عيد فصح حزين في الزبابدة.. المسيحيون بالضفة تحت وقع الحرب وغياب الأحبة
عيد فصح حزين في الزبابدة.. المسيحيون بالضفة تحت وقع الحرب وغياب الأحبة
هيمنت العمليات العسكرية الإسرائيلية وتداعيات الحرب المتواصلة على غزة على استعدادات عيد الفصح في بلدة الزبابدة شمالي الضفة الغربية، وهي بلدة فلسطينية يغلب عليها الطابع المسيحي، ما ألقى بظلال قاتمة على موسم روحي لطالما اتّسم بالبهجة والتأمل.
شهدت الزبابدة هذا العام احتفالًا استثنائيًا بعيد الفصح، إذ تزامنت أعياد الكاثوليك والأرثوذكس والإنجيليين في اليوم نفسه، وهو أمر نادر الحدوث، ورغم محاولات السكان الانخراط في الطقوس الاحتفالية المعتادة، مثل تحضير الكعك وتنظيم مواكب الكشافة، فإن القلق والخوف سيطرا على الأجواء، وفق فرانس برس.
موجة نزوح من جنين
استقبلت البلدة عشرات العائلات الفارة من مدينة جنين ومخيمها، المجاورين، هربًا من العمليات العسكرية الإسرائيلية التي خلّفت دمارًا كبيرًا هذا العام، وقالت جانيت غنام (57 عامًا)، وهي إنجيلية من سكان الزبابدة، "هناك خوف دائم، في أحد الأيام، دخل الجيش إلى جنين، وبدأ الأولاد والناس يهربون، الكل كان مذعورًا".
وأوضحت غنام، قبل دخولها الكنيسة للمشاركة في صلوات ما قبل عيد الفصح، "ننام على شيء ونصحو على شيء آخر"، مشيرةً إلى أن ابنها لن يتمكن من زيارتها في العيد هذا العام خوفًا من الحواجز العسكرية الإسرائيلية المنتشرة في المنطقة.
أزيز الطائرات يغطي صوت الأجراس
تقع الزبابدة وسط تلال شمال الضفة، وتبدو للوهلة الأولى بلدة هادئة ومثالية، لكنّ أزيز الطائرات الإسرائيلية الحربية كثيرًا ما يعلو على صوت أجراس الكنيسة، وقال الشماس الإنجيلي سليم كسابرة "يفكر الناس في وضعهم الوجودي في الضفة الغربية لأنه مهدد أيضًا، نحن فعليًا نعبر في الظلام دون أن نعرف إلى أين نحن ذاهبون".
رأى كسابرة أن هذا "التهديد الوجودي" تعمق بسبب مشاعر الإحباط حيال مشاهد الدمار في غزة، حيث بلغت حصيلة القتلى جراء الهجوم الإسرائيلي أكثر من 51 ألف شخص، بحسب وزارة الصحة التابعة لحماس.
ورغم أن الزبابدة لم تتعرض للقصف، فإن آثار الحرب وصلت إليها، فقد أفاد مكتب رئيس البلدية بأن 450 من سكان البلدة خسروا وظائفهم في إسرائيل بعد إلغاء تصاريح العمل الممنوحة للفلسطينيين.
وقال المزارع إبراهيم داوود (73 عامًا) "عندما اندلعت حرب غزة في 7 أكتوبر، حوصِرنا للمرة الأولى، إسرائيل لم تغلق علينا أبدًا بهذا الشكل، في السابق كنا نعمل بشكل عادي".
معاناة وقلق من الهجرة
يشعر السكان بالقلق من تراجع أعداد المسيحيين في فلسطين، مع اضطرار كثيرين للهجرة بحثًا عن حياة مستقرة، وقال طارق إبراهيم (60 عامًا)، أستاذ رياضيات، "لا يستطيع الناس البقاء بدون عمل، والحياة ليست سهلة".
وأكد رئيس البلدية غسان دعيبس هذه المخاوف قائلًا: "لكي يبقى المجتمع المسيحي موجودًا، لا بد من وجود أمن واستقرار وظروف معيشية كريمة. إنه الواقع، وليس دعوة للهجرة".
وأضاف دعيبس أن المسيحيين كانوا يشكلون 30% من سكان فلسطين، أما اليوم فلا تتجاوز نسبتهم 1%، وعددهم في تناقص مستمر.
الإيمان في مواجهة الصعاب
رغم هذه التحديات، حافظ البعض على نظرة إيجابية.. وقال الكاهن الكاثوليكي إلياس طبان: "في كل مرة تمر الكنيسة بأوقات صعبة، نرى الإيمان يكبر".
تُعد الزبابدة واحدة من أبرز البلدات ذات الأغلبية المسيحية في الضفة الغربية، وتُعرف بتنوعها الطائفي وتقاليدها الثقافية الغنية، ومع تصاعد العنف في الضفة الغربية بعد اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، شهدت البلدة تداعيات أمنية واقتصادية مباشرة، في ظل إغلاق إسرائيل للحدود ومنع تصاريح العمل، ما زاد من صعوبات الحياة اليومية لسكانها، وتواجه الأقلية المسيحية في فلسطين خطر التقلص الديموغرافي في ظل التهجير والهجرة، الأمر الذي يشكل تحدياً للوجود المسيحي التاريخي في الأراضي المقدسة.