«فورين بولسي»: تغير المناخ يدفع المزارعين السريلانكيين للهجرة بحثاً عن عمل
«فورين بولسي»: تغير المناخ يدفع المزارعين السريلانكيين للهجرة بحثاً عن عمل
تُعد سريلانكا من الدول الأكثر تأثرًا بتغير المناخ، حيث يؤدي التغير المستمر في الظروف المناخية إلى تهديد سبل عيش المواطنين، خصوصًا أولئك العاملين في القطاع الزراعي، وفقا لتقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي"، اليوم الأربعاء.
وشهد رافيندرا لاموسيا، الذي بدأ عمله كمزارع مستأجر في مناطق شمال وسط سريلانكا قبل أكثر من عشر سنوات، التأثير المباشر للمناخ على استمرارية عمله، ففي السنة الأولى من عمله، تعرضت مزرعته لفيضانات غمرت الأرض، وفي السنة التالية عانى من جفاف مدمر دمر محصول الأرز بشكل كامل، مما ألحق ضررًا بالغًا بالقدرة على توفير الدخل لأسرته.
وعندما تحدث لاموسيا عن معاناة أسرته، قال في يناير من العام الماضي، ألحق الجفاف بهم أزمات مالية، لم تكن قادرة على سداد الديون التي كانت قد اقترضتها بهدف تمويل الزراعة، وقد أجبرت هذه الظروف القاسية زوجته، إيشارا، على البحث عن فرص عمل في الخارج، فاختارت الهجرة إلى لبنان للعمل كعاملة منزلية.
ضغوط اقتصادية وتغير المناخ
تزايدت هجرة النساء السريلانكيات إلى الشرق الأوسط، بحثًا عن فرص عمل لتحسين أوضاعهن المالية، تاريخيًا، بدأ سريان هذا الاتجاه في تسعينيات القرن الماضي، ليشكل عاملات المنازل السريلانكيات نحو 60% من مجموع العمالة السريلانكية في دول الشرق الأوسط، إلا أنه في العقدين الأخيرين، شهدت هذه النسبة تراجعًا نتيجة للسياسات التي فرضتها الحكومة السريلانكية للحد من هجرة العمالة.
ومع ذلك، في عام 2022، انتعش هذا الاتجاه مجددًا، حيث بلغ عدد النساء اللائي هاجرن للعمل إلى دول الشرق الأوسط 124091 امرأة، مثلن نحو 37% من مجموع المهاجرين السريلانكيين إلى المنطقة، وأسهمن بنحو 1.94 مليار دولار من التحويلات المالية إلى سريلانكا.
وأدى تغير المناخ إلى تفاقم التحديات التي يواجهها المزارعون السريلانكيون، لا سيما مع زيادة تواتر الظواهر الجوية المتطرفة مثل الفيضانات والجفاف، ما أثر بشكل كبير على الإنتاج الزراعي.
كان المزارعون يزرعون الأرز، وهو المحصول الرئيسي في البلاد، إلا أن التغيرات المناخية أحدثت اضطرابًا كبيرًا في أنماط الأمطار، فبدلاً من الأمطار المتقطعة التي كانت تحدد الجدول الزمني للمحاصيل، أصبح المزارعون الآن يواجهون فترات جفاف طويلة وفترات مطرية غير منتظمة، ما يهدد المحاصيل في كل موسم.
تأثير الهجرة على العائلات
الهجرة تتسبب في تمزق العديد من الأسر السريلانكية، فبينما يسعى العديد من المزارعين للحصول على دخل مالي من خلال مغادرة النساء للعمل في الخارج، تواجه الأسر تحديات عديدة، ففي حالة رافيندرا لاموسيا، غادرت زوجته للعمل في السعودية تاركة وراءها طفليها الصغيرين، بينما تولت والدتهما رعاية الأطفال رغم معاناتها الصحية.
وتحكي الأم، قائلة: "أشعر بآلام في صدري، لكن لا يمكنني ترك الأطفال بمفردهم"، فهناك تحديات تواجه المهاجرات مثل تعطل الرعاية للأطفال وكبار السن، ما يؤدي إلى انعدام الاستقرار العائلي.
وتقول الباحثة أنوجي إيكاناياكي: تزيد الضغوط الاقتصادية الناجمة عن التغيرات المناخية من إقبال النساء على السفر إلى الخارج بحثًا عن فرص عمل، خاصة في ظل تدهور الوضع الاقتصادي في سريلانكا، ولا تقتصر تلك الضغوط على المزارعين، بل تشمل أيضًا العاملات اللاتي لا يملكن الأراضي أو الوصول إلى الدعم الحكومي، مما يزيد من معاناتهن في ظل تقلص الفرص المحلية.
مخاطر تواجه النساء المهاجرات
لا تقتصر المخاطر التي تواجهها النساء السريلانكيات في الخارج على الظروف العمل الصعبة، بل يمتد التهديد ليشمل الاستغلال والاتجار بالبشر، تستغل وكالات التوظيف المحلية، المعروفة باسم "الوكلاء"، غياب الوعي وإلمام النساء الريفيات بأمور الهجرة، مما يعرضهن للوعود بالعمل في وظائف منزلية غير رسمية، ولكنهن يجدن أنفسهن في وظائف لا تمت لما وُعدن به، أو لا يحصلن على الرواتب المتفق عليها، وفي بعض الحالات لا يجدن وظائف أصلًا، ما يتركهن عائلاتهن في أوضاع صعبة للغاية.
ويُتوقع أن تزداد الهجرة الناتجة عن التغير المناخي في السنوات المقبلة، ووفقًا لتوقعات البنك الدولي لعام 2021، فإن سريلانكا ستشهد زيادة كبيرة في درجات الحرارة الشديدة، ما سيزيد من تفاقم أزمة القطاع الزراعي في البلاد.
وتوقعت دراسة أن انخفاض عائدات المزارع في سريلانكا بسبب تغير المناخ قد يصل إلى 26% بحلول عام 2069 مقارنة بعام 2013، تشير هذه التوقعات إلى أن تغير المناخ سيظل قوة دافعة رئيسية للهجرة السريلانكية في المستقبل.
تحديات على المدى الطويل
في ظل الظروف الراهنة، تبقى الزراعة في سريلانكا مرتبطة بتقلبات المناخ، ما يجعل المزارعين في حالة من القلق المستمر بشأن المحاصيل، هذا الوضع يستدعي ضرورة إيجاد حلول مستدامة لقطاع الزراعة، وتقديم الدعم الحكومي للمزارعين لمساعدتهم على التكيف مع تغير المناخ، بالإضافة إلى حماية حقوق المهاجرين السريلانكيين، خاصة النساء، من الاستغلال في الخارج.