، إلى جانب غياب التمثيل السياسي الكافي، حيث لا يتم تمثيل النساء بشكل عادل في صنع السياسات المناخية.
تهميش النساء من المناقشات
ومن جانبها، عزت الخبيرة المغربية في قضايا المناخ ورئيسة منتدى المرأة العربية، الدكتورة مليكة شكير، أسباب قلة المبادرات النسوية المخصصة لمواجهة تغير المناخ إلى مجموعة من العوامل أبرزها قلة الوعي بالتأثير المتبادل بين النوع الاجتماعي وتغير المناخ، فضلا عن غياب التوعية بدور النساء في الحلول المستدامة.
وقالت د. شكير في تصريح لـ"جسور بوست"، إن "كثيرا من المبادرات النسوية تركز على قضايا ملحة مثل الحقوق السياسية، والعنف ضد المرأة، والمساواة في الأجور، مقابل تهميش أو تقليل أهمية القضايا البيئية، لا سيما وأن تغير المناخ يُنظر إليه غالبًا كمسألة علمية وتقنية بدلاً من قضية اجتماعية أو جندرية".
وأضافت: "المؤسسات والمنظمات التي تركز على البيئة غالبًا ما تفتقر إلى التوازن الجندري في القيادة، ما يؤدي إلى عدم إعطاء أولوية لقضايا النساء في خطط مواجهة تغير المناخ، خاصة في المجتمعات التي تعاني فيها المرأة من التهميش من النقاشات المتعلقة بالسياسات البيئية والتنموية، ما يعيق قدرتهن على إنشاء أو قيادة مبادرات مخصصة لمواجهة تغير المناخ".
ولفتت الخبيرة المغربية إلى قلة التعاون بين الحركات النسوية والمنظمات البيئية، حيث لا يتم في بعض الأحيان دمج الجهود النسوية مع الجهود البيئية، بسبب غياب التواصل أو الفهم المتبادل لأهمية العمل المشترك، حيث عادة ما يتم استبعاد النساء من المناقشات التقنية للقضايا الكونية الكبرى مثل تغير المناخ.
تمكين النساء في العمل المناخي
وقالت أستاذة العلاقات الدولية وقضايا النوع الاجتماعي، الدكتورة صدفة محمد محمود، إن النساء يشكلن نحو 70 بالمئة من السكان الفقراء في المجتمعات النامية بالعالم، إذ يعتمدن على سبل العيش الحساسة للمناخ (مثل الزراعة)، باعتبارها المصدر الرئيسي للغذاء والدخل وسد احتياجاتهن من الطاقة والغذاء، ما يجعلهن الأكثر عرضة وتأثرًا بتغير المناخ.
وأوضحت صدفة، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن معظم المبادرات الدولية تولي اهتماما محدودا للغاية بالآثار الاجتماعية لتغير المناخ على الفقراء من الرجال والنساء، وذلك نتيجة تركيز المفاوضين ومخرجات القمم المناخية السنوية حول القضايا العالمية الأكثر إلحاحًا، سواء في ما يتعلق بسياسات التخفيف أو التكيف أو مشروعات الاقتصاد الأخضر، لتحجيم آثار ظاهرة الاحترار العالمي.
وأضافت: "معظم دول العالم تفضل أن تكون التدخلات المتعلقة بتغير المناخ، من خلال التدابير العلمية والتكنولوجية المخصصة لسياسات التكيف، وذلك على حساب الاستراتيجيات "اللينة" التي تُعالج السلوكيات والتفاوتات الاجتماعية والجندرية الناجمة عن ظاهرة تغير المناخ، لا سيما في ما يتعلق بالدخل والفرص العامة والوصول إلى المعلومات وغيرها".
وتابعت: "معظم الترجيحات تشير إلى أن تفاقم الكوارث الطبيعية بسبب التغيرات المناخية سيؤدي إلى هجرة الرجال إلى المدن بحثًا عن وظائف في مناطق الأراضي الجافة، وهو ما يجعل المرأة تتولى مسؤولية الأسرة في غياب الأزواج، وقد لا تتلقى زوجات المهاجرين الموسميين التحويلات المالية أو مصادر الدخل، ما يضطرهن إلى تحمل مسؤوليات أكبر لإعالة أسرهن، وهذه الأسباب تجعل النساء وأطفالهن الأكثر تضررًا من ظاهرة تغير المناخ".
وأكدت صدفة محمد، أن التداخل بين النوع الاجتماعي والمناخ يستحق مزيدًا من الاهتمام والدعم لضمان استجابة شاملة ومستدامة لتحديات تغير المناخ، وذلك من خلال توفير تمويل مخصص لتشجيع المبادرات التي تقودها نساء لمواجهة تغير المناخ، وتعزيز تمثيل النساء في المناصب القيادية في المنظمات البيئية، وتشجيع الشراكات بين الحركات النسوية والمنظمات البيئية بالعالم، إلى جانب أهمية التوعية بالتأثيرات الجندرية لتغير المناخ في الإعلام والتعليم، خاصة في المجتمعات النامية والفقيرة.