«الإيكونوميست»: قرار بيئي في مومباي يهدد أحد أقدم تقاليد الطهي الهندي

«الإيكونوميست»: قرار بيئي في مومباي يهدد أحد أقدم تقاليد الطهي الهندي
أحد أفران التندور

أصدرت حكومة مومباي المحلية قرارات تلزم المطاعم وأكشاك الطعام والمخابز بالاستغناء عن أفران التندور التقليدية التي تعمل بالفحم، والتي تُعتبر من أبرز رموز المطبخ الهندي، وذلك في خطوة تهدف إلى تقليل مستويات التلوث والضباب الدخاني في المدينة.

ووفقا لتقرير نشرته مجلة "الإيكونوميست"، اليوم الثلاثاء، حددت السلطات مهلة زمنية تنتهي في 8 يوليو، داعية أصحاب المحال إلى استخدام أفران تعمل بالغاز أو الكهرباء عوضاً عن الفحم، في محاولة لاحتواء التلوث الذي تقول السلطات إنه بلغ مستويات حرجة في السنوات الأخيرة.

واعتمدت مومباي هذا القرار تماشياً مع سياسات مماثلة اتخذتها دلهي في وقت سابق، حيث فرضت قيوداً على استخدام الفحم في الطهو، معتبرةً أنه مساهم رئيسي في التدهور البيئي.

رد أصحاب المطاعم

من جانبهم، رفض العديد من أصحاب المطاعم القرار الجديد، واعتبروا أن تحميلهم وحدهم مسؤولية التلوث فيه قدر من التجني.

وأكد عدد منهم أن الضباب الدخاني لا ينتج فقط عن أفران الفحم، بل أيضاً عن أعمال البناء الكثيفة وحركة المرور الكثيفة في المدينة، والتي تُعد من أكثر المدن ازدحاماً في العالم.

وأعرب هؤلاء عن خشيتهم من أن تفقد الأطباق المشوية التقليدية، مثل خبز النان ودجاج التندوري، طعمها الفريد ومذاقها المدخن في حال اعتماد أفران الغاز أو الكهرباء. 

قال أحد أصحاب المطاعم: "نكهة الفحم لا يمكن استبدالها"، مشيراً إلى أن قرار الحظر قد يهدد تراثاً طهوياً يعود إلى قرون.

جذور التندور

ارتبط استخدام أفران الطين، المشابهة للتندور، بتاريخ طويل يعود إلى الحضارات القديمة، حيث ذكرت "ملحمة جلجامش" -أقدم نص أدبي معروف- أفران الطين التي كانت تُستخدم لخبز الخبز، ويُرجع بعض الباحثين مصطلح "تندور" إلى أصل أكدي يجمع بين كلمتي "النار" و"الطين".

واصلت هذه التقنية انتشارها في أنحاء آسيا، تحت مسميات محلية: "تونير" في أرمينيا، "تاندير" في أوزبكستان، و"تانور" في إيران، أما النسخة الحديثة من التندور، فيُعتقد أنها دخلت الهند عبر المغول، السلالة التي حكمت أجزاء واسعة من الهند وباكستان قبل الاستعمار البريطاني.

لكن روايات أخرى تعود بأصول التندور إلى حضارة وادي السند، حيث وُجدت آثار تدل على استخدام أفران طينية مشابهة لشيّ الدجاج والخبز.

لاجئو التقسيم يُحيون التندوري

ابتكر ثلاثة من الطهاة البنغابيين وصفة دجاج التندوري الشهيرة، بعد أن هاجروا إلى دلهي هرباً من أحداث التقسيم العنيفة بين الهند وباكستان عام 1947، حيث قام هؤلاء الطهاة بتتبيل الدجاج بالزبادي والتوابل قبل شويه داخل التندور، ما أضفى نكهة مشوية فريدة على الطبق، سرعان ما جعله من الأطباق المفضلة لرئيس وزراء الهند آنذاك، جواهر لال نهرو.

وأدى انتشار المهاجرين الهنود إلى حمل الوصفة إلى مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك المملكة المتحدة، حيث أصبح الطبق رمزاً للمطبخ الإمبراطوري السابق.

تحوّل دجاج التندوري لاحقاً إلى دجاج تيكا ماسالا، الكاري الأشهر في بريطانيا، عبر استبدال الدجاج الكامل بمكعبات خالية من العظم، وإضافة صلصة الطماطم الكثيفة.

تراجع استخدام الفحم

عانى استخدام الفحم في أفران التندور من تحديات بيئية واقتصادية متزايدة، حيث ارتفعت أسعار الفحم عالي الجودة المستخدم في الأفران، مما أضاف أعباءً مالية على المطاعم الصغيرة، كما بات من الصعب العثور على طهاة يجيدون التعامل مع الحرارة العالية والمتقلبة التي تتطلبها هذه الأفران.

وقال سهيل أحمد، مالك مطعم "تاور تندوري" في لندن، إن الفرن الطيني الموجود في مطعمه يعود إلى عهد جده الذي افتتح المطعم عام 1978، ويُرجّح أن عمره يقارب عمر الهند المستقلة.

وأكد أحمد أن "للفرن شخصيته الخاصة"، موضحاً أن أفران الغاز لا تُنتج النكهة نفسها.

نكهة الماضي وضغوط الحاضر

تتجه السلطات الهندية، مدفوعةً بضغوط التغير المناخي والتلوث الحضري، إلى تقليص الاعتماد على مصادر الوقود التقليدية، وقد يؤدي هذا التوجه إلى تقويض جزء مهم من التراث الطهوي الهندي، إذا لم تُطوّر تقنيات جديدة تدمج بين النكهة التقليدية والحلول النظيفة.

ويخشى محبو الطعام، داخل الهند وخارجها، من أن تندثر تجربة طهو فريدة شكّلت هوية منطقة بأكملها، ورغم التحديات، لا يزال الأمل قائماً لدى كثيرين في أن تبتكر الهند حلاً يُبقي التندور حيًّا بنكهته، ولكن دون دخانه.



 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية