محمد هشام عبية لـ«جسور بوست»: أهتم بمكافحة التطرف ومسلسلي محاولة لتفكيك داعش «2-2»
محمد هشام عبية لـ«جسور بوست»: أهتم بمكافحة التطرف ومسلسلي محاولة لتفكيك داعش «2-2»
التطرف جسر يقود إلى ضفة تعمها الفوضى والإرهاب، خاصة إذا ما اقترن بأجندات تنظيمية وسياسية، تسعى إلى الحكم وترتدي لذلك من القناع ألفًا، كما هو حال الدواعش والإخوان.
وفي إطار المعركة الطاحنة بين جحافل المتطرفين وسادة الحكم في مختلف البلاد، خرجت نظريات ورؤى حول ما يمكن تسميته بـ"معركة الأفكار"، كإستراتيجية استباقية وقائية وربما لاحقة لتفادي تكرار تجارب التطرف، فالمعركة لم تعد تخوضها بمفردها الأجهزة القانونية، ولكن على شراستها وتنوعها تقتضي إستراتيجيات أخرى كالأفكار والكتابات التي تجسدها الدراما ويشاهدها السواد الأعظم من الناس، مستهدفة تفكيك صور وهمية أشاعها التنظيم الإرهابي عن نفسه، وإظهاره على حقيقته وتفاصيل ضعفه ودوافعه المريضة، وهي ذاتها الأفكار التي تقوم على تعزيز الوسطية والاعتدال، وصيانة الأوطان وحفظ مصالحها ومكتسباتها.
في الجزء الثاني من حوار "جسور بوست" مع الكاتب والسيناريست محمد هشام عبية، مؤلف مسلسل "بطلوع الروح"، يتضح لنا دور الكتابة المحولة إلى دراما في مكافحة التطرف، فرغم أن المسلسل جاء في 15 حلقة، إلا أن تأثيره وما حققه من نجاح، كان بمثابة ضربة قاضية في تعرية الدواعش والقضاء على أسطورتهم المزيفة.
- صرحت بأنك استلهمت فكرة المسلسل من بعض التحقيقات الاستقصائية، وتداخل الواقع مع الخيال.. معنى ذلك أن بعض الشخصيات في المسلسل لها وجود في الواقع فما هي؟
المسلسل مستوحى من قصة امرأة مصرية كانت في مخيم "الروج"، ذهبت إليه مع زوجها على غير رغبتها، وما زالت موجودة هناك حتى الآن وترغب في العودة إلى مصر، فجال بخاطري كيفية ذلك وما هي مخاطره ومن بيده المساعدة، ومن هنا تولدت فكرة المسلسل، واستعنت بالفعل بتحقيق استقصائي نفذته "البي بي سي"، ورد به ما أوضحناه في الحلقات الأخيرة وتفاصيل صفقة بين القوات الكردية وقوات التحالف الدولي من جانب، وقوات داعش من جانب آخر، لإخراجهم من الرقة محملين بالسلاح كاملًا إلى مدينة "الباغوز" في مقابل تحرير عدد من الرهائن في المستشفى الوطني في الرقة، وهي صفقة وإن كانت تبدو بدافع إنساني إلا أن السؤال هنا لماذا تمت التضحية بأربعة قيادات من داعش لصالح فرنسا لتورطهم في عمليات إرهابية هناك، خروج داعش بأسلحتهم سقطة كبيرة لما تسبب فيه من امتداد للصراع في سوريا ما يزيد على عامين، خلاف هروب بعضهم وانتشارهم في العالم ينظمون صفوفهم من جديد في دول أخرى، هذا المشهد حدث بعيدًا عن كاميرات التليفزيون التي كانت تغطي الحرب آنذاك، ولذا حرصت على تحويله إلى مسلسل حتى يعلم الناس الحقائق ويصلهم ما حدث.
- في يقيني أن المسلسل استهدف إيصال رسائل كثيرة تحذيرية وتحليلية ما أبرزها، وهل يعتبر بداية لمشروع فكري درامي يستهدف كشف وتفكيك التطرف بكل أشكاله؟
انشغلت طوال الوقت بفكرة التطرف، قبيل 8 سنوات أعمل عليه وأفكر، حتى وأنا طفل وحدثت محاولة اغتيال رئيس الوزراء عاطف صدقي، واستشهدت على آثارها طفلة تدعى شيماء في مصر الجديدة في التسعينيات، لقد انتبهت منذ الصغر إلى ما تعنيه مشكلة التطرف وخطورتها، زاد انتباهي أكثر مع محاولة اغتيال نجيب محفوظ واغتيال فرج فودة وما تلا ذلك من هجمات لإرهابيين، جميع ما سبق جعلني أفكر ما الذي يحمل فردًا على تصويب سلاح إلى الناس وقتلهم باسم الدين وبهدف التقرب إلى الله، ثمة شيء خطأ، كذلك ونظرًا لتربيتي في محافظة الدقهلية والمنصورة ودمياط هي بيئة تحوى تواجدًا لجماعات إسلامية وتواجدًا للتشدد الفكري، كنت أرفضه بالفطرة وأرى أن أسبابه الأساسية لدى المجتمعات العربية هو غياب الديمقراطية كأحد العناصر الأساسية التي تجعل موجات التطرف ضخمة.
والتطرف موجود في كل دول العالم والدول المتقدمة في أمريكا يوجد اليمين المتطرف وفي بريطانيا، ولكن يمكن احتواؤه وتطرفه، بأن تكون دائرة أثره ضيقة، لكن التطرف في الدول العربية أثره أكبر على حيواتنا، لديَّ مشروع مهم لرصد التطرف ومكافحته بقدر استطاعتي، وداعش كان فرصة جيدة للتطرق والحديث عن تلك الفئة، ولديَّ مشروعان آخران يتعلقان بداعش، لكن خروجهما للجمهور سيكون بعد أخذ راحة نفسية وإنتاجية وتناول داعش في أعمال درامية وارد لأن الفكرة ضخمة وأثرها ضخم، ودفع ثمن تطرفهم الملايين، ولو أن كل فرد سرد قصته وما أثرت به داعش على حياته لكان لدينا ملايين الحكايات.
- لأول مرة تُظهر الدراما المصرية المرأة قائدة لتنظيم داعش ما الهدف والرسالة، ولماذا كتيبة لواء الخنساء وشخصياتها؟
أثناء مطالعاتي علمت بوجود ما يسمى بلواء الخنساء، ورأيت أنه سيكون تناولًا مختلفًا، نظرًا لأنه كان فاعلًا ومؤثرًا، بل بمثابة يد قاتلة وعنيفة ضد النساء في داعش، كان عالم نساء الخنساء ثريا ومخيفا وخصبا، ما أهله أن يكون مدخلًا دراميًا جيدًا خاصة وأن الدراما، السابقة تناولت داعش من وجهة نظر مخابراتية وأمنية وركزت أكثر على الرجال وتفاصيلهم.
- بدت لي شخصية أم جهاد مركبة، ورغم ذلك في بعض المشاهد تثير تعاطفك وتربك انفعالاتك، فهي رغم طمعها وحبها للسلطة والمال، ما زال بداخلها أنثى مقهورة ما الذي أردت إيصاله من خلال رسمك للشخصية بهذه الطريقة؟
أم جهاد مثلها مثل شخصيات المسلسل، جميعهم وإن كان بعضهم شريرا في المطلق، إلا أنهم مارسوا الخير وفقًا لمفاهيمهم، أيضًا كانوا يمارسون حياتهم الطبيعية كبشر، لقد كان جزءا من رسالة المسلسل تفكيك الصورة الذهنية من أن داعش كيان لا يقهر، أنصاف آلهة لديهم قدرات جسمانية وجنسية خارقة يغتصبون ويقتلون، وهي رسالة تستهدف فريقين، من يريدون استقطابهم فيكون لديه رغبة وشغف للانضمام لهم، وهم أصحاب الأنفس المهتزة والعقلية المتوسطة، والجزء الآخر هو الأعداء بغرض إرهابهم، هم يريدون هذه الصورة، ولديهم كتاب أساسي كجزء من منهجهم الفكري يسمى" إدارة التوحش"، استهدفت تفتيت تلك الصورة بإظهارهم كبشر عاديين لهم رغباتهم وأهواؤهم وعجزهم وما يجعلهم ضعفاء يبحثون عن حبوب مقوية وسيدة ستينية لها احتياجاتها الجنسية ولا تستطيع الحصول عليها، ومن ثم هدم صورتهم وتفكيكهم، هم ليسوا في مأمن ولا بمنزهين عن الهزيمة.
- تعاني لبنان من انهيار اقتصادي ما أدى إلى انهيارات بقطاعات مختلفة كالكهرباء والصحة وغيرها، بخلاف المشاكل الأمنية والعوامل الجوية.. كيف تفاديتم كل هذه المعوقات؟
يعاني لبنان من أزمة اقتصادية طاحنة، لكن شركة "صادق الصباح"، شركة راسخة في السوق المصري، استطاعت توفير كافة الإمكانات وما تستلزمه الإعاشة والانتقالات، لكن كانت هناك أمور خارج السيطرة، مثل إصابات الممثلين بـ"كوفيد-19"، أيضا موجة البرد التي مرت بها لبنان، أيضًا وجود جماعات مسلحة واختطاف المحاسب المالي لمدة 10 أيام.
- كما كانت هناك معوقات في التصوير، بلا شك قابلتك صعوبات في الكتابة.. ما هي؟
لم يراجعني إنتاجيًا أحد في مشهد كتبته مهما كانت كُلفته، وما اختصر كان بالتوافق والتنسيق مع المخرجة، وكان ذلك بسبب ضيق الوقت، كانت الكتابة بمثابة توثيق الأحداث والوقائع والشخصيات، وكان للصديق علاء عزمي دور كبير في تدقيق وتوثيق الواقع وأحيانًا تقديم حلول درامية من أرض الواقع وأفكارهم الخاصة بفقههم وكتبهم وسلوكياتهم الشخصية، أيضًا كان تحديًا التطرق لموضوع تم تناوله من قبل في الدراما المصرية، ولذا كان لا بد من وجود مدخل وزاوية مختلفة تجعل المشاهد يركز مع المسلسل منذ حلقته الأولى، ولا يشعر أننا في مناظرة دينية أو وطنية، لقد كان هذا تحديًا ورهانًا.
- عندما يصبح الكاتب خبرًا كيف وجدت ذلك؟
كانت رغبتي منذ صغري أن أكون مؤثرًا لا مشهورًا، فطبيعتي أن أعمل ما أحبه ولا أميل للأضواء ولا أحب التقيد بتداعيات الشهرة، والحياة اختيارات وأحب أن أعيش حرًا دون قيود، ولذلك ظهرت بيني وبين الكتابة قصة حب لأنها حققت لي ما أميل إليه، وهو أن أكون مؤثرًا في من يقرأ لي، فكوني أصبح خبرًا رغم أنه يشبع جزءا ما داخلي للإنسان لكنني أحب دائمًا تحجيمه، أحب الكتابة بغض النظر عن الوسيلة التي أعبر بها عن أفكاري، وأكثر ما يجعلني سعيدا رسالة من مجهول يخبرني فيها عن مشهد أثر به أو جعله يعيد تفكيره في أشياء يعتقدها، هذا مكسب.
- معالجتك للمسلسل غير تقليدية، ورسمك للبعد النفسي للأشخاص عميق، لا يتأتى إلا عن دراسة مزيج من العلوم الإنسانية على رأسها علم النفس والاجتماع والفلسفة واللغة أيضًا، كيف فعلت ذلك؟
أساس أي دراما هي الشخصيات، ومحرك الأحداث في حياتنا العامة هم الأشخاص، ولذا أقول إن صفة كل رئيس تفرق مع شعبه وإدارته للدولة، ولكي أستطيع رسم الشخصية والتعبير عنها جيدًا، لا بد أن أدرسها وأعرف دوافعها وأفكارها وردود أفعالها، في بدايتي ككاتب سيناريو كنت آخذ الكتابة "عافية"، وأقول هذا بلطجي يسرق، لكنني لا أستطيع استكمال الكتابة، لأنني لم أكن أعرف تركيبة الشخصية ودوافعها ولذا كنت لا أستطيع تخيل رد فعلها وإلا لأصبحت جميع الشخصيات نسخة واحدة أو متشابهة، التعمق في الشخصية بكل جوانبها أمر هام لبناء عمل درامي مُحكم، إلى جانب أنني مغرم بقراءة علم النفس وأرى أنه يكشف لي طبيعة النفس البشرية خاصة المقربين، أفهمهم وكذلك أفهم نفسي، الأستاذ نجيب محفوظ قدَّس الله أدبه فعل ذلك، أنشأ ملفا للشخصيات أثناء كتابته للرواية، هذا الملف يحتوى على كل ما يتعلق بالشخصية شكلها وتكوينها الجسماني والنفسي وتربيتها وعلاقتها بالأب والأم في الصغر.
- أهناك نجوم معينون تحب العمل معهم ولماذا؟
كثيرون، ومصر مليئة بالموهوبين المؤثرين، أحب تكرار عملي مع منة شلبي، ومنى زكي وياسمين عبدالعزيز، وكريم عبدالعزيز، وخالد النبوي، وإياد نصار، وغيرهم لديهم قبول وموهبة ومغامرون يقدمون أعمالًا متنوعة.
- ظهر اسم طبيب نفسى على التتر هذا تطور إيجابي نادى به أساتذة الطب النفسي، حدثنا عن السبب ومواقف تعرض لها بعض فريق العمل احتاجت لتدخله؟
تعاونت مع الدكتور نبيل القط الطبيب النفسي في مسلسل "60 دقيقة"، وكان مرجعية أساسية للمسلسل نظرًا لأن شخصيات المسلسل مركبة ومعقدة، ونحتاج لإظهارها باعتبارها ذات طبقات متعددة، فكان مفيدا جدًا معي وأثناء نقاشاته مع المخرجة في جلسات ما قبل التصوير.